الممكن واللاممكن في جولة الإعادة لانتخابات الرئاسية المصرية

تابعنا المشهد السياسي المصري والجولة الأولى من انتخابات رئاسة الجمهورية بمزيج من المشاعر أقلها الفرحة الغامرة والغضب في آن واحد.. أما الفرح فلأن مصر الكنانة تخوض انتخابات حقيقية للبرلمان ولرئاسة الجمهورية منذ خمسة آلاف عام، وأما الغضب فبسبب هذه الحملة الشرسة وغير المسبوقة من الشارع العلماني على حزب الحرية والعدالة وحركة الإخوان المسلمين، خصوصا بعدما انتهت الجولة الأولى بوصول مرشح الحرية والعدالة الدكتور محمد مرسي وممثل فلول النظام السابق الفريق احمد شفيق، إلى جولة الإعادة….

افترضت ابتداء أن مفاوضات فورية ستبدأ بين مرشحي الثورة الذين لم يحالفهم الحظ في الجولة الأولى وعلى رأسهم حمدين صباحي والدكتور عبدالمنعم ابو الفتوح وآخرين من جهة، وممثل الثورة د. مرسي الذي شاءت الأقدار أن يظل في السباق منافسا قويا وعنيدا للفريق شفيق ممثل فلول النظام السابق من الجهة الأخرى….. سبب ذلك يتحدد في أن مصر بعد الجولة الأولى تقف ببساطة على مفترق طريق، أن تكون أو لا تكون… أن تمضي الثورة في تحقيق أهدافها مدعومة ومساندة بكل القوى الثورية ومنها الإخوان المسلمين، أو أن تعود لتسقط جثة هامدة في أيدي فلول مبارك والنظام القديم…..

أنا واع تماما أن القوى الثورية التي فشلت في الجولة الأولى قد خرجت من السباق بقدر كبير من الجراح المادية والمعنوية، وخصوصا المعنوية….. قد أفهم ذلك للوهلة الأولى، على اعتبار أن مرشحي القوى الثورية هذه كان يمكن أن يصل أحدها إلى جولة الإعادة لو أن الإخوان المسلمين ظلوا على رأيهم بعدم ترشيح واحد منهم لانتخابات الرئاسة السؤال المهم هنا، ماذا لو أن مرشحي قوى الثورة هؤلاء اتفقوا فيما بينهم على مرشح واحد في مواجهة مرشح الحرية والعدالة والذي هو أيضا محسوب بامتياز على قوى الثورة مهما ادعى المغرضون والحاقدون غير ذلك؟ لا شك أن النتيجة كان يمكن أن تكون منافسة بين هؤلاء المجتمعين ومرشح الإخوان… هذا منطقي على ضوء نتائج الجولة الأولى.. في هذه الحالة كان يمكن لهم التغلب في الجولة الثانية على مرشح الإخوان دون عناء..

لماذا لم يفعلوا ذلك أليس من المنطقي حسب هذا التحليل الذي لا أتبناه بالضرورة، تحميل هؤلاء الثوار مسؤولية فشلهم؟ فلماذا إذا يشنون كلهم أو بعضهم هذه الحملة الشرسة على الإخوان والحرية والعدالة ، حتى وصل بعضهم إلى التسوية الظالمة بين الدكتور مرسي والفريق شفيق، ناهيك عما تنضحه الفضائيات العلمانية المصرية من سموم من بئر بلا قرار, لا تدل على حرصٍ على مصر ومستقبلها، بقدر ما تدل على حقدٍ وكراهيةٍ للإخوان، وصلت حدا عند بعضهم وبعض المحللين والمحللات السياسيين العلمانيين، إلى الدعوة للتصويت لشفيق…

أحد هؤلاء الذي سمعته ورأيته بنفسي في احد البرامج الحوارية في إحدى الفضائيات المصرية، رئيس تحرير جريدة الوفد، وهو أيضا قيادي في حزب الوفد ( العريق !!!! )، حينما أجاب عن سؤال حول ما يتوقعه في حالة نجاح مرسي أو شفيق… قال: إن وصل شفيق إلى السلطة، سيكون هنالك هدوء نسبي، أما إذا وصل د. مرسي فلن يكون هنالك هدوء على الإطلاق !!!!!!!!!! هكذا بكل صفاقة لا تتفق مع منطق، كما لا تتفق مع مصلحة مصر العليا…

