عود على بدء العنف : إلى أين ؟
تاريخ النشر: 18/05/12 | 7:03مرة أخرى تجتاح موجة عاتية من العنف بكل أشكاله مجتمعنا العربي .. يتنادى أصحاب الضمائر ، ويحذر أهل الدراية والخبرة والتخصص ، وينصح ذوو العقول والنهى .. لكن … وآه من لكن هذه التي ما أن تنزل بخطاها في أرض الأمل حتى تزرعه ألغاما ، وترصفه كمائن وأفخاخا ، فلا ندري متى تنفجر ، ولا ندري كم من الأبرياء ستحصد قبل أن نصل إلى شاطئ الأمان …
من حقنا أن نحلم بمجتمع آمن ، ومن حقنا في نفس الوقت أن نقرر حقيقة تاريخية لا ينكرها إلا ظالم ، أن الإسلام العظيم هو من حَوَّلَ المجتمع العربي الجاهلي المتوحش إلى مجتمع سَجَّل أروع صفحات السمو الروحي فاهتدى بعد ضلال ، وتوحد بعد فرقة ، وَقَوِيَ بعد ضعف ، وانتُصر بعد هزيمة ، وأبدع بعد جمود ، وارتفع بعد هبوط ، وتقدم بعد انحطاط … لقد أبدع الشيح محمد الغزالي رحمه الله ، في وصفه لمكة كنموذج لمجتمع العرب الجاهلي فقال : ( لقد شبعت حتى بطرت ، وتنازعت الكبرياء حتى تطاحنت عليها ، وكثر فيها من تغلغل الإلحاد في أغوار نفسه حتى عز إخراجه منه . فَهُمْ بين عَمٍ عن الصواب أو جاحد له ، وفي هذا المجتمع الذي لم ينل حظا يذكر من الحضارة العقلية ، بلغ غرور الفرد مداه ، ووجد من يسابق فرعون في عتوه وطغواه . ) …
يجب الإشارة في البداية إلى أن أعظم الأهداف التي حددها الإسلام العظيم لضمان بناء مجتمع قوي ومتماسك وقادر على مواجهة الأخطار الداخلية والخارجية ، هي الأمن الشخصي والجماعي ، والأمن الاقتصادي … فمجتمع يعاني من خوف دائم لا يمكن أن يصمد في وجه التحديات ، ومجتمع جائع ومعوز ومتسول ، لا يمكن أن يكون مستقلا في قراره أو مكترثا لأوضاعه ، بعد أن شَغَلَتْهُ لقمة العيش عن أن يرمق النجوم ببصره ، أو أن يَلْحَقَ أحلامَه بإرادته …
من اجل ذلك سعى الإسلام منذ أن بزغت شمسه إلى تطهير النفس البشرية من أمراضها ، كما وعمل على تغيير أجندات المجتمع وقلب أولوياته حتى تنسجم مع الروح الجديدة التي بدأت تبني بدل أن كانت تهدم ، وَتُعَمِّرُ بعد أن كانت تدمر ، وتسمو بعد أن كانت وصلت إلى قمة الانحطاط في الأخلاق والسياسة والعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والتنموية والحضارية …
لقد كان العنف بكل أشكاله السمة الغالبة على المجتمعات العربية قبل الإسلام ، حتى استحقت تلك الفترة أن تحمل لقب ( الجاهلية ) ، وكان النزاعات الدموية والظلم بكل صوره ، هي الحاكمة للعلاقات بين قبائلهم ، حتى حولوا صحرائهم رغم أوضاعها القاسية ، إلى ساحة حرب وصراع لا يتوقف لأتفه الأسباب ، وَبَنَوْا مجتمعاتٍ تتغذى على الجريمة المنظمة والثارات التي لا تهدأ والنعرات التي لا تعترف بمشترك مُوَحِّد ، حتى باتت ( أيام العرب ) وهي حروب دامية ضارية ، نشبت لعقود أحرقت الأخضر واليابس وأهلكت الحرث والنسل ، صُلْبَ المنافسة فيما بينهم والمحركة الأكبر ( لنضالاتهم ) ، والهدف الأسمى لحياتهم ووجودهم … فما حققوا لهذه الأسباب كلها إنجازا حضاريا يذكر إلا ما ندر ، ولم يكن لهم وجود في قاموس الحضارات والمدنيات القديمة ، ولم يكن لهم اعتبار في قاموس العلاقات الدولية والموازين الاستراتيجية كما كان لغيرهم من أمم الشرق والغرب .
جاء الإسلام فجعلهم أمة واحدة ، أصبح لحياتها طعم ولوجودها هدف سام وغاية جليلة ، فما هي إلا سنوات حتى تحولوا إلى سادة للأمم وقادة لشعوب الأرض وبناة لعظم حضارة عرفها التاريخ ..
يجب أن نعترف أننا اليوم نعيش جاهلية ولكن بلا أصنام حجرية ، لكنها جاهلية تحمل سمات الجاهلية الأولى وأعراضها : عنفا وصراعا ونزاعا وسلبية وتخلفا وخفة عقل وغيابا عن منظومة الأمم الفاعلة والمؤثرة … لا أرى حلا لمشكلتنا اليوم إلا في الحل الذي بَدَّلَ أوضاعنا وَغَيَّرَ أحوالنا بالأمس … لن يتحقق هذا إلا بالارتفاع إلى مستوى ديننا العظيم ، والذي هو الضمان لتحرك كل القوى الحية في المجتمع مدفوعين بالشعور بالمسؤولية الدنيوية والأخروية عن أي تقصير في حماية الإنسان والشرف والكرامة … لا بد من لإتمام المهمة من رجال ونساء ، وَحَّدُوا هَمَّهُم فأصبح واحدا : الله سبحانه ، وَفَجَّروا هِمَمَهُم حتى صارت سَيْلا اقتلع كل باطل ، ومحا كل انحراف ، وغسل وجه الأرض من كل أرجاس الجاهلية الأولى وأنجاسها وأدناسها … هذا ليس خيالا …. إنها الحقيقة التي تنتظر من يبشر بها ، ويسعى في الأرض ينشر أنوارها وأسرارها …
بقلم الشيخ إبراهيم صرصور – رئيس حزب الوحدة العربية/الحركة الإسلامية