الإسلاموفوبيا.. وتحديات التعددية
تاريخ النشر: 05/06/12 | 5:24بقلم صفات سلامة
من بين الظواهر التي ازدادت حدتها في الآونة الأخيرة في الغرب، والتي أصبحت تتطلب حملات واستراتيجيات إعلامية عالمية ضخمة منظمة وفعالة وقوية لمحاربتها، لمواجهة الجماعات والحملات والخطابات المعادية للإسلام والمسلمين وتعزيز الصورة الإيجابية للإسلام والمسلمين، وكذلك وضع الحلول والمقترحات الفعالة بشأن المشكلات والتحديات التي يواجهها المسلمون في الغرب.
وحول ظاهرة الإسلاموفوبيا، صدر حديثا كتاب مهم بعنوان «الإسلاموفوبيا وتحديات التعددية في القرن الحادي والعشرين»، عن مطبعة جامعة أكسفورد، ومن تحرير كل من الدكتور جون إسبوسيتو، والدكتور إبراهيم كالين، ومن تقديم الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلي، الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، ويتناول الكتاب، بمجموعة من الدراسات والبحوث، النمو الخطير والمتزايد للإسلاموفوبيا كظاهرة اجتماعية وثقافية وسياسية في أوروبا وأميركا، حيث يحلل ويناقش مجموعة من الخبراء من أوروبا وأميركا، مكانة ووضع الإسلام والمسلمين في الغرب، والأسباب التي أدت إلى هذا التزايد المزعج للإسلاموفوبيا وتأثيرها على السياسة الداخلية والخارجية، كما يتناول دور وسائل الإعلام في هذه القضية.
يقول المحرران في مقدمتهما للكتاب بأن، الإسلاموفوبيا لم تظهر فجأة، وبخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، بل إنها ظاهرة لها جذور تاريخية عميقة وممتدة، ولقد ساعد على ظهورها مرة أخرى وبشدة على السطح مجموعة من العوامل منها:
التدفق الملحوظ للمهاجرين من المسلمين إلى الغرب، وعمليات اختطاف الطائرات واحتجاز الرهائن، والعمليات الإرهابية في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، والهجمات ضد برجي التجارة العالميين ومبنى البنتاغون في الحادي عشر من سبتمبر 2001. وما تبع ذلك من هجمات إرهابية متكررة في جميع أنحاء العالم، كان أشهرها تفجيرات لندن عام 2005، ومدريد عام 2004.
ويقع الكتاب في 236 صفحة من القطع المتوسط، ويضم ثلاثة أجزاء، مقسمة إلى 11 فصلا، بالإضافة إلى المقدمة والتقديم، والجزء الأول منه، يقدم خلفية تاريخية وفكرية عن الإسلاموفوبيا وعلاقتها بالتعددية الثقافية في الغرب، كما يناقش وضع الإسلاموفوبيا من خلال رسم مقارنة بين ظاهرة الإسلاموفوبيا في أوروبا والولايات المتحدة، أما الجزء الثاني فيعرض نماذج لدراسات حالة عن الإسلاموفوبيا في هولندا وبريطانيا وأميركا، بينما يتناول الجزء الثالث المظاهر المختلفة والمتعددة للإسلاموفوبيا.
ويقول الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلي، في تقديمه للكتاب بأنه «رغم تعدد أشكال الحكومات وتوجهاتها في العالم الإسلامي، فإن تعاليم الإسلام تشكل بصفة عامة القاعدة الأساسية للأخلاق التي ترشد المسلمين في جميع ممارسات حياتهم اليومية عبر تاريخ الحضارة الإسلامية، وهذه التعاليم تشمل الشرف والفضيلة وكمال الأخلاق والورع والتقوى والمساواة والعدل والرحمة والكرامة الإنسانية».
ويؤكد الدكتور أوغلي على أن الإسلام والمسيحية يشتركان في الإيمان بوحدانية الله، وكذلك في التعاليم الأساسية ولكن رغم هذا التقارب وحقيقة أن تاريخ الإسلام والمسيحية يرتبطان بشكل كبير، الأمر الذي يدعو لوجود أسباب ملحة للعيش والتعايش والتعاون معا، فإن تاريخ العالم الإسلامي والغربي قد وصفه الكثير من المؤرخين بالعدائية المتبادلة، الأمر الذي يساعد على توطيد عادات من عدم الثقة والكراهية.
