سطّر يا قلم
تاريخ النشر: 01/06/12 | 5:32سطّر يا قلم
علاقة ثقافة الأقلية بثقافة الأكثرية..
دلّتني قراءاتي في موضوع ثقافة الأقلية وعلاقتها بثقافة الأغلبية على أن ميزان القوى السياسي هو المقرر في تكوين طبيعة العلاقات بين الثقافتين، فغالباً ما تتبنى الأقليات خطاب الأكثرية. إلا أن ثقافة الأقلية القومية التي تعيش في اطار سياسي تسيطر عليه أغلبية قومية أخرى (كما هو الحال عليه في اسرائيل)، تميل الى تبني مواقف المعارضة حيال ثقافة الأغلبية، خاصة وأننا نعيش في ظل صراع سياسي وقومي وديني متواصل.
من جهة أخرى، نجد أن نهج مؤسسات الأغلبية اليهودية في علاقاتها مع الأقلية العربية في الميدان الثقافي (ومنذ العام 1948 ) لا يختلف عن نهجها “التقليدي” في المجالات الأخرى، فقد كان نهج المؤسسة الحاكمة تجنيد الأقلام في سبيل خدمة أغراضها، وفي طليعتها طمس الهوية العربية الفلسطينية، ودق الأسفين بينها وبين الثقافة العربية في العالم العربي، ولكن هذه الأساليب باءت بالفشل في نهاية المطاف.
رغم أن المؤسسة الحاكمة أيقنت بفشل مخططها، لكنها لم تتنازل عن فكرة توجيه الثقافة العربية. واليوم، كما في المجال السياسي كذلك الحال في المجال الثقافي، هنالك محاولات لضمان “تمثيل عربي” في كل مهرجان ثقافي أدبي وفني.
فمهرجان”المسرح الآخر” في عكا، يقدم سنوياً مسرحية عربية واحدة في إطار المسابقة بهدف تزيين المهرجان بالثقافة العربية ولتثبت للقاصي والداني أننا نعيش في دولة ديمقراطية تحترم الأقلية العربية وثقافتها. وكما في مهرجان المسرح الآخر في عكا، كذلك الأمر في مهرجان مسرح الطفل في حيفا، وغيرها من المهرجانات الثقافية والفنية في البلاد.
من جهة أخرى يعتبر مثقفو الأقلية ثقافة الأغلبية إطاراً جذّاباً، يمكنهم من الوصول الى مراكز القوى في مجتمع الأغلبية، وبالتالي الفوز بامتيازات مقصورة على الغالب على أبناء الأغلبية.
هذا بالإضافة لتحسين مركز المثقف– من أبناء الأقلية الذي نجح في اقتحام ثقافة الأغلبية – لدى أبناء الأقلية. فدائماً كنا نقدّر مبدعينا بعد نيلهم الاعتراف الرسمي بهم من قبل ثقافة الأغلبية، فكم صفقنا للأديب الحائز على جوائز أدبية من المؤسسة الحاكمة أو المؤسسة الثقافية التابعة للأغلبية، وكنا نعتبر الممثل المسرحي نجماً مبدعاً فقط عندما ينجح في التمثيل على خشبة المسرح العبري، علماً بأننا لا نشاهد المسرح العبري بل نقرأ عنه.
ومن المثير للدهشة أن هؤلاء المبدعين الذين يتناوبون على مقعد “العربي المفضل” في الحلبة الثقافية والأدبية والفنية الاسرائيلية، يتصرفون كأنهم لا يدركون أن المؤسسة الاسرائيلية تسعى من خلالهم لتحسين “رصيدها” لدى ثقافة الأقلية.
وأياً يكن الأمر، فقد بتنا نشهد، ومنذ أربعينيات القرن الماضي، ظهور حركات في الشرق خاصة تلجأ الى رفض ثقافة الأكثرية، وذلك كرد فعل لمحاولة هيمنة خطاب الأكثرية، وهو خطاب من شأنه أن يلغي الخصوصيات الثقافية لهذه الأقلية العرقية أو تلك الأقلية الدينية لصالح هيمنة ثقافة الأكثرية.
هذا ما حصل أيضاً لدى الأقلية العربية الفلسطينية التي طرحت في إحدى المراحل فكرة الأوتونوميا الثقافية كرد فعل على محاولة هيمنة ثقافة الأكثرية، وعودة الأكراد في العراق الى عرقهم كرد فعل على تضخم الذات العربية.
وإذا ما نظرنا الى المسألة من وجهة نظر أخرى، فسنجد ان سعي الأقليات الى تأكيد انتماء ما، يشابه أو يماثل انتماء الأكثرية من خلال تبنيها لخطابها، يؤكد على لا إنسانية خطاب الأكثرية (أية أكثرية كانت) قبالة حالة التزلف والكذب التي عادة ما تضطر الأقليات (أية أقليات كانت) للعيش في دوامتها بغية تأمين الحماية المجتمعية لها والعيش بأمان. أياً يكن الأمر، لا مناص من القول انه قد يكون من نتائج فرض الأكثرية لخطابها، بما ينطوي عليه الخطاب من نمط ثقافي، على هذه الأقلية أو تلك، أن يدفع ببعض الأقليات الى التحالف مع قوى من خارج الوطن الذي تعيش فيه، الأمر الذي لا يصب في خدمة مصالح الأكثرية، وربما هذا ما يفسّر لنا ما يحدث اليوم في العالم العربي من تحالفات لأقليات من دول عربية مع دول وأنظمة معادية لبلادها.
إذاً أدبنا لا يمكنه أن يعيش فقط لسد حاجة ثقافة الأغلبية، فتعالوا نبني ثقافتنا وأدبنا وفننا بحيث يتناغم مع مصالحنا القومية والثقافية وليس لنثير إعجاب المثقفين الاسرائيليين وكسب اعترافهم بنا رغم أهميته، أو كرد فعل لمحاولة هيمنة ثقافة الأكثرية على ثقافتنا. فتعالوا نبني ثقافتنا ونرسخ أقدامها فوق خريطة الابداع العالمي، وذلك عن طريق تواصلها الاقليمي مع ثقافة العالم العربي.
أوافق على ما ورد في المقال من دعوة واضحة لتأكيد الخصوصيّة الثقافيّة والفنيّة، ولكن
دون الانغلاق والتقوقع بل مع الانفتاح على ثقافة الآخرين وفنّهم!
التلاقح والتواصل المتبادلان – بدون الشعور بالدونيّة – فيهما إثراء وخصوبة!