القضية الفلسطينية تحت وطأة التحالفات الدولية
تاريخ النشر: 14/09/14 | 9:30حتى الأمس القريب كانت إسرائيل هي العدو الأول لدى العرب والفلسطينيين بوجهٍ خاص، كونها سلبت الأرض الفلسطينية وهجرت سكانها وأقامت الدولة، إلى أن استُبدلت بإيران، بواسطة أمريكية وإسرائيلية، بحجة أنها تخطط لتصدير ثورتها الإسلامية، وصولاً إلى تجديد إمبراطوريتها الفارسية على أنقاض النظام العربي أو بعضه على الأقل، ثم جرى تنشيط مفهوماتهم بشأن إثبات أن الإرهاب الديني (الإسلامي) هو الهاجس الأكبر ضد مصالحهم، والذي تمثله حركات إسلامية كحركة الإخوان المسلمين وحركة حماس والجهاد الإسلامي، وتنظيم حزب الله اللبناني، وفي هذه الأثناء تم إضافة، أن (داعش) -تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام-، هي العدو الأكبر والأخطر بالنسبة لمستقبلهم جميعاً، وبما يليق بأن إسرائيل لم تعُد المشكلة الرئيسة لديهم، بسبب أنهم معنيّون أكثر بحلف، يوقف عنهم مصادر الخطر، وإن كانوا لدفع هذا الخطر سيبذلون تكاليف إضافية.
منذ اللحظة الأولى لدعوة الرئيس الأمريكي “باراك أوباما” للدول- إقليمية ودولية-، من أجل تشكيل تحالفٍ جديد ضد التنظيم، فإن 10 دول عربية سارعت إلى تلبية الدعوة وأبدت استعدادها للمشاركة فوراً في التحالف الأمريكي الجديد، في خطوة إضافية، تمثلت في تكوين التحالف الاستراتيجي بين مصر، السعودية، والإمارات العربية، الكويت، والبحرين ضد الإسلام السياسي، بسبب ما تعتقد به من أن التنظيم يمثل الخطر الحقيقي ضد المصالح العربيّة، والمصالح الدولية بشكلٍ عام، علاوة على انتهاكه القوانين والأعراف الدولية في شأن فرض سيطرته بالقوّة على أراضي دول مستقلة وذات سيادة، وعلى ما يمثله من تشويه لصورة الإسلام الحنيف الذي يدعو إلى اللين والتسامح وينبذ الغلو والتطرف.
وبلا شك فإن الدول العربية هذه، التي دخلت في التشكيل الجديد تعلم بأن إسرائيل ستكون من أعضاء الحلف البارزين، سيما وبعد تحذيرات كثيرة ومطوّلة، ألقى بها كبار الإسرائيليين باتجاه الحكومة الإسرائيلية، والحكومات العربية التي كانت حاضرة تماماً، كي تأخذ على عاتقها بالتصدي لما أسموه بظاهرة التطرف الإسلامي، وتوّج تلك التحذيرات -وكما المتوقع- أن قام رئيس الحكومة “بنيامين نتانياهو” بعقد اجتماع خاصٍ تناول فيه مع كبار أركان الحكومة والأمن تهديدات التنظيم، وذلك قبل ساعات من خطاب “اوباما” المتعلق بالخطة الأمريكية لمواجهته، وأكّد تحذيراته مرةً أخرى، خلال الخطاب الذي ألقاه أثناء انعقاد المؤتمر السنوي لمعهد السياسة ضد الإرهاب الذي عُقد في مدينة هرتسليا، حيث ركّز على تلك التهديدات، وربط بينها وبين تهديدات إيران وحركات المقاومة الفلسطينية – على الرغم من أن لا تبديل سوف يطرأ على تشكيلة الخارطة الأمنية الإسرائيلية- واعتبر أن التحالف الجديد في المنطقة هو من صالح دول المنطقة، حيث سيعمل على تنظيف الأخطار الكامنة في التنظيمات السنيّة والشيعيّة على حدٍ سواء، وأوجب على دول المنطقة في ظل التحالف، أن تفحص علاقاتها مع إسرائيل وتفهم أنها حليفة في الصراع ضد العدو المشترك.
