إنتظر دقيقة….حكمة للبيع، من يشتريها؟!
تاريخ النشر: 05/01/11 | 5:16“إنتظر دقيقة”، لا تنسَ هذه الكلمة. في كل أمر تريد أن تتخذ فيه قراراً، عندما تفكر به وعندما تصل إلى لحظة اتخاذ القرار أعطِ نفسك دقيقة إضافية، ستين ثانية. هل تعلم كم من المعلومات يستطيع دماغك أن يعالج خلال ستين ثانية ؟ في هذه الدقيقة التي ستمنحها لنفسك قبل إصدار قرارك قد تتغير أمور كثيرة .
هذه الكلمات هي مقدمة لمقالة رائعة بقلم : محمد عبد الوهاب جسري
حكمة للبيع …..
كنت أقف في دوري على شباك التذاكر لأشتري بطاقة سفر في الحافلة إلى مدينة تبعد حوالي 330 كم، وكانت أمامي سيدة ستينية قد وصلت إلى شباك التذاكر وطال حديثها مع الموظفة التي قالت لها في النهاية: الناس ينتظرون، أرجوكِ تنحّي جانباً.
فابتعدت المرأة خطوة واحدة لتفسح لي المجال، وقبل أن أشتري بطاقتي سألت الموظفة عن المشكلة، فقالت لي بأن هذه المرأة معها ثمن بطاقة السفر وليس معها يورو واحد قيمة بطاقة دخول المحطة، وتريد أن تنتظر الحافلة خارج المحطة وهذا ممنوع.
قلتُ لها: هذا يورو وأعطها البطاقة. وتراجعتُ قليلاً وأعطيتُ السيدة مجالاً لتعود إلى دورها بعد أن نادتها الموظفة مجدداً.
اشترت السيدة بطاقتها ووقفت جانباً وكأنها تنتظرني، فتوقعت أنها تريد أن تشكرني، إلا أنها لم تفعل، بل انتظرتْ لتطمئن إلى أنني اشتريت بطاقتي وسأتوجه إلى ساحة الانطلاق، فقالت لي بصيغة الأمر: إحمل هذه… وأشارت إلى حقيبتها.
كان الأمر غريباً جداً بالنسبة لهؤلاء الناس الذين يتعاملون بلباقة ليس لها مثيل.
بدون تفكير حملت لها حقيبتها واتجهنا سوية إلى الحافلة، ومن الطبيعي أن يكون مقعدي بجانبها لأنها كانت قبلي تماماً في الدور.
حاولت أن أجلس من جهة النافذة لأستمتع بمنظر تساقط الثلج الذي بدأ منذ ساعة وأقسم بأن يمحو جميع ألوان الطبيعة معلناً بصمته الشديد: أنا الذي آتي لكم بالخير وأنا من يحق له السيادة الآن! لكن السيدة منعتني و جلستْ هي من جهة النافذة دون أن تنطق بحرف، فرحتُ أنظر أمامي ولا أعيرها اهتماماً، إلى أن التفتتْ إلي تنظر في وجهي وتحدق فيه، وطالت إلتفاتتها دون أن تنطق ببنت شفة وأنا أنظر أمامي، حتى إنني بدأت أتضايق من نظراتها التي لا أراها لكنني أشعر بها، فالتفتُ إليها.
عندها تبسمتْ قائلة: كنت أختبر مدى صبرك وتحملك.
صبري على ماذا ؟
على قلة ذوقي. أعرفُ تماماً بماذا كنتَ تفكر.
لا أظنك تعرفين، وليس مهماً أن تعرفي.
حسناً، سأقول لك لاحقاً، لكن بالي مشغول كيف سأرد لك الدين.
الأمر لا يستحق، لا تشغلي بالك.
عندي حاجة سأبيعها الآن وسأرد لك اليورو، فهل تشتريها أم أعرضها على غيرك ؟
هل تريدين أن أشتريها قبل أن أعرف ما هي ؟
إنها حكمة. أعطني يورو واحداً لأعطيك الحكمة.
وهل ستعيدين لي اليورو إن لم تعجبني الحكمة ؟
لا، فالكلام بعد أن تسمعه لا أستطيع إسترجاعه، ثم إن اليورو الواحد يلزمني لأنني أريد أن أرد به دَيني.
