رواية “أميرة” الفاجعة والنهاية المفتوحة
تاريخ النشر: 26/10/14 | 18:11لدى سماعي لاسم الرواية “أميرة” للكاتب جميل السلحوت لأول مرة، أصبت بحالة من الفضول لقراءتها من أجل معرفة أميرة. أردت أن أعرف أأميرة قصر هي أم أميرة قلب؟
“أميرة” هي العمل الأول الذي أقرؤه للكاتب جميل السلحوت، وأظنه لن يكون الأخير. فلقد وجدت في الرواية من بساطة السرد ودقة الوصف إجمالا ما لفت انتباهي وجذبني إليها، جاعلا إياها رفيقتي صباح مساء، لأتم قراءتها متعمقة في تفاصيل “أميرة” ومكتشفة لماهيتها. ذلك أنني أفضل من الكلام أبسطه، ومن الأسلوب سهله الممتنع، ولقد وجدت هذا في بعض التشبيهات والصور الفنية التي استخدمها الكاتب في روايته.
افتتحت الرواية بوصف جميل لميلاد أميرة ابنة عباس ابن طاهر المحمود. أميرة، الابنة الكبرى لعباس، تخيلتها أنا، وإن لم أكن حظيت بما حظيت به من حسن الاستقبال وعظيم الاحتفال. فإن كانت أميرة أميرة قلب والديها ، فأنا – الابنة الكبرى لعائلتي- أميرتها أيضا. ولا أخفيكم هنا أنني لم أستطع منع الدمعة من القفز من بين أهدابي أثناء قراءتي للجزء المتعلق بميلاد أميرة.
جاءت أميرة إلى الدنيا، رسمت البسمة على الشفاه، وأعطت للحياة معنى في ذلك القصر الجامد الذي احتضنها إلى جانب والديها وجدّيها. ثم مرّت الأيام، وفارقت أميرة القصر لتعيش حياة ما اعتادت عليها يوما. حيث شاء لها القدر أن تكون بعيدة عن والديها، كما الطير مكسور الجناح وإن وَجد من يحتضنه. ودارت الأيام لتعود أميرة إلى حضن والدها الذي سينقلها إلى حيث كانت، أقصد إلى حيث فُرض عليها أن تكون. وبين هذا وذاك، تدور أحداث الرواية. ولا ننسى أن أميرة غادرت طفلة وعادت طفلة، أي أن كل ما جرى وأصاب شعبها وغير حياتها وحياة أهلها، كان خلال مدة زمنية قليلة. وصدق من قال: “دوام الحال من المحال.”
لقد رأيت في “أميرة” حكاية شعب ووطن، ومرآة للحياة الاجتماعية والسياسية في فلسطين خلال حقبة تاريخية مفصلية. وفيما يلي، سأتطرق بإيجاز إلى بعض الأمور المتعلقة بهذه الجوانب.
أولا: الناحية السياسية:
لا يخفى على قارئ الرواية أنها حافلة بالعديد من الأحداث السياسية التي مرّت على الشعب الفلسطيني، بعضها ذُكر بشيء من التفصيل، وبعضها الاخر أشير إليه إشارة عابرة تحمل بين طياتها الأمل والألم. ولكن ما يجمع الشيئين هو إعطاء القارئ الفرصة ليتذكر أنه كان له وطن ينتقل فيه المواطن من يافا إلى القدس، ومن الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب دون قيود أو حدود.
فلو أخذنا قصر أبي عباس كمثال ، نجد أن الكاتب وصفه بدقة وذكر أن مقتنياته وصخوره وأثاثه أحضرت من مناطق مختلفة، منها بيت جالا وسفوح جبل الكرمل الغربية والشام والقاهرة وبلاد فارس وغيرها. هنا تتجسد الوحدة والروح العربية في حيز مكاني صغير مهما كبر . وينبعث في النفس شيء من الحنين لشيء لم نعشه نحن أبناء هذا الجيل، لكننا طالما وددنا لو شعرنا به. ولتخيل شعور ذاك الذي يعيش في قصر كل شيء فيه أحضر من بقعة من وطنه، تذكر نفسك عزيزي القارئ وأنت تستمتع بصدفات بحرية جئت بها من بحر يافا أو شاطئ عكا بعد رحلة من العذاب.
