ديوان “وشم الأمس على الأضرحة” للأديبة مالكة عسال
تاريخ النشر: 21/09/14 | 10:37اهدتنا الكاتبة المغربية المبدعة مالكة عسال، كتابها، وشم الامس على الأضرحة، طبع في مطبعة التلال، عام 2007، يقع الديوان في 120 صفحة من الحجم المتوسط، يضم الديوان 31 قصيدة، من عناوين القصائد، “اشربيني ايتها الصحراء، لغة القصف، وطني الذبيح، كيف ادفن جنازات الموت، عري قاس، وشم الامس على الاضرحة ، انثى النشاز.
المجموعة مجبولة بالإبداع والتجديد، ونسج أثواب مزركشة للغة، وبوتقة فريدة وعميقة للأفكار، تطرح مالكة عسال افكارها بجسارة ومرارة، حول الوطن والمرأة والعروبة والجور الذي يعصف بالمجتمع المغربي والعربي عامة.
ما يميز قصائد المجموعة، النبرة الهادئة، وطرح الافكار بلا صخب وبلا ضجيج، تأتي القصيدة مهرولة بلا تكلف او تملق، وبلا رتوش، تشعرها منبثقة من القلب، تولد من رحم المعاناة، القصيدة عند مالكة عسال تأخذ حجمها الطبيعي، كما كتب ووصف الأديب البروفيسور جورج قنازع عن شعر الدكتور فهد ابو خضرة، “فلا عجب ان لا تطول قصائده الا بمقدار الحاجة، الى اعطاء الفكرة حقها من التعبير وكأنه بهذا يستعيد ما قاله احد البلغاء القدماء حين سئل عن البلاغة اجاب: يكفيك من البلاغة ما احاط بالعنق. وهذا الحال ينطبق على قصائد مالكة عسال واسلوبها في الشعر، فهي تبتعد كليا عن التكرار والاجترار، والمماطلة واستنزاف الحرف والكلمة والفكرة.
صورة الوطن عند مالكة عسال
الوطن في مجموعة مالكة عسال التي بين ايدينا، لا يقتصر على موطنها المغرب، انما يمتد من المحيط الى الخليج، وايضا يشمل امتدادها الاسلامي والافريقي، فهي تتحدث بحرقة ومرارة عن العراق وفلسطين ولبنان وافريقيا. في قصيدة “اشربيني ايتها الصحراء” تقول ص 7 “انتشري كيف شئت في جسدي – فثنى رماده – ازرعي فتنتك – فجسدي جدار جراح”. صورة الوطن هنا قاتمة، صحراء قاحة تلتهم أولادها وتوسعهم الما. وفي قصيدة مدن تحت المجهر “تقول ص 37، من انزل القديس من خلطة الالوان – واشعل بين يديه الحكم \ ليدح في غصن الانسان \ بذرة الاذعان \ فتذبح الكرامة\ وتقتل المدن الدافئة \ وفي المقصورة يوزع الدخان \وعلى جسر الخواطر \تسقط الترنيمة شهيدة”.
هنا ايضا ترسم لنا الجريح والذي يتعمق ويتلوث جرحه مع مرور الزمن، “على جماجم الأطفال تتدحرج براميل النفط \ فتتفحم الشمس في عود الكبريت \ والدم الممزوج بعطر امتي \ يسقط ملحا في دجلة والفرات \ السفهاء يغتالون مجد بابل \ بتلاليب التراث يعبثون”.
اشارة واضحة الى الانقسامات المذهبية والطائفية التي تعصف الامة العربية وبالعراق خاصة. وفي قصيدة وطني الذبيح ص 45 تقول: “الغزاة يلوثون المكان \ هزات ارتجاجية \ تمزق أظرفة القلوب \ تدوس محارب الذاكرة”.
اشارة الى التدخلات الاجنبية التي تنهش جسد الأمة العربية، وتفسد على الأمة العربية وحدتها وعزتها.
