كلمة د. الطيبي في تأبين الشاعر سميح القاسم
تاريخ النشر: 11/10/14 | 12:08أقيم في قرية الرامة الجليلية حفل تأبين لشاعر العروبة والمقاومة سميح القاسم وذلك بمشاركة قيادات وطنية واجتماعية وتمثيل رسمي عن رئيس دولة فلسطين محمود عباس، وعائلة الفقيد وأصدقائه ورفاق دربه.
وألقى الدكتور أحمد الطيبي، رئيس الحركة العربية للتغيير، كلمة مميزة في تأبين الشاعر سميح القاسم قال فيها:
سميح القاسم.. صوتُ قَلبِ البلادْ
السلامُ عليكَ الآنْ.. وَأَنتَ الفارسُ الذيْ تَرَجَّلَ مُعافَىْ فِي الُّلجَّةِ البيضاءْ.. حاملاً نَكباتِ شَعبِكَ لِلقيامةْ.. أَيُّها السَّميحُ عَقلُكَ القاسِمُ عَلىْ ذَاتِكَ/الوطنْ.. الذيْ صِرْتَهُ فَصارَ اسمُكَ مَقروناً بهِ كَظِلِّهْ.
رَحَلْتَ لأَنَّ قَلبَكَ حَملَ مَا لا طَاقَةَ لَهُ بِهْ.. حَمَلْتَ بهِ البلادَ طِوالَ عُمرِكْ.. فَهَا هِيَ البلادُ تَحْمِلُكَ البَقِيَّةْ.. وَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلىْ الكلِمةِ الحُرَّةِ التيْ سَطَّرْتَهَا مَعَ العُظماءْ.. تَوفيقْ زَيَّادْ وَمحمودْ دَرويشْ.. مِن قَلبِ البِلادِ عَلىْ شاطِئِ المُتَوسِطْ.. فَخَلَّدْتُّمْ بِهَا شَعبَكُمْ.. إِسماً وَفِعلاً فِي الثَّقافَةِ الكَونِيَّةْ.
قالَ الشاعرُ الرَّاحِلُ قَبلَكَ عَبد اللطيفْ عَقلْ:
“هُوَ الشِّعرُ.. لَمَّا يُناضِلُ يَزْهُوْ.. وَلَمَّا يُداهِنُ يِكْبُوْ.. وَلَمَّا يُنافِقُ أَقسىْ مِنَ الطَّعنِ فِي الخَاصِرَةْ”.. أَقُولُهَا الآنَ فِي حَضرَتِكَ وَأَنتَ الحَاضِرُ فِي الغِيابْ.. أَنتَ صَاحِبُ شِعرٍ نَاضَلَ فَزَهَىْ وَعَاشْ.. وَسَتَبقَىْ فِينَا قَصيدَتُكَ التيْ لا تَموتْ.. أَيُّهَا العَارِفُ البَنَّاءْ.. الذيْ شَيَّدَ مَعرِفَتَهُ بَينَ سُؤالَينْ: سُؤَالُ الوَطَنِ وَسُؤالُ الهُوُيَّةْ.. وَبَنَىْ بَينَهُمَا مَا يَكفِيْ لِيُمِيطَ الِّلثامَ عَنْ مَسأَلَةِ الهُوُيَّةِ فِي الوَطَنِ المُشْتَهَىْ.. مُتَجاوِزاً فِعْلَ الطَّمسِ وَالمَحْوِ وَالإِلغاءْ.. وَمُبْطِلاً فَاعِلِيَّتَهْ.
شاعر ناضل ولم يلين، لم يخضع لسلطان او حاكم في زمن الهبوط الرديء الذي باع فيه المثقف نفسه بأبخس الاثمان هنا وهناك.
نعم، هناك من يدفع ثمن مواقفه وهناك من يقبض ثمن مواقفه.
قَالَ شَاعِرُنا الكَوْنِيّْ مَحمودْ دَرويشْ:
هَلْ نَحْنُ جِلْدُ الأَرْضْ؟.. عَمَّنْ تَبحَثِ الكَلِماتُ فِينَا.. وَهِيَ التيْ عَقَدَتْ لَنَا فِي العالَمِ السُّفْلَيِّ مَحكَمَةَ البَصيرَةْ.. كُنَّا إِذْ نَعُضُّ الصَّخْرَ نَفتَحُ حَيِّزاً لِلْفُلّْ.. لَكِنَّنَا لَمْ نُعْلِ تِينَتَنَا لِيَشْنُقَنَا عَليها القَادمُونَ مِنَ الجَنَوبْ.
الآنَ فِي الصَّخْرِ تَحتَكَ تَفْتَحُ حَيِّزاً لِلْفُلِّ يَا سَميحْ.. فَيَفوحُ عِطْرُكَ مِنهُ وَأَنتَ تَعُضُّ الصَّخْرَ تَحتَكْ.. وَتزرَعَ زيتونَةَ الحَياةْ.. فَنَنْسِجُ مِمَّا تَرَكْتَهُ مِنْ أَثَرِكَ فِي الكِتابَةْ.. مَقُولَةً لَمْ تَكُنْ قُلْتَهَا مِن قَبْلْ.. نَنْثُرُهَا عَلىْ ضَرِيحِكَ لِتَعْلَمَ أَنَّنَا عَلىْ الدَّربِ وَالعَهْدِ وَالوَعْدْ:
وَيَكونُ أَنْ تَأتِيْ يَا طَائِرَ الرَّعْدِ لا أَنْ تَروحْ.. نَعَمْ تَأَتِيْ فِي “مَواكِبِ الشَّمسْ”.. وَفِي “أَغانِي الدُّروبْ”.. وَتَقولَ عِندَ “سُقوطِ الأَقنِعَةْ”: “دَمِيْ عَلىْ كَفِّيْ”.. وَتَخْرُجَ مِن “دُخانِ البَراكينْ”.. تَستَنْشِقَ “ثَالِثَ أُكسيدِ الكَربونْ”.. وَتَقرأَ لَنَا مِنْ “المَوتِ الكَبيرْ”.. “قُرآنَ المَوتِ واليَاسَمِينْ”.. فَتُصْبِحَ “الصُّورَةَ الأَخيرةَ فِي الأُلبومْ”.. وَنَرىْ “الجَانبَ المُعتِمَ مِنَ التُّفَّاحَةْ، الجَانِبَ المُضيءْ مِنَ القَلبْ”..
وَأَنتَ تُنهِيْ “مُكالَمَةَ شَخصيَّةً جِدَّاً مَعَ مَحمودْ دَرويشْ”.. وَتَمْشِيْ مُنتَصِبَ القَامَةِ عَلىْ عَادَتِكْ.. وَتُنْشِدَ بِنَا تَقَدَّمُوا تَقَدَّمُوا.
شَاعِرِيَّتُكَ التيْ قَدَّمَتْهَا إِنْسَانِيَّتُكْ.. كَانَتْ مَحَطَةًّ مُهِمَّةً فِي تَارِيخِنَا.. بَنَتْ عَلَىْ مَا قَبْلَهَا.. وَعَبَّدَتِ الطَّريْقَ لِمَا بَعْدَهَا.. لَيْسَ فِي الشِّعرِ فَحَسبْ.. بَلْ فِي الحَياةِ بِكُلِّ صُنُوفِهَا.. فَنَمْ قَريرَ العَينِ يَا رَعدَ القَصيدَةْ.
عَليكَ السَّلامُ حَتَّى تَرضَىْ.. وَقبلَ أَنْ تَرضَىْ.. وَبَعْدَهَا
سَلامٌ عَلىْ رُوحِكَ.. سَلامٌ عَليكْ
سميح يا حبيب الشمس، يا موال فلسطين
وداعا !