وتاريخ الشعب الفلسطيني وتأريخه للأحداث الشخصية بات إلى حد مات مرتبطا بالأحداث السياسية. فانظروا معي عندما سأل المأذون عن عمر سعدية يوم زفافها، قال والدها : (عندما أعدم الإنجليز الشهداء الثلاثة محمد جمجوم وعطا الزير وفؤاد حجازي، كان عمرها ثلاثة أيام.”
ومن الأحداث التي ذكرها الكاتب في روايته أيضا هي المواجهات التي دارت في الثاني من شهر تشرين الثاني لعام 1945 في ذكرى وعد بلفور. وكذلك الأسلوب القذر التي كان يُتبع في التحقيق مع الفلسطينيين من أجل استفزازهم وإجبارهم على الادلاء باعترافاتهم أو التنازل عن ممتلكاتهم. إضافة إلى الإشارة إلى مذابح دير ياسين والطنطورة واستشهاد عبد القادر الحسيني وغيرها، ووصف المذابح الإسرائيلية وحال الفلسطينيين بعد التهجير من قراهم.
وكذلك تعرض الكاتب إلى دور المرأة في النضال الفلسطيني. فعلى سبيل المثال، سعدية – زوجة عباس – هي من اقترحت عليه المشاركة في النضال وشجعته على ذلك لتكون سببا من أسباب التغير المفصلي في شخصيته، وليقول لاحقا لقاسم بينما كانا في ساحات الأقصى:”لن أكون إلا شجرة زيتون في هذا الوطن.”
وأشار الكاتب أيضا إلى المرأة الفلسطينية القيادية مثل السيدة مهيبة خورشيد من جمعية زهرة الأقحوان بيافا ودورها – كما غيرها- في مسيرة النضال الفلسطيني وجمع التبرعات ونحوها.
وتجسد دور المرأة المناضلة أيضا في مساعدة الجرحى والمطاردين، كما فعلت إحداهن في مساعدة مصطفى عندما خلعت غطاء رأسها وأعطته إياه لتضميد جراحه. وكذلك لا ننسى والدة مختار قرية دير الأسد وحنينها على مصطفى، حيث كانت بمثابة أمّه التي لم تلده.
ويعتبر اقتراح زوجة فايز بتزويجه لأرملة الشهيد سعيد مثالا على تضحية المرأة الفلسطينية واتساع مداركها وعمق تفكيرها. ويبقى السؤال: هل تركت لنا هذه المرأة من يشبهها في هذا التفكير؟
ويرتبط بقسوة الوضع السياسي آنذاك ، وعلى الطرف الآخر من المعادلة، ما يسمى بالحسّ الوطني والذكاء الحربي، وهما مرتبطان إلى حد كبير بالتكافل الاجتماعي والحنكة السياسية التي بموجبها يرفض الفلسطيني السماح لعدوه بالنيل منه. ذاك الحسّ الذي يوازن المعادلة ليدب الأمل في أرواح الفلسطينيين وقلوبهم. ولنأخذ إنكار معرفة الشهداء كمثال. فرغم صعوبة الموقف، أي أن يمر أحدهم على سبيل المثال بأحد أقاربه أو أصدقائه شهيدا ملطخا بدمائه وينكر معرفته له، فذلك والله شيء عظيم، وموقف ينتصر فيه العقل على العاطفة. ومن أمثلة ذلك في الرواية إنكار طاهر المحمود معرفة أي من الشهداء الذين أُحضر للتعرف عليهم رغم أن صهره كان من بينهم.
والعدو الجاهل يظن نفسه ذكيا. حيث نراه في الرواية يتعمد إلى إحضار النساء للتعرف على الجثث ظنا منه أنهن الأضعف، ولكنه ما درى أن نساء فلسطين الذكيات الصابرات الصامدات أذكى من ذلك. حيث كان من ذكائهن تعمدهن عدم النظر إلى تلك الجثث مباشرة، إضافة إلى التحلي بالصبر والإيمان، سلاحهن القوي المتوارث عبر الأجيال.
وللوحدة الوطنية أيضا حضورها القوي حيث يتطلب الأمر. فالكاتب يذكر لنا كيف أنه في إضراب 1936، ” اتفق أعيان المدن وقرروا خلع الطرابيش واعتمار الكوفيات كي لا يميز العسكر ابن القرية من ابن المدينة.”
