نثريات وطنيه – عوني وتد
تاريخ النشر: 12/05/12 | 14:32ضَــاعَ المفتاحُ يا جَـدي !!
لن انسى يا جدي تلك الليلة الموحشة ،الليلة الحالكة الظلام
،حينما طلبت مني عدم خلع حذائي، والمبيت في ثيابي !
واحتضنتي برفق لأنام فوق صدرك الدافىء الملتهب ..
ادركت عندها انك قد عقدت العزم على الرحيل ..
فبالأمس القريب نزح اهل قريتنا ، وتمزق جمعنا..
استيقظت يا جدي على صوت بكائك ، وزخات دموعك،
فاذا بك تقبض بشدة على مفتاح بيتنا وتنوح:
عشقت الوطن يا حفيدتي ! وعشقت فيه روح الطهارة والإباء / وعشقت المرج والزهر فيه، والحجر / وعشقت هامات الجبال والضوء، والمطر/ كانت هناك فتاة في عمر الورود .. اسمها الوطن / أحبها الجلاد يوماً ، أرادها دمية وحقيبة / أرادها الجلاد راقصة في حانات المجون الرهيبه / ولم يدرِ الجلاد يا حفيدتي… عشق الوطن لا يقدر بثمن.
ضاع المفتاح يا جدي !
لله درك يا جدي ! تودع البيت والمنجل ، تدع البيدر والمعول ،وتقبض على المفتاح وترحل.
آه ما ابعد خيام النازحين ! وما اضيق مخيمات المُبْعَدين !
الى متى سنظل بين مد اعدائنا وجزر اخواننا لاجئين ،لاجئين .. لاجئين ؟!
رحل الاجداد وتناثرت الأمجاد ، وطغى الجلاد، وعفت الديار، وتفرق القوم ايدي ” وطن “!
فركبنا البيداء ،وهبطنا الاغوار ، وصعدنا الجبال ،
وعبرنا الاسلاك والاشواك ، وقتلك الحنين يا جدي ، واهلكك الشجن.
ضاع المفتاح يا جدي !
قبل يومين تعرفت على عائشة في مخيم الوحدات ،
وعائشة ابنة صاحب الطابون ابو مسعود الكاكوني ،
التقيت بها هنا في السوق الشعبي
تبحث عن خبز اسود ! ما اجمل ثوبها المقدسي المطرز ،
ونشطة منديلها الثلاثية. اخبرتني انها تتعلم في الجامعة العلوم السياسيه،
واختها الوسطى فاطمة تزوجت من بلال الجاعوني،
ويعيشان معا في مخيم صبرا ، وحينما سالتها عن مفتاح بيتهم ..
تنهدت وقالت :
” يا حسرتاه ! وضعناه في جهاز اختي العروس ، وفقدناه في الطريق الى لبنان” .
ضاع المفتاح يا جدي !
” لنا قنطرة في الرملة ، ولخالي بئر في بيسان .
لعمتي حاكورة في البروة ، ولجدتي بيدر في عسقلان ” .
هذه اغنية جميلة يا جدي ! ترددها روضات الاطفال في مخيم شاتيلا ،
دنوت من الطفلة سلمى وسألتها :
” اتعرفين ام خالد ! لماذا لا تغنون لها ؟ ” .
فابتسمت وقالت : ” ام خالد هذه جارتنا ،وقد كانوا يسكنون في الخالصة ،
اما اهلي فكانوا يسكنون في عين غزال ،
قرية جميلة تغازل حقولها امواج الطنطورة، ونسائم قيسارية “.
وحينما سألتها عن مفتاح بيتهم ، صمتت ثم قالت :
” باعه ابي لأحد السياح بربع دولار “.
ضاع المفتاح يا جدي !
ما اصلب شعبنا يا جدي وما اشد عوده ،وما اصبر المبعدين منه والنازحين !
فحتى بعد رحيلكم ، وتنكر العالم لنا ولكم ، لا تزال خيامنا تنتظر الفرج ،
ومشارف مخيماتنا ترقب الأمل، جمعنا عيدان تفتت شملنا في حزمة واحدة ،
بعد ان تنكر اوسلو الهزيل لوضع نهاية عادلة لقضيتنا .
ورضخ ابطال المؤتمر من قياداتنا لتعليق مصائرنا فوق رفوف القضايا المؤجلة للحل الدائم !
ومما زاد الطين بلة ، تسابق تجار الخطابات السياسية
على شطب هذه القضية المصيرية من سجلات خطاباتهم الفلسطينية .
فتطايرت حروف العودة .. وتبعثرت رموز الحلم العربي ،
وتناثرت الوعود والعهود ،
وعادت فلول من القيادات الفلسطينية وانصارها الى ارض الوطن ،
بلا مفاتيح وبلا قضية.
فضاع المفتاح يا جدي !
لكننا ..
ما دامت انشودة الاطفال تتعالى ، وما دام بعد العتمة فجر نور يتسامى ،
سيتعانق زيتون زمارين مع الصفصاف ،
وتحتضن سنابل راس العين باقورة الاشراف ،
وسينادي اللجون السجرة ، وتزغرد حجارة عين حوض :
” عادت مفاتيح الديار يا جدي ! “
فكل المفاتيح تتوق للعودة ، وتصلي ليوم اللقاء ،
وستحمل بين اسنانها الصابرة ، ذكريات من امجاد النازحين وآلام اللاجئين ،
للجليل والمثلث ، للنقب ولحيفا ، ليافا ولعكا ،
للرملة ولد العرب ، ولبيت المقدس والاقصى ،
ولكل حجر قارع من اجل البقاء,
لن يضيع المفتاح يا جدي …لن يضيع
دمت بخير عزيزي وصديقي الرائع عوني وتد، مبدع كالعادة
كلا ما ضاع المفتاح لا تصدق يا جدي . ربما ضاع مفتاح الحديد لكن مفتاح العودة لم ولن يضيع
أستاذي عوني ,
مبدع ومتألق أنت بكل ما كتبت , شعرا ونثرا قد نظمت , ألف تحية وتحية مني لك .
استاذي الفاضل..اسلوبك بالكتابة سلس ورصين..به بلاغة من لب لغة الضاد..
شخصك موهوب بالعمق الثقافي الكبير…لك مستقبل واعد مكلل بالعطاء الكريم
لحياة عريضة..ادامك الله علم وهاج خير وعطاء..