"رسالة المربّين لمواجهة تحدّيات العصر" – بافتتاح "بيت المعلم" بكفرقرع
تاريخ النشر: 14/06/12 | 10:50يحلو لي أن أستهلّ حديثي باقتباس هذين البيتين المشهورين لأحمد شوقي: “قُم للمعلّمِ وفِّهِ التبجيلا ***كاد المعلّم أن يكون رسولا” . ” أرأيتَ أشرفَ أو أجلّ منَ الذي *** يبني ويُنشئُ أنفسًا وعقولا”! فأقول لأمير الشعراء: لا فُضَّ فوكَ! وبوركتَ على هذه الدرر! لكنّني في الوقت نفسه، لا يمكنني أن أتجاهلَ ما قاله شاعر فلسطين إبراهيم طوقان بعد أن جرّب مهنة التدريس وذاق الأمرّين منها، فهو يردّ على شوقي قائلا:
اقعُد فديتُك هل يكونُ مبجّلًا*** من كان للنشءِ الصغارِ خليلا
ويكادُ يفلقني الأّميرُ بقوله*** كاد المعلمُ أن يكون رسولا
لو جرّب التعليمَ شوقي ساعةً *** لقضى الحياةَ شقاوةً وخمولا
ويختتم إبراهيم طوقان قصيدته الناقمة على مهنة المعلّم بقوله:
لا تعجبوا إن صحتُ يومًا صيحةً *** ووقعتُ ما بينَ البنوك قتيلا
يا مَن يريدُ الانتحارَ وجدتَه *** إنَّ المعلمَ لا يعيشُ طويلا
يجب أن نعترف ونقرّ مع طوقان : إنَّ مهنةَ المعلّم مهنة صعبة مضنية تؤدي إلى تآكل أو انسحاق المعلّم المخلص المنتمي، وتزداد أعباؤها أمام التحدّيات التي يشهدها عصرنا الحالي، والتي أهمّها:
التحدّي الثقافيّ – بظهور ما يعرف بالعولمة والانفتاح على ثقافات الدول المتقدّمة..
التحدّي التكنولوجي المعرفيّ – المتمثّل بثورة المخترعات ووسائل الاتصال الحديثة وبانفجار المعرفة … فالعالمُ أصبح كقرية صغيرة، والمعلومات تتزايد وتتغيّر وتتقادم بشكل مذهل…
التحدّي الاقتصادي – أصبح رأس المال المعرفيّ/المعلوماتيّ أكثر أهميّةً من رأس المال الماديّ – الموادّ الخام – وأهمّ من السلع الماديّة!
التحدّي القيميّ – التغيّرات السريعة المتلاحقة في التكنولوجيا والعلوم والاتصال والاقتصاد زعزعت الكثير من القيم والعادات الإيجابيّة التي نعتزّ بها ، وينبغي تأصيلها والحفاظُ عليها!
إذن، لمواجهة هذه التحديات وغيرها – ما هي رسالة المعلّم/ المربّي في مجتمعنا العربّي؟ وهنا سأقتصر على الخطوط العريضة، وآمل أن أتمكّن في المستقبل القريب من التوسّع والتفصيل!
لمواجهة التحدّي الثقافيّ: يجب أن تكون رسالة المعلّم عندنا ترسيخ الانتماء الوطنيّ/القوميّ، وتعزيز الهويّة الثقافيّة القوميّة مع الانفتاح الواثق على الثقافات الأخرى وبدون الانغلاق والتقوقع!
لمواجهة التحدّي التكنولوجي المعرفيّ: يجب أن لا يكون دور المعلّم الأساسي نقلَ المعرفة للطلاب، بل خلقَ حبّ المعرفة وزيادة الحافز للتعلّم، وأن يعمل على إكسابهم مهارات التعلّم الذاتي المستقلّ، وتنمية مهارات التفكير العليا من: تحليل واستنباط ونقد ومقارنة وإبداع…
ولمواجهة التحدّي الاقتصاديّ: العمل على ربط التعليم/التعلّم بالواقع المعيش، وإكساب المتعلّمين المهارات الحياتيّة الضروريّة، والمرونة في التعامل مع المستجدّات، وإتقان لغات أجنبيّة – ليس على حساب لغة الأمّ – وتأتي مهارة استخدام الحاسوب والشبكة العنكبوتية بنجاعة ضمن التعامل مع هذا التحدّي!
التحدّي القيميّ – أوّلا يجب التأكيد على دور المعلّم ورسالته كقدوة وكنموذج يُحتذى ويُحاكى من طلابه، فالعلاقات الإنسانيّة مطلوبة، واحترام الطلاب – على اختلافهم – وقبولُهم وتشجيعهم والإيمانُ بقدراتهم كلّ ذلك يسهم في بناء شخصيّاتهم المنشودة.
كذلك، يجدر بالمعلّم أن يسعى جاهدًا لتعزيز القيم والمثل الحميدة التي تحقّق المجتمعَ العادل الآمن المتسامح المتكافل! أنّي أؤمن بكم وبدوركم القياديّ الفاعل مع الطلاب وفي تعاملكم مع جميع شرائح المجتمع خارج المدارس،
وأخيرًا: لنعملْ على خدمة مجتمعنا وأهلنا بالتكاتف والتعاضد والمحبّةّ والإخلاص! فهذه رسالةٌ وأمانةٌ في أعناقنا ما دامت قلوبُنا تنبضُ بالحياة!
قال تعالى: “وقُل اعملوا فسيرى اللهُ عملَكم ورسولُه والمؤمنون” صدق الله العظيم