من قصيدة النثر: مع طه محمد علي
تاريخ النشر: 02/10/14 | 10:10في مثل هذا اليوم الثاني من تشرين الأول (2011) رحل عنا أديب مميز في شعره النثري وفي نقداته اللاذعة، وفي طبيعته الفلاحية المحببة، وفي صداقته الرائقة.
إنه طه محمد علي ابن صفورية الذي هُــجر إلى الناصرة سنة النكبة.
…
كانت لي مع طه علاقات وطيدة، وكنت أتابع نشاطاته أولاً بأول، ومن أجمل ما يُذكر رحلتنا إلى لندن بصحبة الشاعر سميح القاسم- إلى مهرجان الثقافة، وذلك سنة 1988.
….
كتبت تحليلاً لقصيدته “حلم” أودعتها كتابي “قصيدة وشاعر”- نابلس: دار الفاروق- 1996، ص 23-32،
كما كنت أهديته قصيدة ما لبث أن رد عليها، وقد نشرتا في مجلة “الآداب” (بتحرير عفيف سالم) التي كانت تصدر في الناصرة، في عددين متتاليين: آب 1988، تشرين الثاني 1988. ثم أعدت نشرهما في مجموعتي- قبلة بعد الفراق. القدس: مطبعة الرسالة- 1993، ص 56- 61.
….
ثم ما لبثت أن كتبت عن طه دراسة أكاديمية عنوانها “تجليات الخوف في نصوص طه محمد علي” ألقيتها في مؤتمر نقدي في عمان، ففوجئ المحاضرون المشاركون جدًا بشعره وبنصوصه، وقد نشرت الدراسة في كتابي “نبض المحار”. باقة الغربية: مجمع القاسمي- 2009، ص 113- 149.
….
يسرني أن يقوم الممثل عامر حليحل بتقديم مسرحيد عنه، وقد شاهدته، وأشهد أن فيه الإبداع والإمتاع.
إليكم القصيدتين- قصيدتي عن طه ورد طه على قصيدتي:
مُقابلَ مطبعةِ الحكيم
( إلى طه محمد علي)
في الكازانوفا
مقابل مطبعة الحكيم
يجلسُ في محل لِيَبيعَ التُّحَف
قارِيءٌ ناقَشَ ساتر
وأجيز من دُكّانِهِ الصغير
أكثرُ من شاعر
***
يا بني– واللهِ العظيم
ما أطيب/ أروع/ أعظم/ أحسن…!
يُعيد الرِّوايهْ
يصوغ ُشِعْرَهُ حِكايهْ
وكُلُّ شيءٍ فخم
يداهُ وَوَجْهُهُ الذي يُجاري الصَّوْت
تطفُرُ دمعتُه سريعًا
يَسْتَخْرِجُهَا أيضًا عند الطلب
بِانفِعالِهِ الْجَمِيم
***
يحكي لك
لُمَعًا عن العَقَّاد
وماذا قرأ بالإنجليزيَّهْ
من ديكنز حتى كولدويل
يعرّجُ على النحو
(كتاب المُفَصّل/ إعراب القرآن الكريم)
وعن أصولِِ الهارْموني
في اللباسِ وعن خَيّاطه المُفَضّل!
عن قصّةِ حدثَت في بيتهْ
وكيف سَمّاهُ ذووهْ–
عن أكلةٍ ما أطيَبَها
ونكتةٍ هُنا وهناك
وكيفَ يَنْسَى الأمسَ وهو يعرِفُ اليوم
وكيفَ لا يرى الشيءَ أمامَه
يُلِحُّ يُعيد، يُعيد يُلِحُّ…….
***
بارِعٌ في العَلاقََةِ البريئةِ الإطار
رائِعٌ في حِفاظِه الوُدّ
قانِعٌ ويحفظُ المسافَةَ بينَه وبينَ سِواهْ
يَفْرَحُ كالطِّفْلِ إِنْ قُلْتَ لهْ:
قرأتُ لكَ “الباشق”،
أو إنَّك ترسم في
“عبد الهادي يصارع دَولةً عظمى”
أو
أن الكلمةَ عندَك لا تُسْتَبْدَل
ونهايةَ الأزْمَةِ تثيرُ الدَّهْشَهْ
وأَنَّ العَمَلَ الأدبيّ لا يُكَرَّر
يلحَقُكَ ليطْلُبَ حَبَّةَ نَعْناعٍ أخرى
وعندَها يعودُ إلى حِكايةٍ لا تنتهي
تنتظِرُهْ
لتقولَ بعضَ التّعليق
يأتي لك بقصّة من صَفُّورية *
ويقول:
يا بني
ما أحْلى الهواء هناك
الحبَّ هناك
الأرضَ هناك
والموتَ هناك!!!
————
* صَفُّورية – مسقط رأس الشاعر
كلام إلى الدكتور فاروق مواسي
شعر: طه محمد علي
******
أخي الدكتور فاروق مواسي
مَنَحْتَنِي سنبلة..
وأهديك حبة قمح– وعلى قدر أهل العزم… فإذا بلغتك دون أن يتلفها النمل في الطريق، فلتقدم لك تحياتي واغتباطي بما كتبت ولتنقل لك أيضًا اعتقادي بأنك صعّبت علّى الكتابة!!
***
أيها الدفتر الصغير
الأصفر كسنبلهْ
والصامتُ كوجهْ
أخشى عليك
من البلبل والقوارض
وأأتَمِنُكَ على خوفي
وحزني وأحلامي
ولا ألقى منك
سِوى العقوقِ والخيانَهْ
وإلا
فأين الكلامُ الذي أقولُ منه
ليتَني صَخْرَهْ
على ربوهْ
لا تسمَع ولا ترى
لا تحزنُ ولا تتألم!؟
وأينَ المقطع
الذي فحواهْ
أتمنى أن أكون
صخرة على رابيهْ
يفَجِّرها الصِّبيةُ في الخليل
ويُهدونها إلى أطفالِ القُدْس
ذخيرةً للأكُفِّ والمقاليع!؟
وأين العبارهْ
التي أود أن أكون
صَخْرَةً على رابيهْ
لأشاهدَ من هناك
بعد مئات السنين
جموعَ الفاتحين الملثمين
ثم أين ما أخصّ به حلمي
بأني صخرة على رابيهْ
من روابي الكرمل
حيث أتفقد مصادر حزني
أحدّق في الموج
وأفكر بالتي
مضى على وداعي لها
على رصيف الميناء
في حيفا
أربعون سنهْ
وما زال:
أنتظر عودتها
مع حمائم البحر
ذات مساء
***
أفَيَسْتَقيم أيها
الدفتر الصغير
الأصفر كسنبلهْ
والصامت كوجهْ
أن تحذف ما حذفت
تطمسه وتلغيهْ
لمجرد كونهْ
كلامًا فارغًا
لا يخيف العدو
ولا يُطمئِنُ الصديق؟
——–
بير الأمير / نشرت في (الآداب) – الناصرة – تشرين الثاني 1988
ب.فاروق مواسي