الحياة تحت حكم “داعش” بكاميرا خفية
تاريخ النشر: 26/09/14 | 6:06قُدّر لبلدة لرقة السورية ألا يغيب اسمها عن نشرات الأخبار، في ارتباطها بتنظيم «الدولة الإسلامية» الذي يتمركز فيها، ويتمدّد من حولها. وبوجود قسم إعلامي منظّم بشكل كبير لدى التنظيم، وبإمكانيات تقنية جيّدة، فإنَّ الغالبية العظمى مما يبثّ من صورٍ تأتي ضمن بروباغندا الرعب وقطع الرؤوس التي يستخدمها التنظيم لتكريس سلطته وهيمنته.
يوم الجمعة الماضي، بثّت قناة «فرانس 24» تقريراً مصوَّراً بشكل سرّي من داخل المدينة السوريَّة التي اختلطت فيها الجنسيّات وتعدّدت اللغات واللهجات، ضمن فكر واحد، جهادي متطرِّف.
تكمن أهمية التقرير (14 د.) في نقله صوراً للحياة داخل المدينة، ورصد تصرّفات أفراد التنظيم وطريقة إدارتهم شؤون البلاد والعباد.
صوّرت التقرير شابة سورية من الرقة في الخامسة والعشرين من عمرها. حيث وضعت رزان (اسم مستعار) كاميرا صغيرة داخل حقيبة جلدية قامت بتمويهها بقطع أكسسوارات.
وهي كانت قد عادت إلى الرقة براً عبر تركيا، بعدما غادرت البلاد خلال الحرب، على مرحلتين، الأولى في شباط/ فبراير 2014.
تنقل كاميرا رزان صور حياة عادية ورتيبة في كنف عناصر التنظيم الذين سيطروا على كل شيء. يأمرون وينهون، وينقلون مقارّهم إلى مبان حكومية رسمية وبيوت هجرها أصحابها. يديرون شؤون المدينة من حركة السير إلى المخابز والأسواق وتفاصيل المعيشة، ليأخذوا دور «الدولة» ويحوّلوا المدينة من مجتمع محافظ بالأصل، إلى مجتمع متشدّد كل ما فيه يُدار بالسيف والسلاح.
تنتشر المساجد في عرض الشارع. الخوف مفروض على الجميع، وأصحاب المحلات مجبرون على إغلاق محلاتهم بمجرد سماعهم صوت الأذان، لتجنب عقوبات إغلاق المحلات والغرامات المادية والسجن والجلد.
في نيسان، تعود رزان مرّة أخرى من أجل الحصول على مزيد من الصور والتوثيق.
لكن بالرغم من شجاعتها في التحرك حاملة الكاميرا، ثمَّة شيء لا يمكن تصويره خلسة، شيء ينتشر في جو المدينة ويسكن أهلها، الحيرة التي تسيطر عليهم، والخوف من التعرض للشبهات التي قد تودي بهم لإقامة الحدّ عليهم، أو الإعدامات العلنية في الشارع بشكل متكرر، بهدف ترهيبهم وإحكام القبضة عليهم.
هذه هي الحالة التي يريد لها التنظيم أن تكون حالة المجتمع «الطبيعية»، كما تصوّرها كاميرا رزان، وتعرضها «فرانس 24» في الحلقة الأحدث من برنامج «مراسلون».
في الشريط نرى، مثلاً، عائلة من أب وأم يسيران مسلحين مع طفلهما في الحديقة، ليصبح التشدد هو المعيار، فيسهل التكفير ويبرر القتل.
تحاول رزان التواصل مع العالم «الخارجي»، تذهب إلى مقهى انترنت، تفاجأ بعدم وجود مكان شاغر، نسوة منقّبات يتحدثن لغات مختلفة.
تروي كيف تحدثت مع سيدة فرنسية أخبرتها أنها ستزوج ابنتها ذات الثلاث عشرة سنة، وستكون بعدها مستعدة لتفجير نفسها إذا تطلب الأمر، تضحية في سبيل الدولة (الإسلامية).
أجنبيات تركن مجتمعاتهن وجئن للبحث عن معنى لحياتهن في أرض «الخلافة الإسلامية».
تتحدث إحداهن مع والدتها عبر «سكايب»، وتطلب منها أن تهدأ وتحلف لها بأن الوضع جيد، وليس كما يبثّ عبر نشرات الأخبار.
لم يلتفت كثيرون إلى مضمون التقرير ومدى جدّة ما جاء فيه، في مقابل شجاعة رزان وجرأتها على التصوير من قلب المدينة، والاقتراب من عناصر التنظيم على الحواجز وفي الشارع.
لم نرَ ردود أفعال مواطنين سوريين على هذه التحولات التي تعصف بهم… لكن بالنسبة إلى تقرير شخصي مصوّر، يبرّر لصاحبته عدم قدرتها على التوغل أكثر في هذا المحيط.
بين شباط ونيسان الماضيين حتى اليوم، حدثت متغيرات على الأرض، استطاعت «الدولة الإسلامية» أن تتمدد بمساحات كبيرة، وهي مستمرة بتغيير جغرافية المنطقة، مثلما تغير تاريخها وبنيتها الاجتماعية في مشهد يزداد تعقيداً كل يوم.