كيف نترجم מתחם / مِتحامٍ إلى العربيّة؟
تاريخ النشر: 11/09/14 | 8:50كثيرا ما نسمع في هذه الأيّام كلمة متحام العبريّة، على ألسنة كثيرين من اليهود، ومنّا العرب أيضا! فما هو معناها الدقيق، وكيف نشتقّ مصطلحا عربيّا بديلا؟
هذا، أوّلا، مصطلح عصري جديد. لم تعرفه العبريّة قديما، ولا العربيّة طبعا. في المجتمعات الحديثة المتطوّرة، لم تعد المحكمة، مثلا، أو المحطة المركزيّة للباصات في المدينة، بناية واحدة من قاعة واحدة، أو بناية واحدة من طبقات حتّى. المحكمة العليا في القدس، مثلا، هي “حارة” كبيرة واسعة، من بنايات عدّة، يضيع فيها “غريب الدار” مثلنا. لذا لم يعد من الدقّة أن نسمّيها بناية أو عمارة. إنّها بنايات كثيرة، على دونمات كثيرة من الأرض. هكذا نشأت الحاجة إلى تسمية جديدة مناسبة لهذا المسمّى العصريّ الشائع اليوم.
في العبريّة أطلقوا على هذه البنايات الكثيرة، التي تخدم غرضا واحدا أو مصلحة واحدة محدّدة، “متحام”، بكسر الميم وتسكين التاء. وهو في العبريّة وزن لاسم المكان. لكنّ هذا المصطلح، في العبريّة، ما زال يحمل دلالات أخرى سابقة أيضا. تذكر المعاجم، مثلا، أنّ المتحام هو “مساحة من الأرض ذات حدود واضحة، معدّة لغرض معيّن”. فيقال مثلا: في هذا المتحام سوف يقام مجمّع تجاري كبير. هذه الدلالة القديمة، في ظنّنا، قريبة من الدلالة الجديدة التي حلّت محلّها تماما، بحيث لا يقصدها الناس في اللغة اليوميّة على الألسنة.
في العربيّة وجدنا، كالعادة، مصطلحات كثيرة تحمل كلّها دلالات سابقة شائعة، بحيث يصعب تبنّيها بديلا لهذا “الكائن” الجديد: مقاطعة، تخم، حدّ، منطقة محدّدة، موقع، موضع، نطاق، مجال. إلا أن هذه التسميات جميعها، كما ذكرنا، لها دلالات سابقة معروفة ومستخدمة في الكتابة. بل إنّ بعضها شائع على الألسنة حتى. لذا يفضّل صياغة مصطلح جديد بحيث يقتصر على المسمّى العصري المذكور لا غير.
واضح أنّ المتحام العبريّة اشتقّوها من الأصل ت ح م، وهي تقابل في العربيّة الأصل ت خ م طبعا. هذا الأصل في العربيّة، ولعلّه من الآراميّة كما تذكر بعض المعاجم، يعني “الفصل بين الأرضين من الحدود والمعالم”، كما فسّرها “لسان العرب”. كما يعني هذا الأصل أيضا وجع البطن لكثرة الأكل- التخمة. ويبدو أنّ هذه الدلالة الأخيرة مولّدة، لأنّها لم ترد في المعاجم الكلاسيكيّة. بناء على ذلك يمكننا اشتقاق كلمة جديدة من هذا الأصل، ت خ م، لتحمل الدلالة الجديدة المذكورة. شريطة أن يكون المشتقّ المذكور جديدا لا يحمل دلالة سابقة طبعا.
من ناحية أخرى، وجدنا أن الأدبيّات الشيعيّة تستخدم للدلالة ذاتها كلمة “حوزة” من الأصل ح و ز، للدّلالة على المباني المتجاورة التي يؤمّها طالبو العلم/ الفقه. فلماذا لا نتبنّى هذا المشتقّ القائم في اللغة المعاصرة؟ متحام= حوزة، وجمعها حوزات طبعا!
يجدر بالذكر، في هذا السياق، أنّ في قرية البقيعة، حيث كان مولدنا ونشأتنا، موقعا من الأرض يسمّى “الحوزة” أيضا، ولا أعرف السبب الحقيقي لهذه التسمية !
سليمان جبران