تلك والله نفسي
تاريخ النشر: 01/03/15 | 10:04يقول الإمام أبو حامد الغزالي : ( اعلم أن أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك، وقد خُلِقَتْ أمارة بالسوء، ميّالة إلى الشر، فرارة من الخير، وأُمِرْتَ بتزكيتها وتقويمها وقَودها بسلاسل القهر إلى عبادة ربها وخالقها، ومنعها من شهواتها وفطامها عن لذاتها، فإن أهملتها جمحت وشردت، ولم تظفر بها بعد ذلك )
وهذا أبو مسلم الخولاني يقول : ( أرأيتم نفساً إن أنا أكرمتها ونعمتها وودعتها، ذمتني غداً عند الله، وإن أنا أهنتها وأسخطتها وأنصبتها وأعملتها مدحتني عند الله غداً ؟ قالوا : من تلك يا أبا مسلم ؟ قال : تلك والله نفسي )
نفوسنا التي نحملها فيها من الفساد ما فيها، لذلك يقول وهيب بن الورد : ( إن من صلاح نفسي، علمي بفسادها، وكفى بالمؤمن من الشر أن يعرف فساداً لا يصلحه )
هذه نفسي ونفسك، فكيف السبيل لإصلاحها، وكيف نصل معها إلى رضا الله تعالى وجنته؟
مسألة بحاجة للتفكير، لا تقل ذلك سهل، بل هو أصعب من مجاهدة العدو ومقارعة أهل الباطل يقول تعالى ( إنَّ النّفس لأمارة بالسوء) وقال (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها..)
أحياناً نعلق أخطاءنا على الشيطان وندّعي أن ما قمنا به من عمل الشيطان ووساوسه، وننسى أن نفسنا قد تكون هي السبب وهي الآثمة . فهذا قابيل قاتل أخيه، لم يقل عنه رب العالمين أغراه الشيطان، بل قال“فطوّعت له نفسه”. وهذا نبيّ الله يعقوب لما وقع الحسد بين أبنائه لم يقل أصابتهم عين أو أنّ الشيطان أملى لهم، وإنما قال ( بل سوّلت لكم أنفسكم)، وكذلك الذي صنع عجل بني إسرائيل لما سأله موسى اعترف وقال ( وكذلك سولت لي نفسي) إذًا قد تكون النفس أمارة بالسوء، فتانة، مُبعدة عن الحق والصواب ، ملهية فاجرة … قال يحيى بن معاذ : ( من سعادة المرء أن يكون خصمه فَهِماً وخصمي لا فهم له. قيل له : فمن خصمك ؟ قال : خصمي نفسي، لا فهم لها، تبيع الجنة بما فيها من النعيم المقيم والخلود فيها، بشهوة ساعة في دار الدنيا )
فكيف نتعامل معها وكيف نوردها موارد الخير ومراتع الرضا والإحسان ؟ كيف ننعم وإياها بنعيم الدنيا المؤقت ونعيم الآخرة الدائم؟
إنها معرفة النفس وخباياها، فهذا سفيان الثوري يقول : ( إذا عـرفت نفسك، لم يضـرك ما قـال الـنـاس )، وإنها المجاهدة التي قال عنها النبيّ صلى الله عليه وسلم وبه نقتدي، وانها المجاهدة التي أخبرنا عنها علماؤنا وعلى طريقهم نحن سائرون .
كتب أحدهم إلى أخ له قال: أما بعد، فإنك لم تكلف من الدنيا إلا نفساً واحدة، فإن أنت أصلحتها لم يضرك إفساد من فسد بصلاحها، وإن أنت أفسدتها لم يضرك صلاح من صلح بفسادها …
ذكّر نفسك أنك مخلوق من تراب، ذكرها بقول مالك بن دينار لما رأى المهلّب يتبختر في مشيته: أما أولك فنطفة مذرة، وأما آخرك فجيفة قذرة، وأنت بينهما تحمل العذرة !
يا مَن يرى نفسه فوق الخلائق يتعالى بعلمه، أو منصبه أو عائلته، اقرأ ما قاله بكر الشبلي لتصحو من غفوتك.. لا بل هي غفلتك عن جادة الطريق : ( إذا أردتَ أن تنظر إلى الدنيا بحـذافـيرها فـانظر إلى مزبلة فهي الدنيا، وإذا أردت أن تنظر إلى نفسك، فخذ كفا من تراب فإنـك منه خلقت وفيه تعود ومنه تخرج، وإذا أردتَ أن تنظر من أنت، فانظر ماذا يخرج منك في دخولك الخلاء، فمن كان حاله كذلك فلا يجوز له أن يتطاول أو يتكبر )
طلب الله – عز وجل – من ملائكته السجود لآدم وأبعدَ إبليس من رحمته لأنه لم يسجد له، فماذا فعل ابن آدم ؟ صالح الشيطان وهجر ربه، مشى في طريق الشر وزينها بالمعاصي والآثام ليرضي نفسه!
كلنا يبحث عن صلاح نفسه، ليكون مقبولا عند الله مطمئناً في حياته،قال مطرف بن عبد الله: “صلاح النفس بصلاح العمل وصلاح العمل بصلاح النية ….وإذا تساوت سريرة العبد وعلانيته قال الله عز وجل :هذا عبدي حقًا . ولئن أبيت نائما وأصبح نادما أحب إلي من أن أبيت قائما أصلي وأصبح معجبا بنفسي .ولأن يسألني ربي يوم القيامة :ألا فعلت ؟ أحب إلي من أن يسألني : لم فعلت ؟ ولأن أعافى فاشكر أحب إلي من أن أبتلى فأصبر”.
فيا مَن تُعجبك نفسُك وتغترّ بما تعمل، أدبها بأدب القرآن وعلمها السُنن ولا تظلمها.
ولا يزال العبد في خير ما دام مع كتاب الله… وإن مؤسسة حراء هي أفضل وسيلة، وأقرب قناة، لتأديب النفس بآداب القرآن وصقلها بالتوجيهات النبوية، والإرشادات القرآنية، لتكون هي النافعة بنفسها ولأسرتها ومجتمعها وللأمة جمعاء.