إهمال معالمنا الأثرية ….
تاريخ النشر: 28/05/12 | 7:55إهمال معالمنا الأثرية من بستان الخيّاط في حيفا,وحتى قلعة الظاهر عمر في شفاعمرو
جرت مؤخراً محاولات من أجل إحياء شأن بستان الخيّاط في حيفا ورفع الوعي لأهميته كمعلم تاريخي عربي هام من قبل جمعية التطوير الاجتماعي وهيئات ومؤسسات اجتماعية وشعبية أخرى،من أجل الضغط على بلدية حيفا وجهات رسمية أخرى للاعتراف بمسؤوليتها عن إهمال هذا البستان وصيانته وترميمه وتصليح الغبن والإهمال الذي لحق بالبستان منذ عشرات السنين.
هذا البستان الذي يشكل آية فنية رائعة أقيم في مطلع القرن العشرين لأحد أثرياء حيفا عزيز خيّاط كبستان خاص وعملي للعائلة. اما تصميم البستان فمستمد من ثقافة البساتين العربية الاسلامية التي تتميز بشلالات ماء،ونوافير وبرك توصل بين أجزاء البستان والتي تشبه الى حد كبير البساتين التقليدية في بلاد الشام.
وإذ أحيي جمعية التطوير الاجتماعي في حيفا وكل مبادرة أخرى من أجل المحافظة على معالمنا الأثرية ولتوعية الجمهور بأهمية هذه الكنوز الغالية،أدعو مؤسساتنا الثقافية والاجتماعية والتربوية الى تكثيف عملها في إطار تسليط الضوء على هذا الموقع الأثري الهام،وعلى كافة المعالم الأثرية في قرانا ومدننا العربية من أجل صيانتها والمحافظة عليها.
فعلى مقربة من مدينة حيفا،هنالك معالم تاريخية في مدينة شفاعمرو تدعونا الى زيارتها والتعرف على تاريخها العريق،رغم الإهمال اللاحق بهذه المعالم والآثار من قبل ادارة بلدية شفاعمرو وسلطة الآثار .
فعلى سبيل المثال لا الحصر،يقع في جنوبي شفاعمرو حصن بجدران سميكة من حصون القرون الوسطى ويسمى “البرج”،ويجمع المؤرخون أن الصليبيين أقاموا هذا البرج على أنقاض حصن بيزنطي،بحجة وجود قبور مذهلة في صخر سفوح التلة.
كان هذا البرج يطلّ شامخاً،يراه كل من يدخل هذه المدينة،إلى أن تم طمس هذا الموقع الأثري الهام من قبل بنايات سكنية أشيدت بقربه،فمنعت رؤية هذا البرج عن بعد،وكأنه لا يوجد تنظيم ولا تخطيط في هذا البلد،و”كل من إيده إله”.
وفي منطقة منخفضة أكثر على مقربة من موقع البرج تختبىء بخجل قبور منحوتة بالصخر منذ القرن الرابع ميلادي تسمى منطقة الصافح،نظراً لكونها منطقة صخرية وتظهر فيها الصخور على سطح الأرض مثل قطعة الصفيح.
تجد في مداخل هذه المدافن نقوش في الصخر لعنب الكرمة،أنواع من الطيور،أسد،سعف النخل وصلبان لاتينية. وهنالك آثار لكتابة يونانية والرسم أو النحت البدائي،يشبه النقش على نقود بيزنطية من القرنين الخامس والسادس ميلادي.
عناقيد العنب المحفورة على الصخر ترمز للخصب،أما سعف النخيل فهي رمز للموتى,في داخل المدافن دهاليز ضلع كل واحد منها 105 سنتمتراً،ويوجد على الجدار الشمالي لكل مدفن حفر لأسد وما يشبه الشبل،وعلى الحائط الأيمن نحت مثله بالإضافة الى الطير.
وبعد المدخل يوجد درج يقودك الى المقصورة الداخلية،التي تنخفض عن الخارج بخمسة وخمسين سنتمتراً وعلوها 180 سنتمتراً,في المقصورة أقواس مقنطرة علوها 163 سنتمتراً .
ولكن للأسف هذه المدافن البيزنطية النادرة تم إهمالها الى حد الاستهتار بالقيمة التاريخية لهذه المواقع الأثرية الهامة،ففي فصل الشتاء تجد الجرف والأتربة والوحول والأوساخ والمياه الملوثة تغمر هذه المعالم الأثرية،ولولا حرص السكان المجاورين لهذه المدافن والقيام بتنظيفها بين الفينة والأخرى وبمجهودهم الذاتي،لكان وضع هذه المدافن في وضع أسوأ مما هي عليه الآن،زد على ذلك أن هذه المدافن موجودة بشكل ملاصق للمباني السكنية ولا توجد طرق سهلة ليتمكن الزائر من الوصول إليها بشكل مريح.
ومن أهم المعالم الأثرية في مدينة شفاعمرو قلعة الظاهر عمر،المشهورة أيضاً باسم “السرايا” أو “القلعة”،بناها عثمان بن ظاهر العمر في العام 1771 م.
تقع القلعة في قمة مدينة شفاعمرو القديمة،في حي الزقاق,بناء بارز،ضخم ومتين،توجد فيه اسطبلات تتسع ل 400 حصان،وتوجد في إحدى زوايا ساحتها مقصلة حتى اليوم.
الداخل الى القلعة يواجه ساحة واسعة وقنطرة وإيواناً عريضاً،ومن على سطحها تستطيع مشاهدة سهل عكا بأكمله،والجبال شرقاً وشمالاً،والساحل حتى رأس الناقورة،وكانت الطرق الرئيسية الواردة جميعاً من وإلى الساحل،تقع في قبضة صاحب القلعة،الذي أحاط قلعته بمزيد من الحصون على قمم التلال التي تطوق شفاعمرو.
وهنالك شعر كان مكتوباً فوق العتبة العليا للبايكة الوسطى للقلعة،ليؤكد بأن عثمان ابن الظاهر عمر هو الذي أشادها لكن نتيجة عملية هدم أجزاء من القلعة التي قام بها حسني أفندي في العام 1910 ليبني من حجارتها المدرسة الأسقفية الكاثوليكية الابتدائية،والتي هي اليوم بناية مهجورة في حي السوق القديم،أما هذه الأبيات من الشعر فهي:
قف على دار بها الحسنى تجلّت بالزيادة
دارة البدر بها اللي ث استوى والعود عاد
شادها عثمان ذو الاحسان من أعطي السيادة
فانظر التاريخ سهلاً هذه دار السعادة
ولكن هذه القلعة الشامخة التي تشهد على تاريخ شفاعمرو العريق،يصعب وصول الزائر الى طابقها السفلي حيث القناطر والساحة الكبيرة،أما الطابق الثاني فباستثناء ساحته الخارجية الواسعة فكل ما يليها مهمل،ابتداء من المبنى الداخلي وانتهاء بسطح القلعة العلوي حيث يمكنك مشاهدة المناظر الخلّابة الساحرة.
رغم خطوة ادارة بلدية شفاعمرو الأخيرة من حيث إضاءة هذا المعلم الأثري الهام،والذي أقدّره حيث يسلط الأضواء للزائر في المساء على هذه القلعة الشامخة،إلا أن النواقص والاهمال لهذه الآثار تبقى وصمة عار في جبين المسؤولين وإدارة البلدية،وعلى الجميع أن يسارعوا الى إنقاذ تاريخنا وحضارتنا من هذا الإهمال الفاضح.
بقلم عفيف شليوط