ويشير أوغلي إلى أن الدين له دور مباشر في هذه الكراهية. وتطرق إحسان أوغلي في تقديمه للكتاب إلى موقف الإسلام من اليهودية والمسيحية، حيث أوضح أن الإسلام اعترف بهما كديانتين سماويتين، بل وبالإنجيل والتوراة ووصف معتنقيهما بـ« أهل الكتاب»، ولا ينظر لهما على أنهما الآخر، بل إنهما ديانتان أرسلهما الله عز وجل، وهذه المكانة الشرعية ليست سياسية أو اجتماعية ثقافية أو حضارية، ولكن دينية. وأشار أوغلي إلى أن المسلمين ملتزمون دائما بالتعددية وبالتسامح، فقد ضرب المسلمون أروع الأمثلة، وكان لهم دور رائد في اكتساب المعرفة واستخدامها في ميادين متعددة، ومشاركتها مع الحضارات الأخرى، وتحت العهود الطويلة للحكم الإسلامي كان غير المسلمين يمارسون دينهم بكل حرية، كما كان يتم صيانة أماكن عبادتهم ومؤسساتهم الدينية من الأموال العامة وظلت حقوقهم الشخصية مصانة ومحترمة.
وتؤكد الدكتورة جوسلين سيزاري، في دراستها بعنوان «الإسلاموفوبيا في الغرب: مقارنة بين أوروبا والولايات المتحدة»، على أهمية وجود تعريف دقيق لمصطلح الإسلاموفوبيا، فالمصطلح يمكن أن يكون مضللا، لأنه يفترض تمييزا وعمومية التمييز الديني، في حين أن هناك أشكالا أخرى من التمييز، مثل التمييز العنصري والطبقي، والخوف من الغريب، ومشاعر الكراهية تجاه المهاجرين، والتي قد تكون ذات صلة.
فمثلا معظم التمييز أو التهميش الذي يتعرض له المسلمون في أوروبا، يرجع في الأساس إلى مكانتهم الاجتماعية والاقتصادية أكثر منه إلى عقيدتهم الدينية. وتشير سيزاري، المتخصصة في السياسة والإسلام في أوروبا وأميركا وتقوم بالتدريس في كلية اللاهوت بجامعة هارفارد الأميركية، إلى أنه من الصعب تحديد الإسلاموفوبيا في أوروبا عنه في أميركا، ذلك لأن مسلمي أوروبا الذين هم في غالبيتهم من العمال المهاجرين، مهمشون اجتماعيا واقتصاديا بالمقارنة بالمسلمين في أميركا الذين هم أكثر اندماجا اقتصاديا واجتماعيا.
كما ترى سيزاري أن الإعلام لا يعبر عن خوفه من الإسلام بشكل علني، ولكن ترى أن القصص الخبرية المثيرة تخلط ما بين الإسلام المحلي والإسلام الخارجي، الأمر الذي يعني أن جميع السكان من المهاجرين من الأصوليين، هذا بالإضافة إلى التصريحات والانتقادات الخطيرة من جانب بعض مشاهير المفكرين تجاه الإسلام، والتي تخلط بين الدين الإسلامي وأفعال أقلية صغيرة من المتطرفين والإرهابيين المسلمين، مما يشجع على تزايد الإسلاموفوبيا. وتوصلت سيزاري إلى نتيجة مفادها أن سياسات الثقافة المتعددة لا تشجع على التعددية والمساواة، مما يستوجب إعادة تقييمها، بحيث تتضمن القيم الثقافية للأقليات، وخاصة المسلمة منها.
وفي نفس الإطار، يشير الدكتور سام (أسامة) شريبي المحاضر بقسم الاجتماع بجامعة إموري في أتلانتا بولاية جورجيا الأميركية، في دراسته بعنوان «هاجس تجدد: الإسلاموفوبيا في هولندا والنمسا وألمانيا»، بأن الإعلام الهولندي ساعد كثيرا على نمو الإسلاموفوبيا في النمسا وألمانيا منذ عام 2000.
