دراسة لديوان “وجوه وسفر” للشَّاعرةِ “هيام قبلان”

تاريخ النشر: 10/09/14 | 15:53

مقدِّمة:
هذه دراسة موجزة لديوان وجوه وسفر للشَّاعرة “هيام قبلان” من قرية عسفيا – قضاء حيفا- وسأركزُ فيها الأضواءَ على بعض القصائد ومن خلالها أستطيعُ أن أقدمَ فكرة ً متكاملة ً للقرَّاء ومُحبِّي الأدبِ عن مستوى الديوان وأبعادِه الإنسانيَّة والموضوعيَّة والفنيَّة.
مدخل:
الديوان يقعُ في ( 96 ) صفحة من الحجم المتوسط ومطبوع طباعة جميلة وأنيقة.
الشَّاعرة “هيام قبلان” شاعرة عربيَّة محترفة لم تأخذ حقها وحظها حتى الآن من الإنتشار والإهتمام بالشكل الكافي.
أمَّا ديوان شاعرتنا هيام قبلان “وجوه وسفر” فعلى مستوى عال جدًّا من ناحيةِ العُمق والأسلوب والصُّور المبتكرة.. وتمتازُ معظمُ قصائد هذا الديوان بالرُّومانسيَّةِ الشَّفافةِ الحالمة يُترعُها جوٌّ من الدِّفءِ والعذوبةِ والسِّحر والجمال الشَّكلي اللفظي والفنِّي، وتتخلَّلها الإستعاراتُ والتعابيرُ الادبيَّة البلاغيَّة الرَّاقية الرَّائعة، كما يشُوبُها ويحتويها الغموضُ والرَّمزيَّة بشكل ٍ طفيفٍ عفويٍّ. وتعالجُ هذه القصائدُ جميعَ القضايا المهمَّة التي نحياها، وتحملُ في طيَّاتِها المجدَ الإنساني والفلسفي والفكري والإجتماعي والوطني القومي. هي تكتبُ للقمر والمطر، للشَّمس والحجر، للعصافير والشَّجر، تنادي طائرِها السِّحريَّ ليحملهَا إلى أرض ٍ تعبقُ بالياسمين… هذا الهروبُ الشَّاعري موجودٌ بشكل ٍ أوضح وأشمل عند شعراء مدرسة” أبولو” والمدرسة المهجريَّة الذين يفضلون حياة َ الغابةِ البريئة السَّاذجة على حياةِ المدينةِ وضوضائِها، ولهذا هم يتوقونَ للرحيل أو الهرب إلى البعيدِ.. إلى عالم ٍ خياليٍّ رومانسيٍّ ساحر جميل تحلِّهِ وتترعهُ الوداعة ُ والبراءَةُ والسَّذاجة البريئة والهدوء بعيدًا عن الضَّجيج والمشاكل والحقد والصّراع. ولكن شاعرتنا الشَّابَّة في هروبها إلى أحلامِها البريئةِ لا تنسى واقعَهَا الإجتماعي والسياسي والقومي فهي دائمًا على قلق ٍ وانتظار فارسها الموعود صلاح الدين وانتظار مسيح بيت لحم.. فهذه الاوضاع التي نحياها والإزدراء والذل والحيف والظلام الذي يُخيِّمُ على الشِّرق والأمَّةِ العربيَّةِ لا بدَّ سيزول قريبًا حسب توقعها.
تقولُ هيام:
“قبلَ ان أسافرَ اكتبني …
مُتيَّمة الأطفال لحريَّةِ السِّنينْ….
إحملني كطائرٍ سحريٍّ …
إلى أرض ٍ تعبقُ بالياسمينْ…
أكتبني أملا ً على وجهِ القمَرْ …
كبلدي عطشَى إلى زخَّاتِ المطرْ …
كالبنفسج ِ ينتحرُ رُوَيدًا … منَ الضَّجَرْ
قبل أن أسافرَ اكتبني …
كالحكمةِ على ستائر ضريح…
أصلبني حينَ تحنُّ الشَّمسُ للأصيلْ…
فصلاحُ الدين ِ آتٍ…
وبيتُ لحم ٍ تنتظرُ المسيحْ… .

إنَّ قصائدَ هذا الديوان مكتوبة ٌ على نمطِ الشِّعر الحديث الحُرّ، ولكن توجدُ فيها موسيقى داخليَّة أخَّاذة ٌ.. وأنا أشبِّهُ هذه القصائد بالتقاسيم حيثُ لا تتقيَّدُ بمقام ٍ أو وزن مُعيَّن ولكنَّها تنتقلُ من وزن ٍ إلى آخر وأحيانا يتكرَّرُ هذا في نفس المقطع.
وهنالك بعضُ المقاطع (وهي قليلة) تخضعُ لقيود الوزن الواحد وهي على شعر التفعيلة.