ويثير الكاتب تساؤلا منطقيا على لسان عباس حين قال: ” فهل سعادتنا على حساب دماء الاخرين؟”
فلو نظرنا إلى واقعنا الذي نعيشه، للاحظنا أن التاريخ يعيد نفسه. فهناك دوما في حركات التحرر الوطنية في كل أرجاء العالم من يركنون إلى فئة معينة؛ لتولي مهمة النضال بينما يجلسون هم – أصحاب المناصب المختلفة- يرقبون الوضع من بعيد متعطشين للحرية والثراء الذين يضمنان لهما السعادة والبقاء.
وعادة ما يكون أولئك المتكاسلون من أبناء الطبقة الثرية الذين يخشون على مصالحهم وأموالهم، فيسقطون في مستنقع الفساد بأشكاله، والذي أكثره عمقا وقذارة هو السياسي.
وللعملاء حكاية أخرى. حيث يتضح من خلال الرواية كيف ساهموا في اغتيال بعض الشخصيات، وكيف أنهم –وإن ارتدوا قناع البراءة طويلا-سيكشفون وتبان وجوههم الحقيقية، وستكون خاتمتهم سيئة. حينها سيخسرون كل شيء، كل شيء.
ومما ذُكر في الرواية أيضا من واقعنا السياسي ، ومن القديم المتجدد، هو ظاهرة بيع الأراضي لليهود. وما عائلة سرسق في الرواية إلا مثال على ذلك. وها هو الحال يتكرر في سلوان بالقدس هذه الأيام وإن اختلف الزمان والمكان والأشخاص.
ولقد كان لنشيد الحماس الوطني الدور الكبير في بث الروح المعنوية في نفوس الفلسطينيين ومساعدتهم على التغلب على قسوة أوضاعهم التي يعيشون. ذاك النشيد الذي ما كان ليرى النور لولا ما عاشه أبناء شعبنا من ويلات وما قاسوه من نكبات. فكان هذا الشعر والنشيد سلاحا معنويا من أسلحة الروح في حربها ضد الظلم.وما” يا ظلام السجن خيّم” إلا مثال من بين عشرات الأمثلة على ذلك.
والقدس الجريحة حالها كما هو. فعندما ذهب عباس وفايز لاستكشاف القدس وأحيائها وشوارعها بعد أن هجروا إليها، وجدوها تئن وتبكي رغم شموخها اللامحدود. وما حصارها اليوم بمختلف عما كان يومها إلا قليلا.
ومما تجدر الإشارة إليه أن أحد الشخصيات الثانوية في الرواية والتي ذكرت في جزء بسيط منها، ألا وهي شخصية ” أبو طارق العيساوي” لفتت انتباهي للوهلة الأولى. حيث أنني كفلسطينية شابة عاصرت اعتقال البطل سامر العيساوي ونضاله الطويل في سبيل حريته، بت أنجذب لكل ما يتعلق بعائلته من تفاصيل؛ لأن ثمة شيء حدثني أن لهذه العائلة حتما مسيرة نضال طويلة. وبعد سؤال الكاتب عن الشخصية أجاء ذكرها محض صدفة أم أن أنه فعلا جد سامر العيساوي؟ أكد لي الكاتب الأستاذ جميل السلحوت أن المذكور هو أحمد علي العيساوي، وهو جد سامر العيساوي.
ثانيا:الناحية الاجتماعية:
ربما يكون الجانب الاجتماعي في الرواية أحد أهم عوامل الجذب التي شدتني إلى الرواية. ففي “أميرة” وجدت البساطة الاجتماعية والعفوية والجمال الذي نحنّ إليه في أيامنا هذه. وفي هذا القسم، سأعرض سريعا بعضا من الجوانب الاجتماعية في الرواية.
بداية، كانت “الداية” تمثل جزءا مهما من النسيج الاجتماعي الفلسطيني باعتبارها قادرة على دخول بيوت الناس من كافة الطبقات، وعلى يديها ولد الكثيرون، الآباء وأبناؤهم أحيانا. ولأنها كذلك، لأنها بعد إذن الله ومشيئته سبب في بعث الحياة في بيوت طالما اتسمت بالهدوء، وجب تقديرها وإكرامها، كما يتضح من إكرام عائلة المحمود لكاترينا.