أخرجتُ اليورو من جيبي ووضعته في يديها وأنا أنظر إلى تضاريس وجهها. لا زالت عيناها جميلتين تلمعان كبريق عيني شابة في مقتبل العمر، وأنفها الدقيق مع عينيها يخبرون عن ذكاء ثعلبي. مظهرها يدل على أنها سيدة متعلمة لكنني لن أسألها عن شيء، أنا على يقين أنها ستحدثني عن نفسها فرحلتنا لا زالت في بدايتها.
أغلقت أصابعها على هذه القطعة النقدية التي فرحت بها كما يفرح الأطفال عندما نعطيهم بعض النقود وقالت : أنا الآن متقاعدة، كنت أعمل مدرّسة لمادة الفلسفة، جئت من مدينتي لأرافق إحدى صديقاتي إلى المطار.
أنفقتُ كل ما كان معي وتركتُ ما يكفي لأعود إلى بيتي، إلا أن سائق التكسي أحرجني وأخذ مني يورو واحد زيادة، فقلت في نفسي سأنتظر الحافلة خارج المحطة ، ولم أكن أدري أنه ممنوع. أحببتُ أن أشكرك بطريقة أخرى بعدما رأيت شهامتك، حيث دفعت عني دون أن أطلب منك. الموضوع ليس مادياً. ستقول لي بأن المبلغ بسيط، سأقول لك أنت سارعت بفعل الخير ودونما تفكير.
قاطعتُ المرأة مبتسماً : أتوقع بأنك ستحكي لي قصة حياتك، لكن أين البضاعة التي أشتريتُها منكِ ؟ أين الحكمة ؟
– “بَسْ دقيقة”.
– سأنتظر دقيقة.
– لا، لا، لا تنتظر. “بَسْ دقيقة”… هذه هي الحكمة.
– ما فهمت شيئاً.
– لعلك تعتقد أنك تعرضتَ لعملية احتيال ؟
– ربما.
– سأشرح لك: “بس دقيقة”، لا تنسَ هذه الكلمة. في كل أمر تريد أن تتخذ فيه قراراً، عندما تفكر به وعندما تصل إلى لحظة اتخاذ القرار أعطِ نفسك دقيقة إضافية، ستين ثانية. هل تعلم كم من المعلومات يستطيع دماغك أن يعالج خلال ستين ثانية ؟ في هذه الدقيقة التي ستمنحها لنفسك قبل إصدار قرارك قد تتغير أمور كثيرة، ولكن بشرط.
– وما هو الشرط ؟
– أن تتجرد عن نفسك، وتُفرغ في دماغك وفي قلبك جميع القيم الإنسانية والمثل الأخلاقية دفعة واحدة، وتعالجها معالجة موضوعية ودون تحيز، فمثلاً: إن كنت قد قررت بأنك صاحب حق وأن الآخر قد ظلمك فخلال هذه الدقيقة وعندما تتجرد عن نفسك ربما تكتشف بأن الطرف الآخر لديه حق أيضاً، أو جزء منه، وعندها قد تغير قرارك تجاهه.
إن كنت نويت أن تعاقب شخصاً ما فإنك خلال هذه الدقيقة بإمكانك أن تجد له عذراً فتخفف عنه العقوبة أو تمتنع عن معاقبته وتسامحه نهائياً.
دقيقة واحدة بإمكانها أن تجعلك تعدل عن اتخاذ خطوة مصيرية في حياتك لطالما اعتقدت أنها هي الخطوة السليمة، في حين أنها قد تكون كارثية. دقيقة واحدة ربما تجعلك أكثر تمسكاً بإنسانيتك وأكثر بعداً عن هواك. دقيقة واحدة قد تغير مجرى حياتك وحياة غيرك، وإن كنت من المسؤولين فإنها قد تغير مجرى حياة قوم بأكملهم… هل تعلم أن كل ما شرحته لك عن الدقيقة الواحدة لم يستغرق أكثر من دقيقة واحدة ؟
– صحيح، وأنا قبلتُ برحابة صدر هذه الصفقة وحلال عليكِ اليورو.
– تفضل، أنا الآن أردُّ لك الدين وأعيد لك ما دفعته عني عند شباك التذاكر. والآن أشكرك كل الشكر على ما فعلته لأجلي.