إنَّ قصائدَ هذا الديوان (وجوه وسفر) غنائيَّة تميلُ إلى التعبيريَّة ومعظمها تحققُ جوهرَ وماهيَّة َ الشعرَ الغنائي.
ونجدُ في بعض قصائد هذا الديوان أنَّ نقطة َ تلاقي للشَّكل المخروطي تقعُ في نهايةِ المقاطع أو تنصبُّ في خاتمةِ القصيدةِ، مثل قصيدة (“يا سيِّدي” – صفحة 14).
حيث تقولُ في نهايتها:
(“لماذا أيُّها السلطان//تحرقُ في الغاباتِ الأشجار//
وقصائدي تدسُّ فيها//رائحة الدخان//
ترسمُ لأوراقي//دوائرَ للوهم ِ والعصيانْ//
لا أريدُ منكَ/سوى تتوِّجَ بيروت//
عروسة َ المواسم//أميرة َ السَّلامْ//”)
وفي نهاياتها يكونُ مركزُ الثقل… ونهايات وخواتم قصائدها هي ترجمة ٌ مشحونة ٌ بالشَّجَن وقرارا عميقا يردُّ شتاتها إلى الوحدة.
تتطرَّقُ هيام في ديوانها هذا إلى مواضيع وقضايا إجتماعيَّة عديدة يعاني منها مجتمعنا، مثل:
الظنون واليأس والإحباط، والحشيش والأفيون، والتخلُّف العربي في، والزيف والذل والخنوع الذي يوصمُ بهِ الشَّعب العربي في هذا الزَّمن الرَّديىء…
تقولُ هيام بشكل ٍ قريبٍ إلى البساطةِ تشوبهُ بعض الرُّموز:
(“من باعَ أطفالَ امَّتي//
كزفير ِ الموتِ/كرائحةِ البنفسج//زُفُّوا بلا أمانْ//”).

وتقولُ أيضًا في نفس القصيدةِ :

(” من اقتلعَ مِنَ البحر ِ المُرجانْ
وادَّعى للعُربِ وحدةَ الاوطانْ
هُبِّي من تحت الرَّمس//يا غفوة َ الإنسانْ
لن ينحني لسلطتِكَ القمر//يا حضرة َ السُّلطانْ//
إنَّ الموجة َ حتما آتية ً//لتغسلَ الأقدامْ//”).

وتقولُ في قصيدةٍ أخرى:

(“رفيقي أستميحُكَ عُذرًا//أنتَ دومًا تبدأ الحوار//
وتخلقُ الأعذارَ عن شعبٍ يغرقُ في الظنونْ//
ينتشقُ الحشيشَ يعشَقُ الأفيونْ//
والنرجسُ الآنَ يا أملي//أفخرُ زجاجة سموم//
لا أدري كيفَ تصيرُ السَّنابلَ مُخدِّرًا
ولونُ عينيك بلادي//كومة جمر ٍ//
تاريخكَ لا يدخلُ ضمنَ القانونْ//”).

وتقولُ أيضًا:

(“يغيبُ من عُمري النهار//
أنكأ على جرح الليل//
أناجيكَ إلهي.. أكفرُ//بكلِّ الأقدارْ//
كيفَ لشعبي تُعطى حُرِّيَّة ُ الاختيارْ//
وعلى صفحاتِ الشَّرق//يُدوِّنونَ أكبرَ عارْ//
ما زالت أمَّتي تسافرُ في ليل الهموم//
بينَ مواسم ِ العشق ِ تحتَ الإختبارْ//

وتقولُ في القصيدة ذاتها:

(“تعيشُ في الفكر أسرابُ الخفافيش ِ//تشمُّ رائحة ُ الخدر//
تصيرُ بلدي أسطورة ً//لشلل ِ الليل ِ والسُّكر..”).. إلخ.
تتحدَّثُ شاعرتنا في هذا الديوان عن الفتاةِ والمرأةِ العربيَّة بشكل موسع وعن مكانتِها في مجتمعنا المحافظ ودورها وموقعها في هذا الشِّرق الراضخ لقيودِ التخلُّف والـتأخُّر الموروثة من العصور الجاهليَّةِ فالشَّاعرة ُ هيام قبلان تدافعُ في أشعارها عن مكانةِ المرأةِ وتوجِّهُ نقدَها إلى الرجل الشِّرقي وتكيلُ لهُ الإتهامات الكثيرة..
هي تريدُ من الفتاةِ العربيَّة أن تكون متحرِّرة ً، تملكُ قرارَها بيديها، وقدوة لمجتمعها، يكونُ لها اعتبارُها واحترامها وتقديرُها.
قد يظنُّ القارىءُ لأوَّل وهلةٍ أنَّ هيام تلتقي مع نزار قبَّاني في هذا المضمار من خلال أسلوبها التعبيري وصورها الحسيَّة الجماليَّة القريبة لأسلوبِهِ ولكنَّهُ يختلفُ عنها من حيث الأفكار والأيديلوجيا التي يحملها، فنزار قبَّاني ينظرُ إلى المرأةِ العربيَّة على أنها سلعة ودمية ٌ للهو والمتعةِ فقط ومصدر لإطفاءِ الشهوةِ لا أكثر مثله مثل معظم الرجال الشِّرقيِّين، ولكن شاعرتنا المبدعة تخالفهُ الرَّأي وتناقضهُ كليًّا..
هي تدافعُ عن المرأةِ وتدعو إلى تحريرها وردِّ كيانها واحترامها واعتبارها إليها لتكونَ متساوية ً مع الرجل في جميع المجالات الحياتيَّةِ.. إنَّ شاعرتنا في عباراتها التصويريَّةِ قريبة ٌ إلى حدٍّ ما بنزار قبَّاني كما ذكرتُ سابقا.. أي أنها تأثّرت من نزار كثيرًا ونلمحُ هذا التأثيرَ في العديدِ من قصائدها، وخاصَّة ً في دواوينها السَّابقة، ولكن في هذا الديوان (وجوه وسفر) فمعظم قصائدِه تختلفُ ونرى أنَّ شاعرتنا تتَّخذ ُ وتبدعُ وتبتكرُ أسلوبًا جديدًا خاصًّا متميِّزًا بها.

تقولُ هيام قبلان في قصيدة (“أكذوبة” – صفحة 62):
(” أتيتكَ عارية َ الفكر//بلا موعد//
قلْ ما شئتَ//قلْ إنَّني إنسانة ٌ ضعيفة/
فالمرأة ُ سيِّدي لدَى الرَّجل ِ الشِّرقي//امرأة ٌ ضعيفة ٌ//
قل إنني كأوراقِكَ مرميَّهْ//
لا.. لا أبالي//قد أكونُ همجيَّهْ//
أو أكونُ امرأة ٌ عفويَّهْ//كقططِ الليل ِ وحشيَّهْ…”).. إلخ.

وتقولُ في قصيدةٍ اخرى:
(“آنَ الوقتُ لتعرفَ//إنَني لستُ وليمتكَ البدائيَّهْ//
ولستُ اسطورتكِ المفضَّله//من عهدِ بابل//
لا الزّيف ثروتي ولا المغامرَة عنواني//
لستُ الحُبلى التي تلدُ من رحمِها الأحزانْ//
ولا أنشودة ٌ تغنى//في مجالس ِ السُّلطانْ “).

البُعدُ الوطني والقومي:
تطرَّقت هيام قبلان إلى المواضيع والقضايا التي تهمُّ كل مواطن عربي محليًّا وفي البلدان والأقطار العربيَّة. وكانَ للبنان الجريح دورٌ وحيِّزٌ كبير في شعرها. هي تدعو إلى الأمن والسَّلام وتتتمنّى لجميع الناس والفقراء والضعفاء الأبرياء أن يحيوا بسكينةٍ وسلام. ولكنها في نفس الوقت تدينُ الظلمَ والإستبدادَ والإستعمار والقتل والتخريب والهدم.. تدينُ جلاوزة َ الفاشست الذين يقصفون المنازلَ ويقتلونَ الناسَ المدنيِّين الأبرياء كمل يجرى في لبنان وفي الضفةِ وقطاع غزّة المحتلِّين… تقولُ إنها لا تطلبُ من الطاغوتِ سوى أن يرفعَ يدَهُ عن الشَّعب البريىء.. عن الأطفال والنساءِ والزهور اليانعة الغضَّةِ وعليهِ ان يرفعَ الحصار عن الطيور الصَّغيرةِ ويُطلقها.

فمثلا في قصيدةِ (“سيدي” – صفحة 14) تقولُ:

(” ماذا تريدُ سيِّدِي//من صاحبةِ أوراق ٍ وأحلام//
أنا لا أريدُ من سلطتِكَ//سوى أن تعطيني الأمانْ//
أريدُ لأطفالِ بيروت أن تغمضَ جفونُهم.. أن تنام//”).

