في يوم ميلاد ابي

صحيت زي عادتك بساعات الظهر.. تحممت وبلشت تتحضر وتلبس عشان تروح تصوت مع ابنك لكبير “سائد”.
وانت تتجهز..كنت تلاعب بنت بنتك “ديار” وتغنيلها اغنية العصفورة واغنية سيدي يا سيدي ..وهي تضحك وتهرب لعندك.
كان جاييك حفيد جديد عمرو كان شهر و5 ايام اسمو صالح ع اسم سيدو ابو ابوه..
صالح كان بعدو صغير يا دوب بصحى يوكل وينام وانت لحقتو بهداك اليوم قبل لينام.. ورحت حدو ع تخت وهمستلو بذانو اغنية محدا سمعها غير صالح!
بلش يقرب العصر.. وانت توضيت وصليت ولبست بطلونك الكحلي وجكيتك الكحلي وكندرتك السودا وتعطرت من عطرك (وان مِليون) وطلعت بسيارة مع سائد لتصوت.
في الطريق ..حكيت لابنك سائد وانت مستغرب “وك كيف الناس بتعمل عرس يوم الانتخابات؟” رد عليك سائد “انا لو محلك برحش”!
ووصلت ع المدرسة الي مفروض تصوت فيها ونزلت ومشيت لحالك.. وكل الناس الي هناك تجمعت عليك مرة تسألك لمين بدك تصوت! ومرة تسألك عن حفلاتك! ومرة يتغزلوا فيك ويقلولك صغران شي 30 سنة لورا! واخر شي انت قلتلهم بشوفكم الانتخابات الجاي لاني رح اترشح للرئاسة..وسألتهم بطلعليش؟
وضحكت ومشيت..
برجعتك ع البيت قلت لامي مضلش معي دخان، وانت جاي بطريقك اشتريلي علبة..حكتلك امي الي هي مرتك.. بعدين مع الدخان بدناش نبطلو؟ جاوبتها ..بوعدك اخر صندوق!
امي انبسطت لانها فكرت انك واخيرا رح تترك الدخان.
قبل لتطلع ع مشوارك الاخير.. امي تفقدتك وتفقدت اواعيك زي كل مرة، بس هالمرة قالتلك “استنى شوي .. بدي اقطبلك زر قميصك شوي فالت “وقطبتلك الزر وانت لابس القميص .. وكل الوقت كانت خايفة انها الابرة تغز جسمك بالغلط.. يا حرام امي مكانتش عارفة انو لرصاص هي الي رح تغز محل الابرة ومش بالغلط!
بلحظتك الاخيرة قبل لتطلع ع سيارة وتطلع ع مشوارك الاخير.. مودعتش مرتك ولا ولادك! بس ودعت “ديار” بنت بنتك ..وشاوحتلها بايدك وقلتلها …راجع انا يا سيدي.
ومرجعتش!!
شفيق…بتتذكر ع العيد قبل هاد التاريخ بأكم يوم؟ لما قعدت قبال التلفزيون تطلع ع مناسك الحج وتكتب الاشيا لجديدة عليك؟ وحكيت لامي اهم اشي بالحج يكون معي حفاي مٌريحة للمشي وثاني يوم امي راحت اشترتلك حفاي جلد سودا..وضبتا لحتى تحجوا بال 2015.
بتعرف شو …انا بديش اذكرك بتفاصيلك، بكفي احفظهم بذاكرتي واشوفهم وقت بدي، بس المشكلة بتصير..لما ابطل اقدر اتذكرهم بتفاصيلهم الصح!

مرة حكتلي صاحبتي الي امها توفت قبل سنين ..انها اليوم بطلت تقدر تتذكر صوت امها، طب تخيل حالك مكنتش مغني؟ شو كنت رح اعمل بحالي لو حاولت اتذكر ومتذكرتش!

الناس بتضلها تقولي “اللي خلف ما مات” من وين يابا جابوا هالمقولة الخارقة؟ مهو النبي (صلى الله عليه وسلم) مات! وامتو شتت عن رسالتو وطريقو..
بس بتعرف يابا كيف الي بخلف بمتش؟ لما بترك كل الذكريات الحلوة والمضحكة زي الي تركتها .. فش دقيقة بتمرق علينا غير ما نتذكر حكياتك ومزحاتك ونصير نضحك.. حتى الناس الي بتلاقيني بشارع وبتعازيني فيك دايما بكون بقلبها حكي او نهفة منك وبدل ما يعزوني منضحك!

امي كان نفسها تكبروا سوى ..وتجعدوا مع بعض وتصيروا سيد وست تستنوا احفادكم يروحوا من المدرسة عشان تغدوهم وتشترولهم كل الاشيا الي بحبوها .. واخر اليوم تنزلوا ع بيت المسن الي بالحارة تحت تلعبوا شدة واهم شي كان عند امي انكم تنزلوا ع العكاكيز .. شايف هالحلم شو بسيط؟ حتى البساطة هاي طلعت كثيرة عليك وع امي.

انا قررت بديش اكتب تفاصيلك ..بس ليش لهسا مكتبتش غير تفاصيل بتخصك؟ معقول لاني بديش اركز بتفاصيلي بغيابك؟
انا بمشي بشارع وبحس الدنيا شاشة وبتفرج عليها.. بقعد لحالي بفكر.. وبحس انو الفلم اللي انا داخلة فيه طوَّوووول كثير وبحاول افهم المنطق. بس أي منطق لازم افهم؟

اذا الواقع معدوم من المنطق! تبا للواقع والمنطق..
تبا لكل اشي..من دونك!
تبا للحب! للفرح تبا.. لنا!!
فش معنى للاغاني!!ولا للحن!! ولا للكلمات!!
فش معنى لصوتي من دونك!!
كل الحقائق كاذبه! كل الواقع غير منطقي! ولعبتنا فوق هذه الارض خسارتها حتميه! اما ان تكون او لا تكون، فإن كنت او لم تكن …ف الموت هو حتفك الاخير! ومن التراب حيث التراب الى التراب..محصور انت!

ابي..عندما كتبت قبل سنة واكثر “ان شعر جدتي لم يعد قادرُ على البقاء اكثر” لم اكن اعلم ان جدتي التي توفت في شهر اغسطس 2008 قد سئمت الانتظار لترى وجهك الطيب، ف لي من الاعمام والعمات ما يكفي لدزينتين من فناجين القهوة، وانت يا ابي لم تكن اكبرهم ولا اصغرهم ف الله اختارك لتكون من خير الامور واوسطها ابي.. لم تكن انت ابن لجدتي فقط، فقد كنت يا ابي امُ لامك من بداية تجاعيد وقرفصة الجلد على الجلد، ف امك يا ابي لم تكن امرأة عادية ف انا اؤمن ان الله خلقها ولم يخلق شبيها لها.
كنت يا ابي الطيب ..(وما اقسى لحظتي هذه بلكتابة عنك انت الغائب) .. كنت ابي…كنت.. كنت ابي..وما زلت ابي ..وستبقى ابي..سنموت نحن وستبقى انت يا ابي.

لربما كان لي يا ابي من الحياة ما هو اجمل، لكن لله وحده القدرة على عدم إتزان الجمال احيانا.
ف لي في شكلي وصوتي خالقين ..الله وانت!
ولي في قلبي نبض اخر ..
ابي..اليوم ستكمل عامك ال 54. .

فاتن شفيق كبها