وفي قصيدة عري قاس صفحة 75 تقول: “فنكوي الشعوب بموتها الفخم \ في ظل نملكه همجية \ من نخاع الثعابين مؤسسة”.
وفي قصيدة وشم الأمس على الأضرحة والتي تحمل اسم الديوان تقول صفحة 80:
“حين استرخصك التاريخ \ رماك الاعصار يا عراق \ على الحوافي اليافا \زنا بقك \ على الخارطة تلتهم بذورها \ بخيوط الشؤم \ زحزحك الى منحى آخر\ تقتات من جوعك الأطيار”.
وفي نفس القصيدة ص 81 تقول:”سفن الوحدة يا عراق \ تشق عجاج قلبي\ من لحمي تقد المجاذيف\ ارحل اليك في مناكيد\ تجوس بين القلب والوريد\ والامة تتبعني باكية”.
وص 82 تقول:”أي العراق \ يا بلدة العراق \ املي غيمة الحنين \ تمطر تحت الضوء ربيعا\ من رمادك\ اعناق القمح تتدلى \ تتناغم على شطوطك الأجساد”.
وص 83 تقول: “يا عراق \ يا بلدة العراق \ أزهار الأمل تنسرح على الأكتاف \ انتفضي \ ضد غاصب طهر العذرية \ فأيامك محابر العمر \ ارمي على صدر التاريخ جدائلك \ من مهبط الذاكرة استلي شعارك الخالد\ العراق قطب الريادة\ نواة الذاكرة”.
وهنا دعوة صريحة للعراق واهله للانتفاضة على الظلم والجور وانتزاع العراق من قلب التاريخ النابض، فالعراق كان مهد الحضارات وبوصلة الانسانية للخير والعلم واليوم بتنا نقول كان لنا عراق، العراق يلملم جراحه حتى تداهمه جراح اخرى اكثر عمقا.
وفي قصيدة بلادي تخضر في دمي ص 85:”بلادي تخضرين في دمي \ دفء بساتينك يملأ رحبي \ مصلوبة انا بين يديك \ بعبقك”.
هذه القصيدة تفوح بحب الوطن وفي نفس الوقت هنالك خوف مسكون على الوطن على حد قولها من الرعاع اللذين يتناسلون مثل الجراد ورمتهم الأيام ليهدموا خضرة الذاكرة، ولكن من نقصد هنا الشاعرة بالذات.وفي قصيدة قتلتني قيود الابهام ص 88 تقول:”يا عرب \ قتلتنا قيود الابهام\ غرقت الذاكرة في الفوضى \ تعذر الخلاص\ من زعاف الغبار \ تتشقق قشرتنا عن مدن الحطب \ تقتل الفجر في هسيس القمر”. هنا نلاحظ حالة اليأس من وضع العرب والعروبة.
وفي قصيدة رفقا بي يا لبنان ص 108 تقول:”لا ترسمي على جدار قلبي\ حكايتك بوسخ البلوة \ ما عاد في جسدي متسع لشجونك\ رفقا بي\ فجرحك لثمته برعشة \ عصرتها من عطشي \ تتربعين على الوريد بشعارات.. بالدم موشومة \ لبنان التحدي”. وعن فلسطين تقول في نفس القصيدة ص 109:” ما زلت من فلسطين اتجرع كؤوس الحدج\ لا ادري كيف اكفكف دمعها\ ولا كيف الملم مع المجروحين\ مناديل تدلت من الخيبات خرابا \ ولا كيف استلها من بركين العنات”.
تتلخص صورة الوطن عند مالكة عسال:
– حالة من اليأس والاحباط من الواقع العربي المؤلم.
– عدم التشبث بأهداب الأمل أو بشمس تشرق على الشرق.
– الوطن عند مالكة عسال هو الوطن الكبير، هو السجن الكبير.
– الوطن يعاني من أزمات داخلية وخارجية، تدخلات أجنبية وأطماع استعمارية، وخلل في التفكير يضيق على أهل الوطن.
– دعوة لتغيير الواقع والانتفاض كما دعت أهل العراق.
