اللاجئون ليسوا وقوداً لمعارككم
تاريخ النشر: 14/09/14 | 18:14أدّت الحرب الداخليّة السوريّة إلى نزوح كبير للأهالي، لا سابق له منذ نزوح الفلسطينيين زمن النكبة والنكسة، إلى دول الجوار. وأضحى هؤلاء النازحون يشكّلون حضوراً ملحوظاً بين سكان المناطق والبلدان التي وصلوا إليها في لبنان وشمال الأردن وجنوب تركيا.
سياسات الحكومات وتصرّفات الشعوب المعنيّة تجاههم تنوّعت وتباينت بين انفلاتٍ وعجزٍ حكوميين في لبنان مقابل احتضان شعبي ومدنيّ لا نظير له؛ وتنظيمٍ وإنفاقٍ حكوميٍ مثاليّ في تركيا مقابل حذر شعبيّ شديد؛ وضبطٍ خانقٍ في الأردن مقابل مزيج شعبي من العجز والاحتضان. بالتأكيد لا يُمكن مقارنة قدرات الحكومات المعنيّة الماديّة والمؤسساتيّة، ولا حتّى الأهداف من سياساتها، حين يكون لها سياسات. الحكومة الأردنيّة تتخوّف من استدامة توطين هؤلاء ومن أثرهم على الحراك السياسي الداخليّ، في حين تستفيد الحكومة التركيّة من تواجدهم بالضبط للترويج لسياساتها الداخليّة الخاصّة. واللبنانيّون يتخوّفون من تغيير التركيبة الطائفيّة لبلادهم، ويتخوّف أتراك الجنوب طائفيّاً وإثنيّاً من انتشار الإسلام المحافظ.
ونحن على أبواب السنة الرابعة للأزمة، باتت معظم المؤسسات الأمميّة والمنظّمات الإغاثيّة الكبرى تعتبر أنّ تواجد هؤلاء اللاجئين في غربتهم سيكون لأمدٍ طويل، حتّى لو توقفت الحرب غداً. ليس لأنّ دمار المساكن كبيرٌ فحسب، بل أيضاً لأنّ البنى الاقتصادية السوريّة تفكّكت وسبل المعيشة السابقة تداعت، بالإضافة إلى ما تدمّر من شبكات اجتماعية للعيش المشترك. وفي كلّ الأحول ستكون رحلة العودة مغامرة لهم بحجم رحلة الهجرة، خاصّة إن أتت العودة ضغطاً أو طرداً وليس قراراً له حوافزه.
اللاجئون والمضيفون باتوا يعون هذا الأمر ممّا يخلق أوضاعأً في منتهى الحساسيّة، خصوصاً أنّ هؤلاء اللاجئين المقيمين يحتاجون لكلّ شيء مّما يجعلهم بطبيعة الأحوال أرضيّة خصبة للتلاعب السياسيّ بهم، سوريّاً وإقليميّاً ودوليّاً.
السلطة السوريّة لديها أوراقهم الثبوتيّة وتاريخهم وإرثهم وتهدّدهم بذلك، وتريح نفسها من مسؤوليّاتها عنهم. والمعارضة السياسيّة المعترف بها دوليّاً تتركهم من دون اهتمام، ولا تجرؤ على تبنّي قضاياهم أمام الحكومات المضيفة. هكذا غدت تتجاذبهم الرياح، فليس لهم من يمثّلهم كجزءٍ من شعبٍ مشرّد. إنّهم لاجئون بأوضاع سيّئة، يأملون العيش والتعليم والصحّة لأولادهم، ويحلمون بفرصة نادرة للهجرة إلى بلاد الوفرة والأمان، ويخاطرون للوصول إلى شواطئها بامتطاء قوارب الموت. ويموتون فيها. هذا عندما لا يتمّ استخدامهم كخزّانٍ لتجنيد مقاتلين لمعارك «تحرير» تبتعد عن هدف الثورة الأوّل، الوطنيّ من أجل الحريّة والمساواة.
والأفدح أنّهم يخضعون للعبة التنافس بين القوى السياسيّة في دول المهجر حيث يغدو الخطاب عن التضامن أو الحفاظ على الأمن والأفضليّة الوطنيّة أحد محرّكات منطق تناحر سياسيّ متفجّر يكون وقوده أبناء وطن المهجر واللاجئين سويّة.
ثمّ يأتي المتطرّفون وأجهزة الأمن الإقليميّة والدوليّة كي يدفعوا هذه الآليّات إلى نهاياتها: فلتكن حرباً طائفيّة مفتوحة عابرة للحدود، وليكن الصراع الإقليميّ والدوليّ ليس فقط على العراق وسوريا بل على المنطقة برمّتها، وليكن اللاجئون كما المضيفون باسم التضامن معهم، خزّاناً بشريّاً لفوضى عبثيّة تدّعي تشييد دولة خلافة أزليّة مزعومة. سيناريو تمّ اختباره في باكستان مع الفوضى الأفغانيّة، وفي اليمن مع الفوضى الصوماليّة.
وها نحن ندخل في زمن حرب جديدة على الإرهاب المتجسّد في «الدولة الإسلاميّة» المزعومة. حربٌ مدادها الرئيسيّ قصفٌ جويّ على الفوضى العبثيّة، لكنّها لن تؤدّي سوى إلى زيادة الفوضى فوضى، وإلى خلق تعاطف شعبيّ مع من يتمّ قصفهم. حربٌ تدّعي معالجة الإرهاب عسكريّاً وفكريّاً، من دون قطع شبكاته الماليّة ومعالجة حاضنته البشريّة، ليس فقط في الداخل بل أيضاً في مخيّمات اللجوء.
إنّ تحسين وتنظيم ظروف عيش اللاجئين السوريين جزء أساسيّ من الحرب على الإرهاب. والتزامهم بقوانين البلاد المضيفة وتحييدهم عن صراعاتها السياسيّة رهنٌ بهذا التحسين. ولا شكّ أنّ التوقّف عن استخدامهم كحاضنة بشريّة للصراعات المحليّة والإقليميّة والدولية ضرورة أوليّة، توازي أولويّة العمل من أجل وقف الحرب في سوريا، وعلى صياغة مشاريع إعادة اللاجئين سريعاً إلى وطنهم.
بقلم سمير العيطة – السفير