صحيح أنّ “نتانياهو” يدعم سِرّاً وعلانيةً التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلاميّة، لكن المُشاهد له ينفي نقصان قلقه، كَوْنه يخشى أن يصرف التحالف الجديد انتباهه عن القوّة النووية الإيرانيّة الآخذة في التقدّم، والتي لا تبدِ أيّة ليونة في مقابل تلك التي تبديها مجموعة الدول (5+1) باتجاهها، حيث لا يوجد رضىً أو اقتناع من المحاولات الأمريكيّة لتهدئته، والتي يُحاول الأمريكيّون تمريرها، سيما وأن “أوباما” أكّد في خطابه الأخير، بأنّ المشكلة الأكبر في الشرق الأوسط هي داعش، وليست إيران، وربما قال ذلك بالنظر إلى مشاركتها المحتملة في هذا التحالف، ولكنه
أكّد في الوقت ذاته بأن لا يجب على إسرائيل أن تسارع إلى الغضب.
“نتانياهو” وإن نشر قلقه هنا وهناك، فإنه على أي حال لن يخسر كثيراً، بل هو الرابح الأكبر ضمن هذا التحالف، ولكن الذي سيخسر كما في كل تحالف، هم الفلسطينيون الذين ولا شك ستتدحرج قضيتهم إلى الرفوف السفلى، على اعتبار أن هناك ما هو مقدم في هذه المرحلة على أية قضايا، سيما وأن القضية الفلسطينية طغت برودتها على حماسة المجتمع الدولي بشكلٍ عام.
منذ حرب الخليج الثانية، (عاصفة الصحراء) في فبراير/شباط 1991، والتي جاءت –تقريباً- عقب جولات تفاوضية فلسطينية مع الأمريكيين، كانت مهمّة تكوين الحلف لمحاربة العراق سبباً في تأجيل أيّة جولات أخرى أو أي حديث عن القضية الفلسطينية، وحتى حينما انتهت الحرب كانت تداعياتها أكبر من مشكلات الحرب نفسها، وتكرر الشيء نفسه، حينما أكّدت إدارة الرئيس الأمريكي “بوش الابن” على أنها ستعمل جهدها من أجل التوصل إلى حلول للقضية الفلسطينية، حالما انتهت من الحرب ضد العراق، عندما تم تأليف التحالف الدولي في شأنها، في أواخر مارس/آذار 2003، وتبيّن أن الوعود كانت كاذبة، ولا ترق إلى الحد الأدنى من الآمال والأحلام الفلسطينية، على الرغم من أن الكثيرين من السياسيين والخبراء كانوا لا يثقون في تلك التأكيدات.
لكن هذه المرّة، يبدو أن الرئيس “أبومازن” قد أهمّته مسألة تشكيل التحالف الجديد بشكل جاد، فهو على الرغم من تأييده له، إلاّ أنّه عبّر عن أمله بأن لا يؤثر على القضية الفلسطينية، بعد أن رأى كل الجهود موجهة نحو إتمامه، وازاد من خشيته، أن الجهود تزامنت في الوقت الذي سيقدم مبادرته السياسية (الغير تقليدية) لتسهيل الوصول إلى حل للقضية، على الرغم من علمه بأنها مرفوضة بكل تفاصيلها أمريكياً وإسرائيلياً أيضاً، علاوةً – وهذه مصيبة- أن الإدارة الأمريكية ستعلن صراحةً، بأن ليس لديها من الوقت الكافي، يمكّنها من السعي في خلق مبادرات أو جهود في شأن تحريك العملية
السياسية، سيما وأنها تحتاج إلى المزيد من التباحث في ضوء انغلاق الأفق التفاوضي بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وحتى في ضوء نجاح التحالف وانتهاء الحرب، فإن هناك محطتين وعرتين في الأمام، وهما اللتان تتمثلان في الانتخابات الإسرائيلية الآتية، والاستعدادات للانتخابات الأمريكية، ويمكن إضافةً أن هناك خشية من توليد تحالفات جديدة.
د. عادل محمد عايش الأسطل