اللغة عند مالكي عسال:
في الديوان ثروة لغوية كبيرة، جمل ومصطلحات جديدة ومبتكرة تشير الى شاعرة وكاتبة متمكنة من اللغة نورد هنا بعضها:
– “جسدي جدار الجرح “ص7.
– “اروي دهشة عطشك” ص 7.
-” قامتي صريعة أفكاري” ص8.
– ” قص لحاء الليل ” ص8.
-” تسيل الذاكرة صورا مدبلجة “ص 12.
– ” اختمري ايتها النبضة ” ص 13.
-” يبعثرني في الخفايا ” ص 15.
-” شهيقي يمتص الرماد ” ص 17.
– ” تمسح برقتها الكواكب ” ص 19.
-” من حناجر الصخر تستمد النظرات”.
-” هديل الحمام يفطس في السحيق ” ص 20.
– ” تغرق في جفاف الهواء ” ص 20.
– ” تنتحر ظلال الاغصان ” ص 21.
-” يتسربل طيفه ساهدا” ص 21.
– ” فض بكارتها اعصار” ص 22.
– ” يستنشق الاحرار رائحة الوطن” ص 23.
– ” امشي بحوافر مدهونة بالطين ” ص24.
– ” فيخطف انشودة الصباح” ص 25.
– ” تهرق الأقنعة الرعناء” ص 26.
– ” الفضاء المتورم ” ص 27.
– ” كوجع الولادة تتلبس البشر ” ص 36.
– ” من أنزل القديس من خلطة الالوان ” ص 37.
– ” تمشي قاطرتي بلا اجنحة” ص 40.
– ” على جماجم الاطفال تتدحرج براميل النفط” ص 42.
– ” في خشب الروح منسرحة” ص 43.
– ” يعدم الضوء شنقا في ظلال الاغصان” ص 46.
– ” كالجرثومة يسطو على جثثي ” ص 53.
– ” بدايتها بين فكي التاريخ” ص 61، هذه العبارة تذكرنا بكتابي بين فكي التاريخ الصادر عام 1999.
– ” تنهال أقراص النكبات ” ص 68.
– ” يعلق على جبيني سلسلة طلسم” ص 73.
– ” الى غد لم يبتسم بعد” ص 75.
– ” فيهبط الفجر من جفني” ص 78.
– ” حين استرخصك التاريخ ” ص80.
-” اشبع ظمأ الشوق” ص 82.
– ” كالجراد في خوابينا يتناسلون ” ص 85.
– ” وعلى العتبة تضاجعين حسرتك” ص 101.
– ” ارواح في فردوس الاحلام تائهة ” ص 103.
– ” المصلوبة على خشبة التعقيد ” ص 114.
– ” التائهة في قذارة العصور ” ص 117.
– ” اصعد من احتراق لاحتراق ” ص 117.
– ” كالفراشة أراهن على حتفي” ص 118.
ملاحظات:
هنالك خطأ مطبعي ص 16 “اليخور” المقصود البخور.
الصور والرسومات التي ضمها الكتاب غير واضحة بسبب المصدر ونوعية الورق ص 52 وص 102.
تغير في خطوط الكتاب في قصيدة افريقيا الحزانى ص 97.
الكتاب يخلو من الاهداء الخاص او العام من المقدمة.
خلاصة:
ديوان وشم الأمس على الأضرحة كتاب يستحق القراءة والدراسة يتطرق الى جوانب انسانية وسياسية واجتماعية، بأسلوب خاص وصوت مميز ولغة متماسكة فيها الكثير من الابداع والتجديد، اقتصرت القراءة هنا على صورة الوطن، هنالك جوانب اخرى تستحق الوقوف عندها.
مالكة عسال: كاتبة مغربية معروفة وناشطة ادبية لها بصمات ادبية على الحركة الادبية المغربية، لها اصدارات اخرى: دمعة – ديوان شعري، فراديس منفلتة – مجموعة قصصية.
سهيل ابراهيم عيساوي