كما يؤكد على أن السياسيين الذين كانوا يسترشدون بتقارير وسائل الإعلام عبر أوروبا حول الهجرة وعجز المسلمين على الاندماج في المجتمع الأوروبي، قد ساعد في شعبية الأحزاب اليمينية المتطرفة، وبالتالي أدى ذلك إلى إضفاء الطابع المؤسسي على ظاهرة عدم الثقة بالمسلمين.
وفي دراسة بالكتاب، بعنوان «خطاب الخوف من الإسلام الذي يتنكر في الفن والأدب: مكافحة الأسطورة من خلال التعليم التدريجي»، للدكتور أنس الشيخ علي، رئيس جمعية علماء الاجتماعيات المسلمين في بريطانيا، ومدير المعهد العالمي للفكر الإسلامي في لندن، يطرح فيها سؤالا مهما، وهو: «ما هي علاقة قصيدة شعرية عمرها مائة عام بقضايا اليوم مثل التماسك الاجتماعي والأمن والمواطنة والديمقراطية؟»، والإجابة، خاصة إذا تعلق الأمر بالإسلاموفوبيا، هي وبشكل مدهش، أن هناك قدرا كبيرا من العلاقة، ذلك إذا فهمنا مدى قوة الثقافة في تشكيل الرأي العام وترسيخ المعتقدات الخاطئة والأساطير التي ترتبط بالشعوب والأديان والثقافات.
ويشير الدكتور أنس إلى أنه رغم الظهور الحديث نسبيا لمصطلح الإسلاموفوبيا، فإن الحقائق التي يشير إليها هذا المصطلح قد تم تداولها لعصور طويلة في الكثير من الثقافات الأوروبية، لقد استخدم الأدب والفن في عصور الإمبراطورية والاستعمار بشكل مكثف لرسم وتشكيل صورة الإسلام والمسلمين، واليوم تعتبر الإسلاموفوبيا علامة مميزة لغالبية الأعمال الأدبية والتي ابتكرت بغرض بث بذور سوء الفهم، أكثر منه زرع بذور العدائية وعدم القبول، ولأن الأدب القديم والحديث يستمر في رسم صورة سلبية عن الإسلام والمسلمين وعرض المجتمعات المسلمة في الغرب على أنها العدو بالداخل فإنها تدرب المواطنين الأوروبيين على أن ينظروا إلى جيرانهم الـ71 مليون من سكان تركيا على أنهم أعداء محتملون.
ويتساءل الدكتور أنس: «ما هو الحل لهذا الخوف الذي يرى أن صراع الحضارات أمر ممكن حدوثه، إن لم يكن حتميا في المستقبل؟» ويؤكد على أن «التعليم التدريجي الذي يتبنى قيم التعددية الثقافية الحقيقية والتعايش والتنمية البشرية هو الطريق الوحيد للتقدم إلى الأمام. لهذا يجب على الأفراد أن يكونوا أكثر ذكاء ووضوحا في تفسيراتهم وتحليلاتهم لما يرونه ويدور حولهم من أمور، وألا يجعلوا من أنفسهم فرائس سهلة للأشخاص الذين يجيدون فن التحايل واستغلال الآخرين».
كما يؤكد الدكتور إحسان أوغلي، في تقديمه للكتاب، على أن السبب الرئيسي لتنامي الكراهية وعدم التسامح تجاه الإسلام والمسلمين في مناطق كثيرة من العالم، يرجع إلى الجهل- إذا جاز التعبير- أو القصور في الفهم الصحيح للدين الإسلامي وتعاليمه السمحة، والمتمثل في عدم قدرة البعض على التمييز بين الإسلام العام وعامة المسلمين، وبين أقوال وأفعال المتطرفين. وفي محاولة لمواجهة التهديدات التي تؤثر سلبا على العلاقات بين الإسلام والغرب، دعا أوغلي إلى «مصالحة حقيقية تاريخية بين الإسلام والمسيحية»، والتي ستكون ركيزة لبداية حقبة جديدة في تاريخ وحضارة البشرية، ويجب أن تتبنى هذه المصالحة عقلية ترتكز على احترام كل إنسان وتشجيع مفهوم التعددية.