من دفتر يومياتي: حمار ينتقم من مشغلّه… ويثأر لكرامته
تاريخ النشر: 14/06/12 | 2:25ماذا قيل في باب الرفق بالحيوان؟ قال أبو الدرداء لبعيره عندا نفق (مات): يا أيها البعير ، لا تخاصمني إلى ربك ، فأني لم أكن أحملّك فوق طاقتك. أما عدي بن حاتم فكان بفت الخبز للنمل ويقول: أنهّن جارات لنا ولهّن علينا حق.
أن يثأر الإنسان لكرامته وكل حسب ثقافته التي نشأ وتربى عليها فهذا أمر مسلم به، وأن يثور أمام ظالمه ومغتصب حقه فهذا أمر أقرّته الشرائع بمختلف أنواعها.. ومن يسلب الإنسان لقمة عيشه وقوت يومه فمن حقه أن يثور وأن يعمل ولو بحد السيف على استرجاع حقه المسلوب وقديما قال الصحابي الجليل، أبو ذر الغفاري رحمه الله وغفر له: “عجبت لمن لا يجد قوت يومه، كيف لا يخرج إلى الناس شاهرا سيفة” وقول أبي ذر فيه دعوة صريحة إلى استعمال القوة من أجل الحصول على لقمة العيش التي حرم منها أو سلبت منه.. أما أن يثور حمار ويثأر لكرامته وللجور الذي ألم به وحرمانه من لقمة العيش التي اعتاد عليها فهذا أمر نادر ، فقد عرف عن هذا الكائن الذي رافق الإنسان منذ أن دجنّه ومن ثم سخّره واستغله لعمله وحمل أثقاله وكذلك ركوبه، عرف عنه انه صبور ومن خلال صبره تحمّل المشاق والمهانة التي يتعرض لها من صاحبه مضافا إلى ذلك فظاظة وغلظة من ملكه، حتى أصبح صبر الحمار مضربا للأمثال واقترن اسم مروان الخليفة الأموي بالحمار فسمي “مروان الحمار” لصبره وتحمّله… إما الحمار الذي نحن بصدده فقد شذ عن قاعدة الصبر التي تميّز بها أخوانه الحمير فقد نفذ صبره وعيل بعد أن بلغ السيل الزبى من أثر الضرب المبرح والأذى والعذاب والتجويع الذي تعرّض له….
ولنبدأ الحكاية، حكاية بطلها حمار انتقم من مشغلّه وقد سمعها من فم من كان ضحيتها وكنت قد دونتها في مذكراتي قبل أكثر من أربعة عقود:
أبو علي، شاب من باقة الغربية، في بداية العقد الرابع من عمره يعمل على عربة لنقل الحمضيات يجرّها حمار… يصف محمد الحمار فيقول: عرف عن هذا الحمار انه شرس وكثيرون من استنكفوا العمل معه وعليه، عنيد وصاحب “حرنة” ولا ينفذ الأوامر بسرعة.. لقد أخذت على عاتقي ترويض هذا الحمار وتهذيب أخلاقه بأن استعملت معه الضرب القاسي والمبرح أحيانا ، وكنت أحرمه من تناول الأكل المفضل عنده كالحشيش الأخضر والشعير أحيانا كذلك… ولكن يوم الجمعة الفائت حدث ما لم يكن بالحسبان فبعد استراحة الظهيرة وبينما كنت أهم بتناول دلو العلف من أمامه إذ بالحمار ينقّض على ساعدي الأيمن ويغرس أنيابه فيه وعبثا محاولا أن أخلّص ذراعي من فكيّه وبدأ بجرّي نحوه وبكل قواه ليدوسني برجليه وحوافره، ولكن عمودا خشبيا حال دون ذلك ، فأسندت ظهري إليه وبدأت أصرخ وأستغيث طالبا النجدة، هرع صاحب العمل وحاول إنقاذ ذراعي من فكي الحمار ولكن دون جدوى والحمار “يهمّر” ويشدّني بكل قواه نحوه، ولم أتخلّص من هذه الورطة اللعينة إلا بعد أن انهال صاحب العمل على الحمار بالضرب بعصا غليظة على رأسه وأنفه… أفلت من أنيابه وأغمي علي لأنقل بعد ذلك إلى عيادة قوبات حوليم في المدينة المجاورة-الخضيرة- حيث أسعفت وقدم لي العلاج الكامل…
وعندما زرته كان لا زال طريح الفراش، ويعاني من آلام شديدة في ساعده الأيمن ولا يفكّر بالعودة إلى ذلك الحمار….
يوصف الحمار بانه جهول
وصبره على الدوام يطول
وله من القوة الشي المهول
ولصاحبه مطيع ذَلول