رشفة ماء
تاريخ النشر: 13/06/12 | 23:28دلح وعلى ثيابه لاحت بوادر الإملاق, وعلى كتفيه أثقل بكيسيين أظن إن فيهما قوت أبنائه إذا باعهما, ارتسمت على مقلتيه أسراب السراب, في راحته اليمنى امسك بقارورة, راح يجمع بها قطرات الندى ليطفئ بها عطش السنين. يترنح من التعب والجهد فقد أعياه الظمأ.
مر عن صبي كان بريعان شبابه قد ارتمس نصفه في الماء, يمسك براحته خرطوم للمياه لينظف مركبته وقد استعمله على أعلى دراجته, فكانت المياه تجري من حوله كأنها موج البحر, إن لقوة المياه وتدفقها الكبير قد احتضن الطريق من كل جوانبه.
حدق به ذلك البائع وصعقه بصرخة أثقبت مسامعه, وانهال عليه بالتوبيخ على الإسراف المفرط والتبذير العظيم. نطق بكلمة الم ودمعة جافة افترشت عيناه وقال للصبي:- نحن لا نملك كسرة خبز ولا جرعة ماء أنت بإسرافك هذا تسقي به محاصيل القمح الجافة وتطفئ به ظمأ أناس غابت عنهم الرحمة.
نحن نرتشف لعابنا عندما يشح الماء, ننام لكي ننسى العطش. نستفيق لنحصد قطرات الندى لنطفئ به ظمأ الايام السابقة.. هبطت بقايا الدموع واحتضنت المياه الجارية لتختفي, ويستتر ذلك البائع وراء دموعه تلك القصة ليست من نسج الخيال او من حياكة الالسن, انها من واقع مرير نعيشه يوم بيوم.
ان الاسراف بالماء اصبح شيئا عاديا للبعض, يسرف كما يشاء دون وعي لما يفعل. هل للان المياه تصل الينا عبر الانابيب لبيوتنا بدون اية تعب فلا نذهب اليها كما كانت جداتنا تفغل في السابق؟؟؟
فلنتذكر كيف كن يحملن جرار الماء من البئر البعيد ويتمشين بين الطرق الوعرة حتى يصلين الى بيوتهن. ونحن الان تصل الينا اكواب المياه بلحظات..
لقد اقترفت أيدينا التبذير والإسراف بالماء, ونحن لا نقدر ونعي ذلك الموقف الذي سيكون بنهايته وخيما علينا هل ننتظر هبوب العواصف الرملية الجافة لنقدر أهمية تلك النعمة العظيمة فمنا من يذهب إلى الاستحمام, فيتوه داخله بغبطة أحلامه ولا يخرج إلا بعد ساعات, وقد هبطت عليه كميات لا بأس من المياه, أليس هذا بإسراف وتبذير.
إما تلك المرأة تنظف بيتها يوميا وكأنها تعيش بالعراء, من الفجر حتى المغيب تنحد المياه من منزلها لتسقي بها زرع الحارات الأخرى. أليس هذا بإسراف وتبذير ورب الكعبة إن لذلك الأمر الكبير له سلطة بيدنا, فلنتريث بالمياه ولا نسرفها.
مقال يحتوي على العبرة والموعظة… سلمت استاذ عمار