صراعات الفصائل الفلسطينية
تاريخ النشر: 07/10/14 | 18:35من يراجع سجلات النضال الفلسطيني بكل تفاصيلها في مرحلتي ما قبل وما بعد العام 1948، يلاحظ بوضوح شديد، ان الوعي السياسي عند الشعب الفلسطيني كان دائماً أعلى وأشد صفاءً من الوعي السياسي عند قياداته. وأعتقد أن آخر هؤلاء القادة، الراحل ياسر عرفات، قد خرج في أيامه الأخيرة بهذه الحقيقة من دون تردد، وهي حقيقة تنتصب بكامل توهجها التاريخي، عند المقارنة بين تصرف الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وتصرف مختلف القيادات السياسية، في ما يتعلق بإدارة النضال، أثناء الاشتباك المسلح مع العدو الإسرائيلي، وبعد توقف إطلاق النار.
نذكر انه في احتدام المواجهة العنيفة في قطاع غزة، وبدء المفاوضات السياسية المواكبة في غزة، كان هناك إجماع لدى معظم بل ربما كل المحلليين، انه اذا لم يحقق الفلسطينيون في المواجهة مع اسرائيل، سوى وحدتهم السياسية المتجلية بأبهى وأكمل صورها في تكوين وتصرفات الوفد المفاوض في القاهرة، فقد يكون ذلك إنجازاً كافياً لمعركة غزة.
لكن هذا الحلم الجميل لم يستمر ويصمد لأكثر من بدء مرحلة هدوء إطلاق النار، والدخول في مرحلة قطف الثمار السياسية، من كلا الجانبين المتواجهين.
ومع ان النصر في هذه اللحظات لم يتجاوز مرحلته المعنوية، من خلال صمود شعب غزة برغم فداحة عدد الشهداء والجرحى، وفداحة الدمار، وقبل ان نتحول من مرحلة النصر المعنوي، الى مرحلة النصر المادي، سرعان ما انفرطت وحدة الوفد الفلسطيني، وتراجع من وفد وطني جامع يمثل قضية فلسطين بأرقى وأبهى تجلياتها، الى مجموعة متنافرة تضم شتات الفصائل الفلسطينية، في تناحرها الحزبي، العائد لانتمائها الحزبي الضيق، أكثر بكثير من انتمائها الى رحاب القضية الوطنية العليا.
هل تبدو صعبة أو مستحيلة الى هذه الدرجة مسألة الاهتداء الى الإستراتيجية الوطنية الموحدة للنضال الفلسطيني التي يمكن ان تتوحد في اطارها كل فصائل النضال الفلسطيني، أم أنه قد كتب على هذا الشعب المعذب والمناضل، والقابض على قضيته كالقابض على الجمر منذ قرن ونيف، ان يظل الصراع مفتوحاً، ليس بيننا وبين العدو التاريخي، بل بين نظرية المقاومة المسلحة تحت مظلة الانتماء الاخواني، او المفاوضات التي لا آخر لها تحت مظلة «اتفاقية اوسلو»؟.
هل نسي الأخوة المناضلون في كل الفصائل، ان قضية فيتنام لم تجد حلاً نهائياً لها الا بالمفاوضات، على بحر من دماء المواجهة المسلحة مع العدو الأميركي؟
ولماذا نذهب بعيدا؟ هل نسي الأخوة المناضلون من شتى الفصائل الفلسطينية، ان الجزائر لم تنتزع عروبتها من براثن الاستعمار الفرنسي الا في مفاوضات ايفيان، لكنها مفاوضات مبنية على مواجهة دفع الشعب الجزائري ثمنها مليوناً ونصف مليون شهيد؟
لنأخذ نضال شعب فلسطين في غزة مثالا اخيرا يجسد كل النضالات التاريخية لشعب فلسطين، هل هو صعب الى درجة الاستحالة ارتفاع كل الفصائل الفلسطينية الى مستوى اداء شعب فلسطين في معركة غزة الاخيرة؟
بقلم الياس سحّاب – السفير