دعوتنا إلى توحد القوى الثورية مع مرشح الحرية والعدالة د. مرسي، وليس وراءه، كما جاء في مؤتمره الصحفي نهاية الأسبوع، والذي أكد فيها على مجموعة من المبادئ التي تضمن شراكة حقيقة بين الحرية والعدالة وباقي قوى الثورة وممثليها، ومن أهمها، المجلس الرئاسي، والحكومة الائتلافية ، والهيئة التأسيسية والدستور، هو مطلب حق نلبي فيه نداء الشهداء والجرحى وأغلبية الشعب المصري الذي تاق للحظة الخلاص الحقيقي بعد ثورة دفع فيها من دمائه وعرقه ومعاناته، ونحقق فيه التوازن والشراكة الحقيقية بين كل هذه القوى دعما لمصر وإعلاء لشأنها…

إنها ساعة الحقيقة… فهل ستتسامى القوى الثورية ومرشحوها للرئاسة ممن لم يحالفهم الحظ، على جراحهم وحظوظ نفوسهم، ليقدموا مصلحة مصر ويعبروا بها حقل الألغام القادم ( الجولة الثانية ) إلى بر الأمان، من خلال اتفاق الحد الأدنى الذي يضمن اجتماع كل القوى المصرية الحية مع الإخوان المسلمين تحت راية واحدة، راية مصر، وذلك تأمينا لها في المرحلة القادمة والتي تعتبر وبامتياز مرحلة فارقة في تاريخها، سيكون للنجاح فيها نتائج بعيدة المدى على نهضتها الحديثة…

لقد كان لقرار الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة خوض انتخابات الرئاسة وجاهتها، وجاءت نتائج الجولة الأولى لتثبت بما لا يدع مجالا للشك هذه الحقيقة، خصوصا في ظل شرذمة الصف الثوري والذي وصل عدد مرشحيه أكثر من عشرة… سيبقى هذا الموضوع شاغلا للمحللين لفترة طويلة بلا شك، كما سيظل مادة دسمة لنبش دكاترة العلوم السياسية لأمد طويل.. إلا أنه ما من شك عندي أن اجتماع الإخوان المسلمين والقوى الثورية الأخرى هو السبيل الوحيد لتدارك أخطاء الماضي، والبناء للمستقبل على قاعدة ذهبية الحاجة إليها اليوم أمَسُّ من أية فترة سابقة، ” تعالوا نلتقي حول ما اتفقنا عليه، وليعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه “….

مصر تحتاج الجميع، والإخوان المسلمون صادقون في دعوتهم للوحدة والشراكة الحقيقية على قدم المساواة ، وليس أبلغ في التدليل على ذلك ما قاله مرشح الرئاسة الدكتور محمد مرسي في لقاءيه المطولين مع الصحفي المرموق محمود سعد في فضائية ” الحياة “، واللقاء مع الصحفي البارز يسري فودة في فضائية ” أون تي في “، نهاية الأسبوع، حيث فتح الأبواب على مصاريعها لوحدة حقيقة تحلق بمصر إلى آفاق بعيدة تنهي وإلى الأبد ما تبقى من جيوب النظام السابق، وتبني على أنقاضه مصر الحديثة التي تحقق أهداف الثورة والثوار: كرامة، حرية وعدالة اجتماعية…

أما الدرس المستفاد من الجولة الأولى والذي يجب أن يظل نصب أعين الثوار وقياداتهم إخوانا وغير إخوان في الأيام القليلة القادمة، فيتحدد في التصدي أولا للحشد الطائفي الذي نجح فيه الفلول، وللحملات الإعلامية وحرب الشائعات والتي ركَّزت على التخويف من صعود الإسلاميين عامةً ثانيا، وللتربيط الفردي والحشد الجماعي الذي مارسه الفلول في الكثير من مناطق النفوذ الخاصة بهم، تحت غطاء الحرب الإعلامية الشرسة ضد التيار الإسلامي عامةً ثالثا،والتصدي لاستغلال الفلول لتشتت الأصوات بين المرشحين الثوريين بتنوع انتماءاتهم الأيدلوجية والسياسية الناتجة من حالة ضعف إدارة الخلاف بين فصائل الثورة رابعا، ولغياب المشروع الواحد الجامع لطموحات الثوار وآمالهم خامسا، والتصدي الجماعي والمنظم لكل محاولات التزوير التي سيمارسها ( شفيق ) وأعوانه ومؤيدوه من داخل الشعب المصري ومن داخل مؤسسات الدولة سادسا.. بهذا ، وبعد هذا، سنحتفل جميعا – بعون الله – بنصر الثورة والثوار في انتخابات الرئاسة المصرية القريبة.

بقلم الشيخ إبراهيم صرصور – رئيس حزب الوحدة العربية/الحركة الإسلامية