التشبيك المؤسسي
تاريخ النشر: 09/09/14 | 17:08يعتبر التشبيك والتنسيق بين منظمات المجتمع المدني ” networking ” سمة بارزة من سمات النبوغ والتميز في التخطيط والعمل، وهو يعبر نضوج معرفي في اقتناص الفرص المتاحة في المجتمع بعد فهم القوانين السارية في الواقع المحلي والإقليمي والدولي والانطلاق منها نحو فضاء العالمية.
وبلمحة عامة عن التشبيك والتنسيق بين منظمات المجتمع المدني، إذا ما تجاوزنا الخوض في التعريف أو الأهداف أو المعايير النوعية للتشبيك المؤسسي، فنحن أمام واقع لمؤسسة ذات طابع غير نمطي تخطت حدود التفكير والتخطيط المتعارف عليه على مدار عقود طويلة، وقررت أن تستفيد من التجارب العالمية على مستوى واسع جداً تأثيراً وتأثراً.
ولا بد للمؤسسات والهيئات الراغبة بولوج هذا الميدان أن تكون راسخة القيم الذاتية، واعية لطبيعة مجتمعها، وعارفة بمعنى ودلالات عملية الانفتاح وتداعياتها على هيكلية المؤسسة وواقعها ورسالتها.
هذا الأمر يقتضي بالضرورة وجود الرؤية والرسالة المؤسساتية التي تتفق مع المفاهيم والمبادئ العالمية ولو بالحد الأدنى، وإمكانية تحوير وتشكيل الأهداف المؤسساتية وآليات العمل والهيكلية الإدارية والتنظيمية في المؤسسة لتكون مرنة في عملية التوسع والانفتاح على المؤسسات الأخرى.
من المفيد هنا أن تتم الإشارة إلى أن أشكال التشبيك والتواصل بين الجمعيات والهيئات متعددة الأشكال والظروف، فمنها على سبيل المقال لا الحصر : النقابات والاتحادات، والانضواء تحت شبكة : المظلة العامة، والشبكات الضاغطة أو اللوبي الضاغط، والمنتديات والمنابر ونحوها من مسميات التجمع والالتقاء.
أما لماذا نقوم بعملية التشبيك المؤسسي، فلأن الظروف الزمانية والإنسانية والسياسية والاقتصادية والمعرفية وقوة الطرح تتطلب ذلك لزاماً، فنحن اليوم في زمان لا يعيش فيه الضعيف ولا يعيش فيه المنفرد، مهما بلغت درجات النبوغ والتميز لدى الفرد.
أضف إلى ذلك، أن التشــبيك بــين الجمعيــات الأهليــة والمنظمــات غــير الحكوميــة هــو وســيلة ناجعــة للتبــادل المعرفــي وسياحة المعلومــات التبادلية حــول الاحتياجـات والمشروعات والخـبرات والمنـافع وتحقيق أعلى سقف ممكن من النجاح والريادة والتميز.
التشبيك الناجح خطوة أخرى ترقى لمرحلة أعلى من التشبيك الروتيني بحد ذاته، فهو يتضمن توحيــد الخطــاب وزيــادة التــأثير في المفاوضــات المقامة وزيادة التأثير والضــغط والتخطيط الفعلي في صناعة القرارات على المستوى الوطني والدولي.
كذلك فإن هذا النمط من التشبيك يسهم في تعزيز الأداء الديمقراطي وتفعيل الدور التنموي لمنظمات اﻟﻤﺠتمع المدني، عمليا لا نظرياً.
ووفق تعريفات المجتمع المدني في نظريات رواده الغربيين مثل ماركس وهيغيل وغيرهما، فإن الفرد في المجتمع بحاجة لنظرية التعاقد، وبحاجة إلى الطبقة الوسطى التي تمنع تغول السلطة الحاكمة على الفرد وحقوقه، ويشكل التشبيك أداة لتقوية المنظمـات غـير الحكوميـة في سـعيها نحـو اسـتقلالية قرارهـا في مواجهـة نزعـة الحكومـة للهيمنـــة عليهـــا ولتوجيههـــأ أيضاً.
كما يلعب هذا النمط الإداري الجماعي في تعزيز منهجية الحكم الأهلي والمدني، ويحمي النسيج الاجتماعي والمعرفي والثقافي للمجتمع برمته.
والجنوح إلى هذا النهج يطلب بلورة مفهوم مشترك وواضح للتنمية المحلية، ومشروعات التعبئة الجماهيرية للوصول إلى اتجاهات قانونية عامة تتيح للفرد والمؤسسة العمل بأريحية في بيئة ديمقراطية لا تقنع فيها حرية التفكير أو ممارسة الرؤى والتوجهات.
هذا معناه بالضرورة وضوح الصورة للعلاقة بين قطاعات وشرائح المجتمع، صورة تشارك في صناعتها مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص والمؤسسات الحكومية والنخب العلمية والأكاديمية والمعرفية،وبلورة رؤية مشتركة وجديدة حول القطاع الأهلي ومجال حراكه في الواقع العام دون تداخل للصلاحيات، ودون مساس بحق كل طرف لترسيم سياساته وتوجهاته بحرية ونضوج وتكامل.
إذا، التشبيك وسيلة وليس غاية، وسيلة لتحقيق النهضة، والانتقال من الدور الإغاثي وتقديم الإعانات والمساعدات المجزوءة إلى دور فاعل في التنمية المستدامة، وفي عملية التغيير الاجتماعي نحو اتجاهات معرفية وتطبيقية لم تمارس من قبل، وسيلمس المجتمع أثرها بصورة مباشرة.
نقطة هامة وأخيرة، وهي أهمية امتلاك زمام المبادرة والوعي التام لدى دخول ميادين التشبيك المؤسسي في شتى المجالات، حتى لا تقع المؤسسات الضعيفة فريسة أهداف وتطلعات المؤسسات الكبرى أو النافذة، أو ضحية سياسات الجهات المانحة، فالتشبيك لا يعني بحال الذوبان والتلاشي في الآخر.
د نزار نبيل أبو منشار الحرباوي