حكم سماع الموسيقى والأغاني
تاريخ النشر: 13/10/14 | 14:06الموسيقى: علم يُعرَف منه أحوال النغم والإيقاعات، وكيفية تأليف اللحون، وإيجاد الآلات، وتطلق كذلك على الصوت الخارج من آلات العزف.
ومسألة سماع الموسيقى مسألة خلافية فقهية، ليست من أصول العقيدة، وليست من المعلوم من الدين بالضرورة، ولا ينبغي للمسلمين أن يفسق بعضهم بعضًا ولا أن ينكر بعضهم على بعض بسبب تلك المسائل الخلافية؛ فإنما ينكر المتفق عليه، ولا ينكر المختلف فيه، وما دام هناك من الفقهاء من أباح الموسيقى -وهؤلاء ممن يُعتَدُّ بقولهم ويجوز تقليدهم- فلا يجوز تفريق الأمة بسبب تلك المسائل الخلافية؛ خصوصا أنه لم يرد نص في الشرع صحيح صريح في تحريم الموسيقى، وإلا ما ساغ الخلاف بشأنها.
وذهب كثير من المحققين من أهل العلم -من الصحابة فمن بعدهم- إلى أن الضرب بالمعازف والآلات ما هو إلا صوتٌ: حَسَنُه حَسَنٌ وقبيحُه قبيحٌ، وأن الآيات القرآنية ليس فيها نهي صريح عن المعازف والآلات المشهورة، وأن النهي في حديث البخاري إنما هو عن المجموع لا عن الجميع؛ أي أن تجتمع هذه المفردات في صورة واحدة، والحِرُ هو الزنا، والحرير محرَّم على الرجال؛ فالمقصود النهي عن الترف وليس المقصود خصوص المعازف، وقد تقرر في الأصول أن الاقتران ليس بحجة؛ فعطف المعازف على الزنا ليس بحجة في تحريم المعازف، وأن الأحاديث الأخرى منها ما لا يصح ومنها ما هو محمول على ما كان من المعازف ملهيًا عن ذكر الله أو كان سببًا للفواحش والمحرمات؛ فالصحيح منها ليس صريحًا، والصريح منها ليس صحيحًا. وهذا مذهب أهل المدينة، وهو مروي عن جماعة من الصحابة، وعلى هذا المذهب ابن حزم وأهل الظاهر وبعض الشافعية ومنهم الشيخ أبو إسحاق الشيرازي والقاضيان الماوردي والروياني والأستاذ أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي البغدادي والرافعي وحجة الإسلام الغزالي وأبو الفضل ابن طاهر القيسراني والإمام عز الدين بن عبد السلام وشيخ الإسلام تقي الدين بن دقيق العيد وعبد الغني النابلسي الحنفي.. وغيرهم.
وقد صنف في إباحة الآلات والمعازف جماعة من أهل العلم: كابن حزم الظاهري في رسالته في “السماع”، وابن القيسراني في كتاب “السماع”، والأدفوي في “الإمتاع بأحكام السماع”، وأبي المواهب الشاذلي المالكي في “فرح الأسماع برخص السماع”، وغيرهم كثير.
وممن صرح بإباحة الآلات والمعازف حجة الإسلام الغزالي رحمه الله حيث قال في “إحياء علوم الدين”: “اللهو معين على الجِد، ولا يصبر على الجِدّ المحض والحق المر إلا نفوس الأنبياء عليهم السلام؛ فاللهو دواء القلب من داء الإعياء والملال؛ فينبغي أن يكون مباحًا، ولكن لا ينبغي أن يستكثر منه، كما لا يستكثر من الدواء. فإذًا اللهو على هذه النية يصير قربة، هذا في حق من لا يحرك السماع من قلبه صفة محمودة يطلب تحريكها، بل ليس له إلا اللذة والاستراحة المحضة، فينبغي أن يُستحب له ذلك ليتوصل به إلى المقصود الذي ذكرناه، نعم هذا يدل على نقصان عن ذروة الكمال؛ فإن الكامل هو الذي لا يحتاج أن يُرَوِّح نفسه بغير الحق، ولكن حسنات الأبرار سيئات المقربين، ومن أحاط بعلم علاج القلوب ووجوه التلطف بها لسياقتها إلى الحق علم قطعًا أن ترويحها بأمثال هذه الأمور دواء نافع لا غنى عنه”.
