تقرير حول ورشة مواطن برام الله: أسئلة الثورة والنهضة
تاريخ النشر: 12/05/12 | 13:11نظمت “مواطن – المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديموقراطية”، الأسبوع الماضي، ورشة محاضرات ونقاشات عقدت في رام الله على مدار يومين، تحت عنوان “أسئلة النهضة والثورة في العالم العربي”.
واستهدفت الورشة جهور الطلاب الجامعيين من مراحل الدراسات العليا، وناشطين في الحقل الثقافي والسياسي، عالجوا بأسلوب المحاضرة والنقاش قضايا منتقاة من أسئلة النهضة والثورة في العالم العربي، استندت إلى أربع إشكاليات: (1) التأريخ للنهضة؛ (2) الفكر الثوري والحراك الشعبي؛ (3) الفن والسلطة؛ (4) المقدس والمتحرر.
وشارك في الورشة أربعة محاضرين، الدكتور منير فخر الدين، و الدكتورة رنا بركات، أستاذا الدراسات العربية المعاصرة في جامعة بير زيت، ووائل طربيه، فنان تشكيلي من الجولان العربي المحتل، والدكتور إسماعيل ناشف، أستاذ علم الاجتماع وعلم الانسان في جامعة بنغوريون ببئر السبع.
“ما هي النهضة؟”
كانت الجلسة الأولى بعنوان “ما هي النهضة؟”، قدمها الدكتور منير فخر الدين، وتلخصت حول الأمور التالية: “قبل أكثر من مائة عام، كتب عبد الرحمن الكواكبي منظّرا للخلاص من الاستبداد عبر النهوض التدريجي بأخلاق الأمة ومعارفها، موصيًا بشدّة توخّي الحذر من الثورات والانتفاضات الشعبية المباشرة، التي برأيه لا تجر سوى مزيد من المصائب. وبالمفارقة الغريبة، يتكرر اسم الكواكبي اليوم على أنّه الممثل التاريخي الأبرز لروح الثورات والانتفاضات الشعبية التي شهدتها وتشهدها شوارع تونس، ومصر، واليمن، وسوريا، والبحرين. ربما التفت البعض إلى هذه المفارقة فأطلقوا على الأحداث الجارية أوصاف من قبيل ’النهضة الثانية‘ و’النهضة الثالثة‘، للتدليل على قطيعة تاريخية مع تقاليد فكرية وسياسية سادت بين نخب الحداثة العربية منذ آواخر القرن التاسع عشر.. لكن بغضّ النظر عما يمكن أن نستخلص من الكواكبي اليوم، فإن الحديث عن قطيعة عميقة وتاريخية مع الماضي فيه اختزال كبير للتنوع الفكري والثقافي والسياسي للعالم العربي على مدار أكثر من قرن، وفيه أيضا اختزال لمآلات الثورات الراهنة. ولعل الدعوة الأهم التي يجب أن تطلق اليوم، والتي تتناولها هذه المحاضرة، هي الدعوة إلى طرح أسئلة ومشاريع بحثية جديدة في تاريخ الحداثة العربية، أي مفهوم النهضة وتوظيفاته السياسية المختلفة.”
“هل مقولة العدالة الاجتماعية دوغمائية؟”
أما المحاضرة الثانية، فقدمتها الدكتور رنا بركات، وكانت تحت عنوان “هل مقولة العدالة الاجتماعية دوغمائية؟”، وطرحت أسئلة ومحاور عدة: “إلى أي حد كان تاريخ التغيير الفكري في العالم العربي ثوريا؟ كيف نقرأ الحركة الثقافية في سياق أحداث الحراك الشعبي التي اتسم بها القرن الماضي؟ وكيف يمكن ربط ذلك التاريخ بالبيئة المعاصرة؟”
وقدمت المحاضرة محاولة مساءلة للتاريخ المعاصر وللحركات الشعبية في المشرق العربي، واتخذت من الاصلاح الفكري لعصر النهضة نقطة البدء، طارحة السؤال حول إمكانية إيجاد علاقات بين تيارات معينة في النهضة وحركات شعبية من أجل التغيير.
وجاء أيضا: “يتمحور الحديث حول الحركات الثورية في بداية وأواسط القرن العشرين في فلسطين في سياق الغزو الاستعماري-الاستيطاني (أو ما يعرف بثورة 1936)، ويتم تحديد الفجوة أو الانقطاع بين خطاب التغيير الاجتماعي والسياسي، من جهة، وبين الأفعال الثورية على الأرض لفلسطين، من جهة أخرى. من ناحية مبدئية، علينا طرح السؤال التالي: هل مفهوم العدالة الاجتماعية مقولة دوغمائية لا علاقة لها بالحراك الفعلي للناس؟ لعل إعادة النظر في أحداث الثورة تعطينا الأدوات لمعالجة هذا السؤال.”
وقد تناولت المحاضرة بالتحليل، نصًّا كتبه غسان كنفاني، رغم أنه لم يشتهر به، هو دراسة تاريخية حول ثورة 1936 -1939، وارتكزت على هذا النص للإجابة عن سؤال المحاضرة الأساس، بالخوض في التصنيفات الاجتماعية ودور الطبقات والفئات من سياسيين ونخب وفلاحين ومثقفين وشعراء قبل الثورة وخلالها.
