حاج من غير حج…

يستوقفني في المسجد كثيرا رجلا يطلق عليه الحاج “فلان” كُتبت له اكثر من ثلاثة حجات وأحد عشرة عمرة, ذو لحية يملئها البياض, متعطرا بعطر حجازي تفوح رائحته في كل زوايا المسجد, مرتديا دشداشة قصيرة يجلس في ركنته الخاصة, يمسك المصحف بكل هدوء, دنوت منه, وبعد ابتسامة ترحابية, جلست بجانبه, منتظرين أذان العشاء سوية بعد صلاة الفرض, وعندما أقيمت الصلاة, اغلق المصحف واضعا اصبعه على نهاية الأية وبحركة  ” «اكروباتية)) انتفض من مكانه متأهبا للصلاة!!!

ومن العجب …عرفت انه قاطع لرحمه فقد هيبته, رغم تعدد حجاته وعمراته واتقانه لواجبات الصلاة وحضوره الدائم في المسجد!! فقلت في نفسي ألم يعلم انه لو وصل رحمه كانت افضل من كل حجاته وعمراته!!!

اعزائي القراء, لكي لا يفهمني البعض بشكل خاطئ, إنني لا أقصد بأن أتهكم ولا أتهجم على الحجاج ولكن هذه ظاهرة تنتشر فينا, ولفت نظري مؤخرا ذلك القسم الذي تدعو به لجان الحج والعمرة المسجلين لفريضة الحج لاداء قسم الحج, وهو أن يضع الحاج المسجل لفريضة الحج, كفه اليمنى على المصحف الشريف ويقسم بانه لم يحج قبل هذه المرة, بربكم!!! هل هم مسافرون لاجازة استجمامية لاخر الاسبوع للشرم ام لايلات مثلا؟ الا يكفي ان يسأل الحاج بدون قسم ؟؟ هل نسيتم ان هؤلاء الحجاج, ذاهبون لمكة لتطهير أنفسهم من شوائب الاخلاق, فهناك “فلتر ” النفس وهناك تعظم شعائر الله في تلك البقعة الطاهرة، فكيف لذلك الحاج ان يكذب بقسمه وهو مسافر لمهوى أفئدة الأنام، فهم المؤمنون بقلوبهم ووجوهم أينما كانوا، وحيثما حلوا، فينزل الله عليهم سحائب رحمته، وفيض غفرانه وأمنه وكرمه… لذلك لا داعي للقسم لمن يعرف قيمة الحج !!

وعتابي الشديد ايضا على الحجاج والمعتمرين الذين سجلت لهم اكثر من حجة واحدة ويعتمر في كل عام, أليس كان من الابدى من باب ايتاح الفرصة لاخيك الحاج الجديد لأول مرة بقيام مناسك الحج بدلا منك؟ ان تزكي بمالك وتتبنى طالب جامعي او طالبة جامعية, ان تقدم مبلغ العمرة او الحج الى عائلة محتاجة, الى بيت يتيم, ان تهديه الى أرملة تعاني في تربية ابنائها, ان تسد دين اخ او قريب وتفرج له كرب, لشاب مقبل على الزواج, تجهز عروسا, ان تستر بيتا ان تطعم فقيرا, أن تشارك في بناء بيت من بيوت الله, مدرسة, ان تتبرع بحواسيب لمدرسة, ان تضع مكيفا لروضة.

ابواب الخير كثير ولن تسد, اخواني أليست الحسنة بعشر امثالها, افضل من مئه حجة ولكي اذكر نفسي والاخرين ان رسول البشر وسيد ألانام محمدا عليه الصلاة والسلام, لم يذكر انه تعددت حجاته لكنه اكتفى بحجة لمرة واحدة وسميت بحجة الوداع.

بقلم:-ربيع ملحم