مفاهيم سلام جديدة
تاريخ النشر: 02/10/14 | 9:08بدءاً بإيران وما تشكّله من تهديدات للعرب- كما يعتقد البعض- ولإسرائيل على نحوٍ خاص، بشأن برنامجها النووي، ومروراً بأحداث الربيع العربي التي كان لها أن غيرت الخريطة السياسية العربية بشكلٍ عام، وانتهاءً بإقامة التحالفات الجديدة ضد التنظيمات الإسلامية المتشددة وعلى رأسها الدولة الإسلامية في العراق والشام، وبإضافة أحداث الهجمة الصهيونية ضد الضفة الغربية في اعقاب اختطاف المستوطنين الثلاثة في يونيو/حزيران الماضي، والحملة العدوانية –الجرف الصامد- ضد حركات المقاومة داخل القطاع، كلها مثّلت وقائع استراتيجية، اضطرّت كل من الفلسطينيين
والإسرائيليين، أن يُكملوا بنائهم عليها، كون الاعتقاد لديهم بأنها تصب في مصلحتهم، مع بعض العيوب المحلية والدولية التي حرصوا جيّداً من أجل تغطيتها أو إهمالها والتغاضي عنها.
كانت شهدت المنصّة الدولية التابعة للأمم المتحدة، خطابين دسمين، فلسطيني وإسرائيلي، من حيث التباين والتنافر، أفصحا بجلاء عن عمق الخلاف بينهما، وأوضحا عن عمد، عن النوايا ضد الطرف الآخر في المستقبل. فالرئيس الفلسطيني “أبومازن” لم ينسَ شيئاً من سيئات الإسرائيليين إلاّ ذكّر به، مثل: الإصرار على مواصلة النشاطات الاستيطانية والممارسات الأمنية الصارمة في مناطق الضفة، والنشاطات الدينية ضد القدس والمسجد الأقصى، وتعمّد إعلان الحرب على القطاع وتشديد الحصار عليه، ومحاولة منع الوحدة الوطنية الفلسطينية بشكل عام، كما لم يدع ما اعتقد به أن يتغلب على
إسرائيل بشأن انهائها الاحتلال إلاّ أنبأ به، وذلك بعزمه التقدم إلى مجلس الأمن وإلى محكمة الجنايات الدولية، باعتبارهما خطوات عملية باتجاه إنهاء الاحتلال، وهامة أيضاً تؤدّي إلى السلام العادل والشامل في المنطقة والعالم ككل.
وبالمقابل، وقبل أن تنتهي كل من واشنطن وتل أبيب، من إبداء غضبهما الشديد من نوايا “أبومازن”، حول ما وصل فهمه للسلام، فقد سارع رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتانياهو” إلى الرد بسرعة على تلك المفاهيم كلمة بكلمة وحرفاً بحرف، بدءاً بتكذيبه وانتهاءً باتهامه بأن من يتعمّد إنكار الهولوكوست، فإنه لا يستطيع إلاّ رواية الأضاليل ومجانبة الحقيقة فقط، ومع أنه يؤمن بالسلام التاريخي مع الفلسطينيين والعالم العربي، واستطاعته في تحقيقه، إلاّ أنه صبأ دفعةً واحدة عن إيمانه به على أنه شريك للسلام، سيما وأن إسرائيل لا يمكنها أن تأمن على مصيرها وتطورها، في ظل مخاطر جمّة حاضرة وقادمة، سيضطر اليهودي أن يفكر مرتين قبل الخروج من بيته، وبات على أن الخطوات الذي يبذلها “أبومازن” غير مواتية، ولا تتطابق مع إسرائيل، علاوة على إظهاره مهارة خاصة تؤهله من جرِّ إسرائيل، لأن تمارس فيه دورًا رئيسياً بشأن قضايا المنطقة جنباً إلى جنب مع الدول الجارة وصاحبة المصالح.
وكما غضبت الولايات المتحدة وإسرائيل من الحقيقة التي وضعها “أبومازن” أمام المجتمع الدولي، كونه يطالب مجلس الأمن بضرورة وضع سقف زمني محدد لإنهاء الاحتلال، فقد غضب الفلسطينيون مرّتين، نتيجة الغضب الأمريكي الذي ليس له داعٍ، ولخطاب “نتانياهو” الذي جعل بمحض إرادته، نهاية للسلام. على أن التسوية التاريخية الذي تحدّث عنها، لا تعبّر إلاّ عن التصفية التامة للقضية الفلسطينية، وليست وفق قرارات الشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي منح فلسطين صفة دولة غير عضو، منذ أواخر عام 2012.
ضمن الوقائع الاستراتيجية الجديدة، وكما يبدو فإن “نتانياهو” يعتقد بأن الأفق السياسي للتوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين، يكمن في التغييرات التي جابت منطقة الشرق الأوسط، وليس في مفاهيم قديمة لم تعُد صالحة الآن، وهو يعتقد أيضاً بدلاً منها، بأن التسوية التاريخية مع الفلسطينيين تكمن في تليين القبضة العسكرية في الضفة الغربية، ومنح التصاريح غير المحددة للسكان للتسوّق داخل إسرائيل، ومحاولة العمل إلى حدٍ معقول لتغيير الواقع في قطاع غزة، والتي من شأنها المساهمة في رفع المعاناة عن السكان، كالسماح للعجائز بالسفر والصلاة في الأقصى، وتبادل الزيار
ات،
ومنح تسهيلات تجارية، تسمح بوصول البضائع من القطاع والعكس، من خلال فتح المعابر بما يضمن الأمن والهدوء.
وكان وزير الجيش الإسرائيلي “موشيه يعالون” قد أكّد على أفكار “نتانياهو” وحكومته بشكلٍ عام، على أن السلام التاريخي يقوم على احتفاظ إسرائيل بتواجدها في – يهودا والسامرة – الضفة الغربية، كي لا ينشأ كيان (إرهابي)، مثلما هو حاصل في القطاع، والذي تسيطر عليه حركة حماس في الظاهر، وإيران بشكلٍ خفي.
وإذا كانت هذه المفاهيم قد تكونت لدى الإسرائيليين تبعاً للوقائع السابقة – مع إنها قديمة متجددة- والتي تتنافى مع كل التطلعات الفلسطينية والمقررات الدولية، فإن على الفلسطينيين إظهار صرامةً أكبر باتجاهها، ولا يكون ذلك لوحدهم، بل بتحالف عربي وإسلامي جادّ، وإذا كانوا غير جاهزين لتجيير الوقائع الآتية لصالحهم، فلا بد إذاً من الانتظار.
د. عادل محمد عايش الأسطل