الثورة المصرية: النهاية ام التجديد؟
تاريخ النشر: 16/06/12 | 14:45يتوجه الناخبون المصريون الى صناديق الاقتراع اليوم للإدلاء بأصواتهم لانتخاب رئيس الجمهورية، من بين مرشحين اثنين، الاول يمثل النظام القديم الذي اطاحت به الثورة، والثاني يمثل حركة الاخوان المسلمين الاكثر تنظيما وشعبية في الشارع المصري، حسب توزيع مقاعد البرلمان المغدور.
الضربة الاستباقية التي وجهتها المؤسسة العسكرية الحاكمة الى حركة الاخوان، من خلال قفازات المحكمة الدستورية، وتمثلت في حل البرلمان وبطلان قانون العزل، أربكت حركة الاخوان وزادت من حال الانقسام في الشارع المصري، خاصة انها جاءت قبل يومين من بدء انتخابات المرحلة الثانية والحاسمة.
من الواضح ان حركة الاخوان بدأت، وان كان متأخرا، التعلم من اخطائها الكارثية، عندما لم تقع في مصيدة الاستفزاز التي نصبها لها المجلس العسكري بإحكام، من حيث عدم اتخاذ قرارات انفعالية بالانسحاب من الانتخابات والنزول الى ميدان التحرير، ولكنهم لم ينجحوا حتى الآن في طمأنة الشارع،او قطاع عريض منه، حول حقيقة نواياهم في الحكم والتعايش مع التيارات الاخرى.
المجلس العسكري استفاد كثيرا من اخطاء الاخوان القاتلة، ومن انخداع شباب الثورة ببريق الكاميرات التلفزيونية، فبينما كان هؤلاء يتنقلون بين استديوهات ‘التوك شو’ وهي غالبا مملوكة لرجال اعمال معروفة صلاتهم بالنظام السابق، كان مستشارو المجلس يضعون الخطط بإحكام لإجهاض الثورة.
الثوار ارتكبوا خطيئة الاطمئنان الى نجاح ثورتهم، ولم يقاتلوا بشراسة من اجل قيادة مؤسسات الدولة في المرحلة الانتقالية، والأكثر من ذلك وثقوا بالمجلس العسكري، فوجدوا انفسهم في نهاية المطاف على الرصيف بلا حكومة ولا برلمان، كما ان سعيهم للوصول الى منصب رئاسة الجمهورية ما زال مشكوكا في نجاحه.
امريكا التي استثمرت اكثر 45 مليار دولار في مصر ومؤسستها العسكرية على مدى اربعين عاما تقريبا، لن تسمح للاسلاميين او اي قوة مناهضة، او بالأحرى غير منسجمة معها، بالوصول الى الحكم، لأن هذا يعني انهيار استراتيجيتها في المنطقة كليا، وهو أمر خطير اذا وضعنا في اعتبارنا خسارتها الف مليار دولار حتى الآن في العراق وافغانستان، وستة آلاف جندي قتيل، ومواجهة دبلوماسية مع روسيا والصين في سورية.
‘ ‘ ‘
حروب امريكا في المنطقة تتمحور حول قضيتين اساسيتين: النفط واسرائيل، وتتفرع الحرب على الارهاب منهما او ترتبط بهما ارتباطا عضويا. ومصر هي المرتكز الرئيسي للاستراتيجية الامريكية في هذا الصدد.
الفريق احمد شفيق وفي خطابه الاخير قبل اغلاق باب الحملات الانتخابية عكس هذه الحقائق بوضوح، عندما اكد على اهمية التحالف مع امريكا، وعدم الانجرار في اي حروب خارج اطار مصالح الامن القومي المصري، اي لا حروب مع اسرائيل.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة الآن هو عما سيحدث في مصر لو فاز السيد شفيق وخسر السيد محمد مرسي، او حدث العكس تماما، اي فاز مرسي وخسر شفيق؟
فوز السيد شفيق سيعني انه الرئيس المنتخب ديمقراطيا، واي احتجاج على هذا الفوز هو تنكر لصناديق الاقتراع ورفض للديمقراطية، الأمر الذي سيعطي المجلس العسكري،الذي بات يملك السلطة التشريعية بعد حل البرلمان، الفرصة لاعلان حالة الطوارئ وقــمع اي احتجاجات شعبية يقدم عليها مناصرو مرشح الاخوان الخاسر.
فوز السيد مرسي، وهو احتمال موضع شك، قد يعني امرا من اثنين، الاول: ان يكون رئيسا بلا صلاحيات، ودون اي تعاون معه من قبل المؤسستين العسكرية والأمنية، ومواجهة حصار اقتصادي خانق من المؤسسات الدولية المالية، وربما مقاطعة عربية. الثاني: ان يقدم الجيش على انقلاب عسكري للاستيلاء على السلطة التنفيذية، بعد ان استولى على التشريعية على غرار ما حدث في الجزائر.
الفريق شفيق تحدث في خطابه الاخير كرجل واثق بالفوز في الانتخابات، ويبدو ان لديه معلومات مؤكدة من جهة ما، قد تكون المجلس العسكري، تبرر هذه الثقة، فالرجل وعد بتحويل مصر التي يعيش 40 في المئة من سكانها تحت خط الفقر الى سويسرا اخرى، ان لم يكن افضل: تأمين صحي ومساعدات للفلاحين ووظائف للعاطلين وزيادة رواتب لكل العاملين في الدولة واستثمارات خيالية خارجية.
اللافت ان الفريق شفيق اكد على امرين اساسيين، الى جانب وعوده الاخرى بالرخاء، الاول هو استعادة الأمن، والثاني تعزيز الاستقرار.
فكيف سيستعيد هذا الرجل الأمن الذي يشكل مصدر قلق للمصريين حاليا، الا اذا كان داعموه هم الذين سببوا حالة الفلتان الامني التي تعيشها البلاد حاليا؟
مصر مقدمة على مرحلة خطرة من الاضطرابات وعدم الاستقرار، ايا كانت نتيجة الانتخابات الرئاسية الحالية، لأن مخطط اجهاض الثورة بدأ يتبلور في أبشع صوره واشكاله، وهذا المخطط هو الذي اوصل المصريين الى هذا الخيار المؤلم، بين دولة مدنية مغشوشة يمثلها احد ابرز رموز النظام السابق، ودولة دينية يمثلها مرشح حركة الاخوان، التي افتقدت رؤيتها وادارتها للأزمة للدهاء السياسي.
لا نعتقد ان شباب الثورة والتيار الاسلامي سيسمح للمؤسسة العسكرية بسرقة ثورته، تماما مثلما رفضت جبهة الانقاذ الوطنية الجزائرية الشيء نفسه عام 1981، ولكن السؤال هو حول نوعية رد فعل هؤلاء، في حال سقوط المرشح الاقرب اليهم اي محمد مرسي؟
الخيار الوحيد اليوم امام شباب الثورة والتيار الاسلامي هو التوحد ووضع الخلافات جانبا، والذهاب الى صناديق الاقتراع للتصويت للسيد مرسي ، ايا كانت الخلافات العقائدية معه، لحماية الثورة ومنع اعادة نظام الفساد والتبعية مجددا الى كرسي القيادة للدولة الاهم في المنطقة.
‘ ‘ ‘
مقاطعة الانتخابات التي يطرحها البعض جريمة في حق مصر وثورتها، وقتل للربيع العربي وثوراته، وتكريس التبعية لامريكا، وإهدار للسيادة المصرية، وسحق لكرامة الشعب المصري.
الشعب المصري يريد الأمن والخبز، ولكنه يريدهما بكرامة وليس من خلال الاستجداء المهين من الغرب وبعض الدول العربية النفطية، التي لم تتوقف مؤامراتها لافشال الثورة المصرية منذ يومها الاول.
رفض الاخوان ومنهجهم لا يجب ان يكون مبررا، او طريقا لفوز الفريق شفيق، كما ان حركة الاخوان يجب ان تدرك في المقابل ان مخططات المجلس العسكري وغرف التآمر السوداء ما كانت لتنجح لولا اخطاؤهم الكارثية وسذاجة بعض قياداتهم، وجشعهم في الاستئثار بالسلطات جميعا وإقصاء الآخرين.
تصحيح الأخطاء الاخوانية قد يكون اسهل كثيرا من ازاحة النظام السابق بعد عودته الى السلطة، من بوابة ديمقراطية ملغومة ومشكوك في نزاهتها، فإذا عاد هذا النظام سيطلق جميع افاعي الفساد من زنازينها، ويعيد الاعتبار للرئيس المخلوع وانجاله، وربما يحنطه مثل ملوك الفراعنة اذا فارق الحياة، عرفانا وتبجيلا.
الامام الخميني تجرّع كأس السم وقبل بوقف الحرب مع العراق، لانه اقتنع ان هذا من مصلحة بلاده، والسيد مرسي ليس سما على اي حال، وانتخابه قد يكون من مصلحة الثورة ومصر ايضا.
الفريق شفيق قال في خطابه الاخير وبنبرة الواثق المطمئن ‘سنعود.. شاء من شاء وابى من أبى’، ولا نعتقد انها كانت زلة لسان.. الا تذكرنا هذه العنجهية والعجرفة بالنظام السابق الذي اذل مصر والمصريين لأكثر من اربعين عاما؟
بقلم عبد الباري عطوان