على يدي كاترينا جاءت أميرة لتعطي الحياة معنى مختلفا، ولتضيء ذلك القصر الذي كان فاتحا ذراعيه لمولود عباس الجديد.
ما لفت انتباهي وأثار تساؤلاتي هنا هو حجم الاحتفال الذي حظيت به أميرة لدى قدومها. ففي مجتمعنا الفلسطيني عادة ما ترغب العائلة بأن يكون أطفالها من الذكور، خاصة حين يكون المولود الأول للابن الوحيد كما هو الحال مع عباس. ولكننا في الرواية نجد أن عباس وأباه رحبّا بأميرتهما أجمل ترحيب، وأقاما لأجلها الاحتفالات والفعاليات. وكأنهما كانا يشعران بما ستعانيه!
أما سعدية والتي وضعت مولودتها للتوّ، فقد تمنت لو أنّها أنجبت ذكرا، فقط لتتجنب ما ستسمعه من هنا وهناك، وكأن الأمر بيدها! وحماة سعدية “أم عباس” لم يرق لها عدم تسمية حفيدتها باسمها، وهذه عادة اجتماعية لا تزال قائمة في بعض قرانا حتى اليوم.
أبو عباس بدا رجلا عاقلا متفهما عند ولادة حفيدته. وقال ” “البيوت بدون أطفال تكون خرابا”. هذه الفلسفة التي راقت لي تعكس جانبا اجتماعيا مهما، ألا وهو الحاجة الدائمة إلى وجود من يبث الحياة في أرجاء البيت، ولن يكون غير طفل أو طفلة.
ولأن أبا عباس رجل عقلاني كما يبدو، فقد تجرأ العامل سعيد ودعا له بأن يعمّر بيته بالصبايا والبنات. الجميل حقا ومجددا هو ترحيب المدعو له بالدعاء.
ومن المواقف الاجتماعية التي اتضحت لدى ميلاد أميرة نظرة الأمّ إلى حماة ابنها، حيث أن أمّ عباس ظنت ظن السوء في أم سعدية، وظنتها سبب منع عباس من تسمية ابنته باسم أمّه. وهذه المواقف المرتبطة بـ “كيد النساء” لا تزال حاضرة في حياتنا وظاهرة للعيان، وإن لم تكن تمثل الحالة السائدة.
وللاحتفالات الفلسطينية خاصة في مواسم الأعراس وطهور الصبيان طقوسها المميزة، والتي تتجلى واضحة في الأغاني الشعبية الفلسطينية و”المهاهاة” في مواسم الأفراح. وقد أورد الكاتب غير قليل منها في سياقات مختلفة.
والمهاهاة، هي ذلك الجزء الذي يتحول إلى الجزء الأبرز في الأعراس، وذلك حين تهاهي أمّ العروس لابنتها يوم زفافها، فترد أمّ العريس بمهاهاة لابنها مستبدلة اسم زوجته باسمه، أو العكس. وأنا من الأشخاص الذين يحبون هذه الفقرة لأنني أستطيع من خلالها قراءة الكثير عن الطرفين من ناحية، وأستمتع بكلماتها من ناحية أخرى.
ومن العادات الاجتماعية التي أشار إليها الكاتب في روايته هي طلب العروس لعريسها عند ميلادها، كما حصل مع أميرة. صحيح أننا لا ندري هل زفت أميرة أم لا؟ هل وصلت بلدها بسلام أم لا؟ وإن زفت فإلى أيّ الرجال زفت ومتى، ولكننا ندرك جيدا أن هذه العادة الاجتماعية ظلت قائمة إلى زمن غير بعيد في بلادنا.
وكذلك أشار الكاتب إلى عادة طلب يد الأرملة إلى شقيق زوجها. فنبيهة مرت بهذه التجربة، حيث ألقى حموها عباءته عليها في إشارة بأنه يطلب يدها لشقيق زوجها الشهيد بعد انتهاء فترة العدة الشرعية.
ولسحر الأطفال وتأثيرهم على آبائهم حضوره في الرواية. حيث استطاعت أميرة أن تعيد البسمة لوجه أبيها لحظة انفعال وغضب بعد أن سمع من فايز كلام أهل القرية عن أبيه. فيا ربّ لا تحرم أحدا نعمة الأطفال.