أعطتني اليورو. تبسمتُ في وجهها واستغرقت ابتسامتي أكثر من دقيقة، لأنتبه إلى نفسي وهي تأخذ رأسي بيدها وتقبل جبيني قائلة: هل تعلم أنه كان بالإمكان أن أنتظر ساعات دون حل لمشكلتي، فالآخرون لم يكونوا ليدروا ما هي مشكلتي، وأنا ما كنتُ لأستطيع أن أطلب واحد يورو من أحد.
– حسناً، وماذا ستبيعيني لو أعطيتك مئة يورو؟
– سأعتبره مهراً وسأقبل بك زوجاً.
علتْ ضحكتُنا في الحافلة وأنا أُمثـِّلُ بأنني أريد النهوض ومغادرة مقعدي وهي تمسك بيدي قائلة: اجلس، فزوجي متمسك بي وليس له مزاج أن يموت قريباً!
وأنا أقول لها : “بس دقيقة”، “بس دقيقة”…
لم أتوقع بأن الزمن سيمضي بسرعة. كانت هذه الرحلة من أكثر رحلاتي سعادة، حتى إنني شعرت بنوع من الحزن عندما غادرتْ الحافلة عندما وصلنا إلى مدينتها في منتصف الطريق تقريباً.
قبل ربع ساعة من وصولها حاولتْ أن تتصل من جوالها بابنها كي يأتي إلى المحطة ليأخذها، ثم التفتتْ إليّ قائلة: على ما يبدو أنه ليس عندي رصيد. فأعطيتها جوالي لتتصل.
المفاجأة أنني بعد مغادرتها للحافلة بربع ساعة تقريباً استلمتُ رسالتين على الجوال، الأولى تفيد بأن هناك من دفع لي رصيداً بمبلغ يزيد عن 10 يورو، والثانية منها تقول فيها: كان عندي رصيد في هاتفي لكنني احتلتُ عليك لأعرف رقم هاتفك فأجزيكَ على حسن فعلتك.
إن شئت احتفظ برقمي، وإن زرت مدينتي فاعلم بأن لك فيها “أمّاً” ستستقبلك. فرددتُ عليها برسالة قلت فيها: عندما نظرتُ إلى عينيك خطر ببالي أنها عيون ثعلبية لكنني لم أتجرأ أن أقولها لك، أتمنى أن تجمعنا الأيام ثانية، أشكركِ على الحكمة واعلمي بأنني سأبيعها بمبلغ أكبر بكثير.
“بس دقيقة”… حكمة أعرضها للبيع، فمن يشتريها مني في زمن نهدر فيه الكثير الكثير من الساعات دون فائدة ؟
روعه قمة الروعه
رأيت العين تبكى
فسألتها : يا عين لما البكاء , على صديق ؟
فقالت يا ليت . فقلت على حبيب ؟
فقالت يا ليت و يا ليت .
فقلت يا عين أجيبي فالدمع أوشك على الانتهاء …
فقالت ابكي على زمان قل فيه الوفاء بين الأصدقاء و حتى الأحباء
و أصبح الغدر و الكذب أساسا للبقاء…
حكاية حكيمة ومعبرة بها نصائح قيمة … علينا التفكير العقلاني قبل اتخاذ القرار
علينا التصرف بدون عواطف…علينا التحكم على مشاعرنا الفوارة…علينا مراجعة
الامور قبل اتخاذ القرار الاخير..
الخير موجود في مجتمعنا..الوفاء موجود في ابناء شعبنا..الصداقة الصافية
موجودة بين الناس.
الغدر والكذب والنفاق اساليب يستعملها الضعفاء…وهم قلة في مجتمعنا.
تحية شكر وامتنان لكاتب الحكاية.
ولكم الشكر جميعاً، لكل من نقل القصة ونشرها، من قرأها وعلق عليها، والشكر الأكبر لمن استفاد منها….
