باريش مانتشو بصمة فنية عابرة للقارات
تاريخ النشر: 16/09/14 | 13:36بعض الناس أبدع في حياته وترك لمن بعده ما يمكن أن يتذكره به، فبعض الناس يتركون للناس الأسى والألم، وآخرون يتركون لمن بعدهم البسمة والسعادة والأمل، وما بين هؤلاء وهؤلاء تكتمل مسيرة الحياة بتعاليمها وتفاصيلها..
لقد لفت نظري أثناء تجوالي في العديد من المواقع في تركيا أن الناس تحتفي بمن تحب، وتتذكر من تميل له القلوب في عالم السياسة والفن والفكر والثقافة، وهناك العناوين الكبرى للمؤسسات والشوارع والمراكز المعرفية التي تحمل أسماء كبار النجوم والعلماء والفنانين والمثقفين الذين أثروا الحياة العامة والتصقوا بشعوبهم بحب وانعطاف.
ولعل أول ما يتبادر إلى ذهننا عند سماع اسم منطقة كاديكوي في اسطنبول اسم الفنان الكبير باريش مانتشوBarış Manço هذا الفنان الذي يعد موسوعة فنية متكاملة، فهو فنان مبدع تألق في زمانه، وكان عطاؤه الفني سابقاً لعصره من خلال انتاجاته الفنية التي تعدت الجغرافيا التركية لتصل إلى مرتبة العالمية بكل ثقة واقتدار.
الفنان التركي باريش مانتشو واحد من أشهر الفنانين الأتراك المؤسسين لفن الروك في تركيا، وله أغانٍ ومقطوعات موسيقية عديدة اشتهرت عالمياً، كما أنه حاز على العديد من الجوائز والميداليات الذهبية والفضية وغيرها، الأمر الذي جعل محرك البحث جوجل يحيي ذكراه السبعين لميلاده كفنان تركي إنساني، وذلك بوضع صورته على صدر الصفحة الرسمية لمحرك البحث، ولفت أنظار رواد جوجل إلى الأعمال التي قدمها.
عائلة باريش مانتشو بدورها قدمت جهدها للحفاظ على هوية الفن الذي ابتكره باريش، وتمثل ذلك بتحويل البيت الذي عاش فيه باريش مانتشو والذي يضم جميع المقتنيات التي كان يستعملها خلال حياته من مستلزمات فنية متعددة وآلات موسيقية وآثار وتحف أهديت له أو قام بجمعها والصور العائلية والشخصية له لعرضها على محبيه من خلال تحويل بيته إلى متحف فني متكامل.
اشتهر باريش مانتشو في الساحة الفنية الأناضولية بداية، وانتشرت أغنياته المشهورة مثل: ” ياز دوستم” و أغنية ” داغلار داغلار ” التي تعتبر من أشهر أعماله بمنتصف السبعينات من القرن المنصرم، وتوسعت شهرته عالمياً حيث تم ترصيد مليون أسطوانة له في اليابان لوحدها، فضلاً عن شهرته في أوروبا والجغرافيا العالمية.
هذا الفنان المبدع لم يكن مغنياً فقط، بل كان كاتب كلمات وملحناً وعاشقاً لجمع الآثار وعازفاً مرموقاً وشاعراً في الوقت عينه، وهو بهذه الشخصية قد جمع أشياء كثيرة ومنوعة من عالم الفنون والثقافة في عقل واحد، لا سيما إذا تمت إضافة كونه رساماً و باحثاً في التاريخ ومعداً ومقدماً لبرامج تلفزيونية متعددة كان أشهرها برنامج رحلاته التي طاف به العالم العربي تقريباً ليقدم برنامجاً سياحياً تعريفياً شاملاً بخبرته وحصافته وتميزه.
شكل الفنان باريش مانتشو ظاهرة فنية في زمنه، وجمع من المميزات والمواهب والمعارف ما جعل منه رقماً حقيقياً في معادلة الحياة الفنية العالمية، إلى أن توفي في الأول من فبراير/شباط من عام 1999م، مخلفاً وراءه إرثاً من الفن والثقافة لا زالت الأجيال تتغنى به حتى يومنا هذا.
د. نزار نبيل أبو منشار الحرباوي