“طوفان في بلاد البعث”
وكان ختام اليوم الأول عرض ومناقشة فيلم “طوفان في بلاد البعث” (2003)، للمخرج السوري الرحل عمر أميرالاي، وهو فيلم وثائقي يتناول الآثار المترتبة على سياسات حزب البعث في سورية، دون إدلاء أيّ تعليق أو انتقاد من المخرج والمحاور، يعرض الفيلم الآثار المدمّرة على قرية الماشي الصغيرة -التابعة إداريًّا لمحافظة الرقّة، والتي تبعد عن مدينة دمشق 400 كم شمالاً- بعد بناء سد الفرات، يبدأ الفيلم بإيقاع بطيء، عارضًا مقابلات مع طلاب ومعلمين وحتى مسؤولين حكوميّين يقومون بتلاوة شعارات تمدح الرئيس القائد وتمجّد حزب البعث، ويعد الفيلم إدانة قاسية للنظام السوري من خلال تصويره للآثار الاقتصاديّة والاجتماعيّة الكارثيّة المدمرة التي لحقت بالمجتمع السوري بعد 35 عاما من حكم البعث.
ويعتبر هذا الفيلم محظورًا في سوريا، كمعظم أعمال المخرج عمر أميرالاي، وقد منع أميرالاي عام 2006 من السفر خارج سوريا بسبب الفيلم.
“الفن والجنون”
وفي اليوم الثاني، التقى المشاركون بالفنان التشكيلي وائل طربيه، فقدم محاضرة حول “الفن والجنون”، نوقش فيها دور الفن والأهمية الرمزية لموقف الفنان بين زمنين / حالتين: في ظل نظام سياسي توتاليتاري عقائدي، وفي ظل انتفاضة شعبية تسعى لإعادة تشكيل قوى السلطة وإعادة القيمة للمواطنة والإنسان..
وتم تناول الحالة الأولى عبر سيرة الفنان لؤي كيالي وعبر موضوعة “الجنون”، التي تعمل كآلية إقصاء وتهميش للخطاب النقدي (وكآلية تبخيس قيمي في حالة العمل الفني، تبدد طاقاته النقدية وقدرته على التأثير في الرأي العام.. في مقابل الاستخدام المعروف للفن في تأكيد وتأبيد رواية السلطة المستبدة)؛ أما الحالة الثانية، فتم تناولها عبر نماذج من النتاجات الفنية ومواقف الفنانيين التي نشهدها حاليًّا إزاء الانتفاضة الشعبية في سوريا، أيضًا عبر موضوعة “الجنون”، في تجليات حديثة نتجت بفعل الحراك الثوري السوري..
وحاولت المحاضرة أن تجيب على السؤال: كيف ستبدو “عقلانية” الفن خلال أربعة عقود (وهي نصف عمر الفن التشكيلي السوري تقريبًا)؟ وكيف سيبدو “جنون” الفن الذي تكثّف حضوره في زمن التغيير، في ضوء نقاش الوظائف الاجتماعية التي يؤديها الفن وكيفيات التأثير والانحسار في علاقته مع البيئة المجتمعية؟
“تحرير المقدس”
المحاضرة الأخيرة في الورشة كانت بعنوان “تحرير المقدس”، قدمها الدكتور إسماعيل ناشف، وتمحورت حول سؤال إمكانية تحرير المقدس من قدسيته بغية السعي في إنتاج معرفة بديلة وانعتاقية عن وفي الواقع اليومي المُعاش.
وقد بين ناشف أنه في “السياق الذي تعيشه المجتمعات العربية منذ سنة، فلقد تمت مواجهة العديد من المحرمات وتم تقويض المحرم والمقدس السياسي العيني، دون التخلي عن بنية المقدس والمحرم الضابطة للمجتمعات ككل، ولعل من أهم مفاصل هذه البنية هي المقدس الديني، ومقدس الدم، كما العلاقات التنافذية بينهما.. ولعل هذه القضايا الركن، هي من أهم ما يجب فحصه والخوض في غماره من أجل استثمار فسحة الأمل الراهنة في العالم العربي اليوم.”
وقد بحثت المحاضرة، وكذلك النقاش الذي تلاها الآليات الفكرية التي قد تمكننا من فتح المقدس على اليومي، وذلك بهدف تحريره من قدسيته وإرجاع ملكيته للناس في معاشهم اليومي التاريخي.
لقاءات اشكالية حاولت أن تثير الأسئلة أكثر من تقديم الإجابات
وحول الورشة قال طالب الاعلام والعلوم السياسية، طارق خميس: “لقد كانت لقاءات اشكالية حاولت أن تثير الاسئلة أكثر من تقديم الاجابات.. هذا النوع من اللقاءات يجعلك تعيد تقييم مخزونك من المعرفة والنظر فيه باستمرار.. حاول الدكتور منير فخر الدين إعادة النظر ببعض مفاهيم النهضة، لقد كان تشكيكه بكون الكواكبي رمزا تنويريا أمر مستفز ومفيد في آن، إذ يحثنا على إعادة التأمل في كيف ولماذا تصنع الرموز؟ فيما كان تطرق رنا بركات لثورة 1936 وعودتها لنص مهم كتبه غسان كنفاني عن الثورة فائدة مهمة وضرورية في تقييم الحالة الثورية اليوم.. أما مداخلة الفنان التشكيلي وائل طرابيه، فجعلتنا نعيد التأمل بعلاقة الفن بالحياة، وقد ألقى الضوء على تجربة الكيالي المهمة والغنية.. وجاءت مداخلة إسماعيل الناشف في النهاية، وكان حديثه عن المقدس ومن ثم عن الاستعمار أمرا مربكا ومقلقا، ويدفع نحول التأمل في تسلل الاستعمار للفضاء المرئي وغير المرئي.”