محمد عبد الوهاب جسري
فكرت دقيقة….انا سأشتريها بأي ثمن لأني بحاجة لها لأكمل مسير حياتي بدون تسرع وبدون ضياع أكثر…احتاجها كتعويض لما هدر من حياتي…احتاجها لأكون انا نفسي..لا اريد ان افقدها أكثر…دقيقة من التفكير…دقيقة من التروي….دقيقة من الصبر…..دقيقة من الهدوء…دقيقة من النصح….تكفي لردع الإنسان عن عالم الرذيلة، عالم الشر، عالم العنف، عالم الخطأ، عالم الجريمة، عالم الطيش….الا ترون في النهاية ما يستفاد من هذه الدقيقة؟! اذاً مهما كان ثمنها اشتريها…لأن بها اشتري باقي عمري…
دقيقة ثمينة تستطيع ان تعد بها الى رقم 10 وتمنعك من القيام بما تندم عليه. دقيقة واحدة تنقذ بها من يحتاج الى نجدة…الا يكفي دقيقة من التفكير لتقرير مصير اما الموت او الحياة؟! ألا يكفي الغريق دقيقة واحدة من اجل انتشاله من الماء قبل ان تتقاذفه امواج البحر؟! الا يكفي دقيقة واحدة من الكلمة الطيبة لترفع معنويات احد وتنقذه من وضع حد لحياته؟! كثيرة هي المواقف والحالات التي بدقيقة واحدة تعمل بها ما كان غير متوقع، تنجز بها عمل خير ببرهة قصيرة، تتجرد بها من ذاتك…حينها تجد ما أعظم انسانيتك وما اطيب من قلبك، تكتشف بها قدراتك ومهاراتك وتعيد الثقة لغيرك ثم لنفسك…
ما رأيكم ان نعلن عن مزاد علني لهذه الدقيقة…ونرى في النهاية ما هو ثمنها!!!!!
شكر كبير لموقع بقجة على إهتمامه بنشر ونقل المواضيع المفيدة الهادفة بين أبناء مجتمعه .
هذا إن دلّ فإنّه يدل على حرصه الدائم لنشر المفاهيم والسلوكيات الجيدة التي نرجو من الله العلي القدير أن يوفقنا في تطبيقها .
ولا ننسى كاتب المقال (محمد عبد الوهاب جسري) على هذه “الحكمة” التي هي بصدق تشترى , فكم من الأمور التي نفعلها بلحظة غضب , أو كلمة يقوم لساننا بنطقها , وبعد دقيقة إن لم يكن أقل نقوم بالندم — نستطيع طبعا أن نقوم بالإعتذار — لكن !!؟؟ هناك أفعال وأقوال تكون مصيرية وحاسمة ولا ينفع معها لا ندم ولا إعتذار.
بارك الله بك وأجمل تحية لك من زهرة المثلث كفرقرع ايها الكاتب محمد عبد الوهاب جسري…حقا لقد اشترينا منك حكمة رائعة لأهمية الوقت وعدم تضييعه في تفاهات وفي مخاطر تسيء لنا ولغيرنا. دقيقة واحدة تكفي للتفكير واتخاذ القرار الصائب، وتردعنا عن الخطأ والخطيئة…
عندي تساؤل: من اي بلد انت ايها الكاتب محمد جسري؟! هل لك كتابات قصص، شعر في مواضيع متنوعة من واقع حياتنا كمجتمع عربي؟
إلى ابنة البلد -قرعاوية
سيدتي أنا من سوريا من مدينة حلب….
رجاء ضعي اسمي على محرك البحث ” محمد عبد الوهاب جسري” وإن شاء الله ستقرأين ما يسرك.
هناك قصة بعنوان ” قصص من شعوب أخرى” بثلاثة أجزاء
وأخرى بعنوان” البنت الثالثة” بثلاثة أجزاء أيضاً
أعتقد أنها ستعجبك
أما مذكرات مغترب فهي سلسلة نشرت منها حتى الآن 10 أجزاء، كانت “بس دقيقة” هي الجزء التاسع، وفي كل جزء قصة أو موضوع مستقل، أيضاً بإمكانك البحث عنا عن طريق محركات البحث
شكراً لك ولكل من شارك بتعليق
الى رقم8 – الكاتب محمد
حياك الله يا ابن سوريا الأبية….حبذا لو تشارك مواقعنا المحلية في كتاباتك الموضوعية الهادفة التي خطها يراعك لعل الجميع منها يأخذ العبرة ويستفيد…فليس كل شخص يمكنه الوصول بسهولة الى كتابات مبدعين كأمثالك وذلك بسبب الكم الهائل من المواضيع من لغتنا الأصيلة، لغة الضاد، لغة القرآن التي خطت به بأجمل حروفها وأبلغ الفاظها وتعابيرها…فكثيرة هي المواقع على الشبكة العنكبوتية…وبحر من المواضيع… وهل يمكن للغواص من يبحث عن مكنونات لغتنا العربية ان يصلها دون “بوصلة موجهة”..؟!