ونقل الشوكاني في “نيل الأوطار” في باب “ما جاء في آلة اللهو” أقوال المحرمين والمبيحين، وأشار إلى أدلة كل من الفريقين، ثم عقب على حديث: “كُلُّ لَهْوٍ يَلْهُو بِهِ الْمُؤْمِنُ فَهُوَ بَاطِلٌ إلاَّ ثَلاثَةٌ: مُلاعَبَةُ الرَّجُلِ أَهْلَهُ، وَتَأْدِيبُهُ فَرَسَهُ، وَرَمْيُهُ عَنْ قَوْسِهِ” بقول حجة الإسلام الغزالي: “قلنا: قوله صلى الله عليه وآله وسلم (فهو باطل) لا يدل على التحريم، بل يدل على عدم فائدة”، ثم قال الشوكاني: “وهو جواب صحيح؛ لأن ما لا فائدة فيه من قسم المباح”، وساق أدلة أخرى في هذا الصدد، من بينها حديث من نذرت أن تضرب بالدف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن رده الله سالمًا من إحدى الغزوات، وقد أذن لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالوفاء بالنذر والضرب بالدف. رواه الترمذي وصححه من حديث بريدة رضي الله عنه، فالإذن منه يدل على أن ما فعلته ليس بمعصية في مثل ذلك الموطن.
وقال ابن حزم في “المحلَّى”: “إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: “إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى”؛ فمن نوى باستماع الغناء عونًا على معصية الله تعالى فهو فاسق، وكذلك كل شيء غير الغناء، ومن نوى به ترويح نفسه ليقوى بذلك على طاعة الله عز وجل وينشط نفسه بذلك على البر فهو مطيع محسن، وفعله هذا من الحق، ومن لم ينو طاعة ولا معصية، فهو لغو معفو عنه؛ كخروج الإنسان إلى بستانه متنَزِّهًا، وقعوده على باب داره متفرجًا، وصباغه ثوبه لازورديًّا أو أخضر أو غير ذلك، ومد ساقه وقبضها وسائر أفعاله” اهـ.
ونخلص في كل ما سبق إلى أن الغناء بآلة -أي مع الموسيقى- وبغير آلة: مسألة ثار فيها الجدل والكلام بين علماء الإسلام منذ العصور الأولى؛ فاتفقوا في مواضع، واختلفوا في أخرى.
اتفقوا على تحريم كل غناء يشتمل على فحش، أو فسق، أو تحريض على معصية؛ إذ الغناء ليس إلا كلامًا: فحسنه حسن وقبيحه قبيح، كل قول يشتمل على حرام فهو حرام، فما بالك إذا اجتمع له الوزن والنغم والتأثير؟
واتفقوا على إباحة ما خلا ذلك من الغناء الفطري الخالي من الآلات والإثارة، وذلك في مواطن السرور المشروعة؛ كالعرس، وقدوم الغائب، وأيام الأعياد، ونحوها، واختلفوا في الغناء المصحوب بالآلات.
والذي نرجحه ونميل إلى القول به هو جواز استعمال المعازف وسماعها بشرط اختيار الحسن وعدم الاشتغال بما يلهي عن ذكر الله تعالى أو يجر إلى الفساد أو يتنافى مع الشرع الشريف؛ إذ ليس في كتاب الله تعالى ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ولا في معقولهما من القياس والاستدلال ما يقتضي تحريم مجرد الأصوات الموزونة مع آلة من الآلات، وهذا هو ما نراه أوفق لعصرنا.
يعني حرام والا حلال
نسمع والا لع