وتقولُ أيضًا:
(“أنت سيِّدي لديكَ السِّلاح//وأنا لديَّ ما يكفي مِنَ الحَنانْ//
لماذا تبكي الطيورُ أعشاشَهَا//والبلابلُ تنعقُ كالغربانْ//
وكلماتي يمزِّقها أسيادُ الزَّمانْ
لا أريدُ غيرَ أن تدعني أفكّ القيودَ/أطلق العصافيرَ.. أعشقُ الأيَّامْ
لا يرتعدُ قلبي مِنَ السَّلاطين والحكَّام//
ولا تكفُّ يدي عن مَسك ِ الأقلامْ//
لا ترى عيني في الأفق ِ//ضبابا ولا غربانْ//
دعني سيِّدي أطلقُ في جوِّي الحَمامْ//

دعني أدَوِّنُ لأحبابِ اللهِ//أروعَ ما قيلَ في الكلامْ//
أرجوكَ سيِّدي أن تُبعِدَ الحناجرَ//وتلغي الأوامر//”)… إلخ.

أمَّا في قصيدةِ (“لبنان” – صفحة 74) فتقول:

(“لم يبقَ فيكَ يا لبنان//سوى الأنينْ
غيرُ أصواتٍ مذبوحةٍ//
كإرتعاشةِ جسدي//كحركةٍ في أحشائي//كحيرةِ جنينْ//”).

أمَّا في قصيدتها (“هل.. نلتقي” – صفحة 65) فيلتقيان فيها الطابعُ والبعدُ الوطني القومي مع البُعدِ الوجداني الذاتي. فهي تحنُّ وتصبو وتتلهَّفُ إلى موطنها الأوَّل جبل العرب – سوريا فهي أصلها من هناك إذ جاءَ والدُها من جبل العرب إلى فلسطين قبل الإحتلال (عام 48) واستوطنَ منطقة الكرمل. وهي تبثُّ في هذه القصيدةِ لواعجَها وأشواقهَا الجيَّاشة وتخاطبُ الزائرَ والمسافرَ عابر السَّبيل أن يمرَّ في قرى جبل العرب مسقط رأس أجدادِها ووالِدِها ويزور أقاربَها هناك ويقرئهم السَّلام.. والقصيدة ُ خطابيَّة عاطفيَّة بشكل ٍ مؤَثِّر في النفوس، في بعض مقاطعها.. وهنالك بعضُ المقاطع جاءت ملتزمة ً بالوزن (على نمط شعر التفعيلة) وفي نهايةِ القصيدةِ يصلُ نشيدُها الملحمي الملتهبُ إلى القمَّةِ والرَّوعةِ وإلى سماءِ الإبداع ِ، قتقولُ :

(” يا زائرًا دمشقَ ذات مساءٍ
زرِ الأحبَّة َ ققد طالَ الفراقْ//
العُمرُ يمضي كرائحةِ الخريفِ في بطىءٍ//
والنسيمُ يجملُ بينَ جفنيهِ عطرَ الفراقْ//
مُرّ بالسُّويدَا..//فهنالك لي بيتا//دار الجدود//
عندَ البيادر ِ//في كلِّ زقاقْ//
أبي في ليالي الغربةِ//ربَّما في الوهم يكونُ الغناقْ//

وتقولُ أيضًا:

(“عرِّجٍ على “الهويَّة” وقفِ الهوينا//
ففي جبل ِ العربِ أحبَّة ٌ ترنو إلينا//
طالت ليالي الأسَى//لا وقتَ للحلم ِ/لا وقتَ للنحيب//

وتقولُ في نهايةِ القصيدةِ:

(” على دروب الغربَهْ//تزرعُنا الملامَهْ//
فوق السُّروج ِ سنلنقي//يومَ القيامَهْ//”).

وأخيرًا:
إنَّ هذا الديوان “وجوه وسفر” من أفضل المجموعات الشعريَّة التي تصدرُ لفتاةٍ عربية في بلادِنا ولكن وللأسف لم يحظ َ باهتمام النقاد المحليِّين ولم يكتب عنهُ أيُّ ناقدٍ محلِّي…والجديرُ بالذكر أنَّ الشاعرة والأديبة هيام قيلان حققت في الفترةِ الأخيرة شهرة وانتشارا واسعا محليًّا وعلى صعيد العالم العربي وشاركت في عدَّةِ مهرجاناتٍ ثقافيَّة وأدبيَّة عربيَّة وعالميَّة ولها الكثير من الإصداراتِ في مجال الشعر والأدب والروايةِ والقصة القصيرة.

بقلم : حاتم جوعيه – المغار – الجليل – فلسطين

2222

حاتم جوعية

33333

هيام قبلان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة