خطبة الجمعة من كفرقرع بعنوان ‘‘خلْقِ الله عز وجل وعظمة الخالق‘‘
تاريخ النشر: 03/01/11 | 3:13بحضور حشد غفير من أهالي كفرقرع والمنطقة، أقيمت شعائر خُطبة وصلاة الجمعة، من مسجد عُمر بن الخطاب في كفرقرع الموافق 3 محرم 1432هـ، حيث كان خطيب هذا اليوم فضيلة الشيخ أ.عبد الكريم مصري “أبو أحمد”، رئيس الحركة الإسلامية في كفرقرع، وكان موضوع الخطبة لهذا اليوم المبارك، ‘‘خلْقِ الله عز وجل وعظمة الخالق‘‘ أإله مع الله،هذا وأم في جموع المصلين، فضيلة الشيخ صابر زرعيني “أبو الحسن”، إمام مسجد عمر بن الخطاب.
ومما جاء في خطبة الشيخ لهذا اليوم المبارك:” الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنـا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ولا شريك له، إقراراً بربوبيته وإرغامـاً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته، ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وأرِنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممــــن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
وأردف الشيخ قائلاً:” أيها الإخوة المؤمنون: يقول الله في الحديث القدسي: ((عبدي خلقت لك السماوات، والأرض ولم أعي بخلقهن، أفيعييني رغيف أسوقه لك كل حين، وعزتي وجلالي إن لم ترض بما قسمته لك، فلأسلطن عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحش في البرية ثم لا ينالك منها إلى ما قسمته لك ولا أبالي))..”.
أيها الإخوة الأكارم: الله سبحانه وتعالى في سورة النمل، وبدءاً من الآية التاسعة والخمسين يقول: ((قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ)) يعني هنا سؤال، أيصح أن يقارن بين مخلوق ضعيف عاجزٍ، لئيمٍ، وبين خالقٍ، قادرٍ، غنيٍ، كريم. أالله خير أما يشركون.
المؤمن الذي استقام على أمر الله في سلام، والسلام اسم من أسماء الله سبحانه وتعالى فالذين يتبعون ما أنزل إليهم يهديهم سبل السلام ((وسلام على عباده الذين اصطفى. ألله خير أما يشركون))، ((أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)) هذا الذي خلق السماوات والأرض وكلمة السماوات تعني؛ الكون ما سوى الأرض أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً. الإنسان حينما يقنِّن، يقنن عن عجزٍ، لكن الإله جل في علاه حينما يقنن، يقنن عن تأديب، تقنينه، تقنين تأديب، قال تعالى: ((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ))؛ ((وَأَلَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً))؛ ((وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ))، تقنينه، تقنين تأديب، يضيق على الخلق حتى ييأسوا:((وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ))، الأشجار كادت تموت عطشاً والمزارع كادت تهلك عطشاً، والآبار جفت، والأنهار جفت، من بعد ما قنطوا.
قال تعالى: ((أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ أمن خلق السماوات والأرض))، وأنزل، هو لكم من السماء ماءً لم يقل فأنبت، قال: فأنبتنا، لأن أحداً في الأرض لا يستطيع أن يدعي أنه ينزل من السماء ماءً. أية جهة من الأرض مهما علا شأنها، مهما قويت، مهما تفوقت لا تستطيع أن تتخذ قراراً بإنزال الماء من السماء إن أحداً في الأرض لا يستطيع أن يدعي ذلك، لكن معظم الناس يتوهمون أنهم يزرعون، وأن مزرعتهم أنتجت كذا، وكذا، دفعاً لهذا التوهم، ودفعاً لهذا الشرك يقول الله عز وجل: فأنبتنا. نحن الذين أنبتنا. فأنبتنا به حدائق ذات بهجة. منظرها يبعث البهجة في القلوب وثمارها تبعث القوت في الأجسام، حدائق ذات بهجة. ما كان لكم أن تنبتوا شجرها، ما كان لكم أن يستحيل عليكم أن تستطيعوا أن تنبتوا بذرة واحدة، لأن الله فالق الحب والنوى الله وحده، والزارع إنما يزرع الحب، وكفى، والله سبحانه وتعالى ينبتها، ((فأنبتنا به حدائق ذات بهجة، ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله)) هل الذي تزعمون من دون الله أرباباً، هل يستطيعون إنزال الأمطار، وإنبات النباتات؟ أإله مع الله. أمع الله إله آخر ينزل عليكم من السماء ماءً من بعد اليأس، والقنوت، أإله غير الله ينبت لكم هذه الأشجار، ((أإله مع الله بل هم قوم يعدلون))، هؤلاء الشركاء يعدلونهم مع الله.((أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أإله مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ))،آية ثانية: ((أمن جعل الأرض قراراً. مستقرة، جعلكم تستقرون فيها لتوافر كل حاجاتكم فيها. أمن جعل الأرض قرارا، وجعل خلالها أنهارا))، ((وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ))، من جعل هذه المياه العذبة عذبةً من قطرها؟ يقولون: إن وحدات التصفية على سواحل البحار تكلف أموالاً طائلة، تكلفة تقطيره، وتحليته..”.
وتابع الشيخ حديثه بالقول:” من جعل هذا الماء عذباً فراتاً، وذاك ملحاً أجاجاً؟، ((أمن جعل الأرض قرارا، وجعل خلالها أنهارا، وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزاً))؛ أإله مع الله، إله آخر، أين هو هذا الإله الآخر الذي أرسى هذه الجبال الشامخات، وأودع فيها تلك المعادن التي نحتاج إليها، وجعل جوفها مستودعاً للمياه العذبة، وفجر من خلالها الأنهار حيث الحياة، لا حياة بلا ماء، أإله مع الله. من جعل هذه الأرض مستقرة؟ من جعلكم تستقرون فيها؟ أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون. ((أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أإله مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ)). أمن يجيب المضطر إذا دعاه. حينما تنقطع الأسباب كلها، يلجأ المضطر إلى الله سبحانه وتعالى، يلجأ إليه، فيكشف ما به، أي إله يسمعك غير الله، هل من إله غير الله يسمعك، ويستجيب لك، ويكشف عنك الضر؟ أمن يجيب المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء، ويجعلكم خلفاء الأرض، يخلف بعضكم بعضاً. في البيوت، في المتاجر، في البساتين، في البلاد، أناس يذهبون، وأناس يولدون، هذا خلف لهذا وهذا سلف لهذا، هذه آية من آيات الله سبحانه وتعالى، أإله مع الله قليلاً ما تذكرون.((أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر. ومن يرسل الرياح بشرى بين يدي رحمته. أإله مع الله تعالى عما يشركون))، ((أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر. ومن يرسل الرياح بشرى بين يدي رحمته. أإله مع الله تعالى عما يشركون))، من الذي جعل النجوم علامات نهتدي بها؟ وعلامات وبالنجم هم يهتدون. لكل فاكهة جعل لها علامة نضجٍ لها، تقطفها عند ظهور هذه العلامة، لولا هذه العلامة لما استفدت منها، لما أكلتها، لما نقبت عنها وعلاماتٍ. الله سبحانه وتعالى يقول: ((أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح))، هذه رياح، والريح شيءٌ آخر، روي أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا هبت الرياح، قال: ((اللهم اجعلها رياحاً، ولا تجعلها ريحاً. لأن الرياح تسوق الغيم، وأما الريح فتدمر كل شيء أإله مع الله تعالى عما يشركون))؛ ((أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ))،((أمن يبدأ الخلق ثم يعيده)). يعيده ليعطي كل ذي حقٍ حقه، ليوفي كل إنسان عمله. ((أمن يبدأ الخلق ثم يعيده. ومن يرزقكم من السماء والأرض)) الأرض أودع فيها الكائنات الدقيقة، أودع فيها المعادن، أودع فيها العناصر، والرزق من السماء أيضاً بهذا الماء، وتلك الغازات المنحلة في الماء((ويرزقكم من السماء والأرض. أإله مع الله. قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين))..”.
وأضاف الشيخ أيضاً:” أيها الإخوة المؤمنون: هذه مناقشة، مناقشة يضعها الله بين أيدينا، يعني؛ هؤلاء الذين تعبدونهم من دون الله لا يستطيعون خلق السماوات والأرض، ولا يستطيعون إنزال المطر من السماء، ولا يستطيعون إنبات الأشجار والمزروعات، ولا يستطيعون أن يجعلوا هذه الأرض قراراً لكم، ولا يستطيعون أن يحجزوا بين البحرين العذب والمالح، ولا يستطيعون أن يجيبوا المضطر إذا دعاهم، ولا يستطيعون أن يجعلوكم خلفاء في الأرض، ولا يستطيعون أن يهدوكم في ظلمات البر والبحر، ولا يستطيعون تحريك الرياح، ولا سوق السحاب، ولا إنزال الأمطار، ولا يستطيعون أن يرزقوكم، لا من الأرض، ولا من السماء، أإله مع الله من الإله الواحد القهار؟ الله سبحانه وتعالى، أيحق للإنسان أن يعبد سواه، أن يتخذ إلهاً غيره، أن يتخذ إلهه هواه.أفنعبد غيره؟. أنخشى سواه؟ أنرجو غيره؟..”.
أيها الإخوة المؤمنون: القرآن الكريم ذكر آياتٍ كثيرةً دالةً على عظمة الله، لم يذكرها عبثاً، إنما ذكرها كي نتأمل فيها، كي نفكر فيها، كي نتوصل من خلالها إلى عظمة الله سبحانه وتعالى، كي تكون دليلاً لنا على عظمة الله ((إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)).
أوسع بابٍ تدخل منه إلى الله باب الكون، تفكر ساعة كما قال عليه الصلاة والسلام:((تفكر ساعة خير من عبادة ستين عاماً))، وإنما يخشى الله من عباده العلماء. ((إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ))، ((الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ))؛((فلينظر الإنسان إلى طعامه)) آيات تأمرنا بالتفكر.
وقال الشيخ:” أيها الإخوة المؤمنون: ولكن ما الذي يحول بيننا وبين معرفة الله، ما الذي يقف أمامنا عقبة كؤود، ما الذي يحجبنا عن معرفة الله، ما الذي يحجبنا عن هذه الرؤية الصحيحة؟ إنها الدنيا، إنه حب الدنيا، قال عليه الصلاة والسلام: ((حب الدنيا رأس كل خطيئة))، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ((ما لي وللدنيا ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها))، هذه الدنيا، راكبٌ مسافر، رأى شجرة استظل تحتها إلى حين يسير، ثم سار وتركها..”.
تروي الكتب أن يهودياً، فقيراً، تعيساً، شقياً، ذا ثيابٍ رثة، عليه أطمارٌ بالية، رأى رجلاً صالحاً يركب فرساً، ويرتدي ثياباً تبدو عليه النعم، فقال يا هذا: كيف يقول نبيكم: ((الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر))، فأية جنة أنا فيها، وأي سجنٍ أنا فيه. فقال هذا الرجل الصالح: يا هذا لو قست حالتك التي تشكو منها بما ينتظرك من عذاب، فأنت في جنة ولو قست حالتي التي أنا فيها، وما ينتظرني من نعيم، فأنا في سجن لأن الخروج من الدنيا إلى الآخرة، كالخروج من الرحم إلى الدنيا حينما ينتقل المؤمن إلى الدار الآخرة، ينتقل من ضيق الدنيا إلى سعتها كما ينتقل الجنين من ضيق الرحم إلى سعة الدنيا، فإن الله يقول: ((فإني قد أوحيت للدنيا، أن تمرري، وتكدري، وتضيقي، وتشددي على أوليائي، كي يحبوا لقائي، فإني خلقتها سجناً لأوليائي، وجنة لأعدائي))، ومن آثر دنياه على آخرته خسرهما معاً، ومن آثر آخرته على دنياه ربحهما معاً. والدنيا حلوة، كما قال عليه الصلاة والسلام: ((خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء))؛ النساء كما قال عليه الصلاة والسلام: ((حبائل الشيطان))،((ما من يوم ينشق فجره، إلا ومنادٍ ينادي: يا ابن آدم أنا خلقٌ جديد وعلى عملك شهيد، فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة))، يعني إذا استيقظ أحدنا صباحاً مع طلوع الفجر يجب أن يسمع هذا النداء: يا ابن آدم أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد، فتزود مني، فإني لا أعود إلى يوم القيامة.
الإنسان بين خمسة أيام، يومٍ مفقود، ويومٍ مشهود، ويومٍ موعود ويومٍ مورود، ويومٍ ممدود، فاليوم المفقود؛ هو التاريخ، هو الماضي ما مضى، مضى، ما مضى فات، والمؤمل غيب، ولك الساعة التي أنت فيها، أيها الإخوة الأكارم، لا تملكون إلا هذه الساعة، الساعة التي مضت، مضت، ولا سبيل إلى إسترجاعها، والساعة التي تأتي قد لا تأتي، قد تأتي، ونحن تحت أطباق الثرى، قد تأتي، ونحن في حالة لا نملك فيها شيئاً، ما مضى فات، والمؤمل غيب، ولك الساعة التي أنت فيها، فاليوم المفقود هو ما مضى، واليوم المشهود، هو هذه الساعة التي نحن فيها، واليوم الموعود ساعة الموت، واليوم المورود يوم القيامة، واليوم الممدود إما في جنة يطول نعيمها، وإما في نارٍ لا ينفد، والنبي عليه الصلاة والسلام نهانا عن سب الدنيا، فقال: ((لا تسبوا الدنيا، فنعم مطية المؤمن، عليها يبلغ الخير، وعليها ينجو من الشر))..”.
وتابع الشيخ حديثه بالقول:” أيها الإخوة المؤمنون: الخليفة سليمان بن عبد الملك حجَّ في بعض الأعوام، فالتقى بعالم كبير، هو أبو حازم، التقى به، وسأله بضعة أسئلة، قال يا أبا حازم: لماذا نكره الموت؟ فقال أبو حازم: لأنكم خربتم الآخرة، وعمرتم الدنيا والإنسان يكره أن ينتقل من العمران إلى الخراب، فقال سليمان: كيف القدوم على الله؟ فقال أبو حازم: أما المحسن، فكالغائب يقدم على أهله وأما المسيء فكالعبد الآبق يقدم على مولاه، “العبد الآبق: الهارب” ألقي القبض عليه، وأقتيد إلى مولاه بجرم الهرب، أما العبد المؤمن فكالغائب يرد إلى مولاه، فقال: يا أبا حازم ما لنا عند الله؟ فقال أبو حازم: اعرض نفسك على كتاب الله تعلم ما لك عند الله، وهذا الكلام لنا جميعاً، اقرأ كتاب الله، ((إن الله يحب المحسنين)) هل أنت محسن؟ إن الله لا يحب الكاذبين، هل تكذب؟ إذاً لا يحبك الله، من السهولة بمكان أن تقرأ كتاب الله، ((إن الله يحب المتقين. إن الله يحب الصادقين))، ((إن الله يحب المطهرين. إن الله لا يحب من كان خواناً أثيما. إن الله لا يحب من كان مختالاً فخورا))، تعرف من خلال الآيات الكريمة ما إذا كان الله يحبك، أو لا يحبك محبة الله مقننة، يعني؛ لها قواعد ثابتة، وليست اعتباطية. ما لنا عند الله؟ قال: اعرض نفسك على كتاب الله تعلم ما لك عند الله، قال: ما مصيرنا؟ قال: ((إن الأبرار لفي نعيم، وإن الفجار لفي جحيم))، واضحة كعين الشمس، قال: فأين رحمة الله؟ قال: إن رحمة الله قريب من المحسنين، هل أنت محسن؟ إذا كنت محسناً، فلك أنت تطمع برحمة الله، ((إن رحمة الله قريب من المحسنين))..”.
أيها الإخوة الكرام حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم.
ومما جاء في خطبة الشيخ الثانية:” الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين.
أيها الإخوة الكرام: يقول تعالى: ((أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً)) معنى قراراً، أي من جعلها مستقرةً ؟ الأرض تتحرك، الأرض تسير في الثانية الواحدة، ما يزيد عن ثلاثين كيلو متراً.
وأردف الشيخ قائلاً:” نحن، في هذه الخطبة، وقد مضى علينا، ثلاثون دقيقة، قطعنا ثلاثين كيلو متر، ضرب ستين، ضرب ثلاثين، أي لا أدري كم من آلاف، أو من مئات آلاف الكيلو المترات، في هذه الخطبة التي ألقيتها على مسامعكم.((وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ))، ومع هذه السرعة الفائقة، إن الأرض مستقرةً إستقراراً تاماً، بحيث، أنها لو تحركت، ما يزيد عن ميليمتر، لتصدعت الأبنية، ولتشققت،((أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً)) والدليل، الزلازل، إن إهتزازاً طفيفاً، لثوانٍ معدودات، يجعل مدينةً بأكملها، كلَّفت، مئات آلاف الملايين، يجعلها أنقاضاً، هذه الزلازل، إن الزلازل، آيةٌ على هذه الآية.((أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً))، لو أن الأرض تهتز، ليست مستقرة، لما أمكن أن نسكن في البيوت، ولا أمكن لحياتنا، أن تستقر.((أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً))، هذه آيةٌ كبيرة، لشدة استقرارها، تظنها ساكنة.((وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ))..”.
وإختتم الشيخ خطبته بالقول:” يا أيها الإخوة الأكارم… فكروا في آيات الله، أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه، فكروا في هذه الآيات حتى تحبوه، وأحبوه حتى تطيعوه، وأطيعوه حتى يسعدكم في الدنيا والآخرة…”
بارك الله فيك يا شيخ عبدالكريم على توعيه الناس بامور وتعاليم دينهم الاسلامي الحنيف وتعاليم الاحاديث النبويه الشريفه ودمت سندا وذخرا لمجتمعنا الفاضل.