وأورد الكاتب كذلك تفاصيل تتعلق بالتغير الذي يحدث في الأسرة عند قدوم المولود الثاني واصفا “العدائية” التي يحملها الطفل الأول للثاني. فغيرة أميرة من شقيقها “محمد عيسى” كادت أن تودي بحياته عندما حاولت خنقه.
أمّا بعد الهجرة القسرية لشعبنا، وبعد أن تفرق أبناء الأسرة الواحدة في بلدان مختلفة، فقد اتخذ التواصل بينهم شكلا آخر يتمثل في استخدام المذياع لإيصال رسائل تسمعها أذن الآلاف لتنقلها إلى أصحابها. ما أصعبه من موقف! وما أجمله حين يخترق أذنيك صوت من تحبهم وتشتاقه!.
ثالثا:الأمثال الشعبية الفلسطينية
استخدم الكاتب في روايته غير قليل من الأمثال الشعبية الفلسطينية التي ساهمت في تعميق الفكرة أحيانا، وتوضيحها أحيانا أخرى. وفيما يلي أذكر ما ورد من أمثال، آملة بأن لا يكون قد فاتني منها شيء، فلكل منها دلالته وأهميته في السياق الذي قيلت فيه. وما ذكرها هنا إلا لتبقى حاضرة في أدمغتنا التي أثقلتها التكنولوجيا و”الأمثال” المرافقة لها.
– طب الجرة على ثمها بتطلع البنت لأمها.
– ما أغلى من الإبن إلا ابن الإبن.
– فلانة ما بتخلي مركب ساير.
– ولاد الحرام ما خلوا لاولاد الحلال مطرح.
– الموت مع الجماعة فرج.
– السكوت علامة الرضا.
– اللي ايده في النار مش مثل اللي يتدفا عليها.
– الكف ما بناطح المخرز.
– لكل بيت مزبلة.
– ذنب الكلب أعوج.
– – ابعد تحلى.
– العين بصيرة واليد قصيرة.
– عشان عين تكرم مرج عيون.
– اللي استحوا ماتوا.
– نومي غُزلاني.
قطعت جهينة قول كل خطيب.
– اطعم الفم تستحي العين.
– خذ فالها من أطفالها.
– اللي يتزوج أمي هو عمي.
– موت الفقير وتعريس الغني ما حدا يتكلم فيهن.
– أجت الحزينة تفرح ما لقت لها مطرح.
– المكتوب على الجبين تشوفه العين.
– بيت السبع لا يخلو من العظام.
– كالذي يقتل القتيل ويمشي في جنازته.
– الدم ما بصير ميه.
– ياما تحت السواهي دواهي.
– إذا راحت الدار فلا أسف على الخبايا.
رابعا: لحظات مؤثرة
لا تخلو الرواية بطيعة الحال من بعض اللحظات والتشبيهات والأسماء المؤثرة إنسانيا وعاطفيا واجتماعيا. ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
– “لفحته رائحة البرتقال فانتعش قليلا”
لقد أثر فيّ هذا الوصف أشد التأثير. فلقد خلت برتقال يافا متدليا أمامي ورائحته تعطر المكان، فانتعشت روحي حد الإدمان.
– “تبخترت السحوب على رمال الشاطئ كما العروس”
هنا تمشي العراقة بثقة وكبرياء. ما أجمله من وصف!
– محلات أبو العافية في يافا.
لا تستغربوا!
فلقد كنت في زيارة إلى يافا في منتصف أيار الماضي. وتناولت وجبة غدائي في محلات أبو العافية. حينها قال لي بعضهم: “السمك لذيذ. ليتك تناولته بدلا من تلك الوجبة السريعة.” فقلت : “لا أحب السمك.”
ولمن لا يعرف محلات أبو العافية، فهي ذات بناء قديم تفوح منه رائحة الأصالة. تعمل فيه عائلة عربية تتكلم العبرية حيث يقتضي الأمر. وإنني أؤكد أن تناول وجبة هناك أمر لا ينسى.
– “يمّة يا أميرة”
دمعة أخرى انهالت على خدي عندما قرأت هذه العبارة. فسعدية تسمع أخبار ابنتها من ذاك المذياع، وبينهما مسافات. ما أصعبه من موقف وما أدقه من وصف!
ومما أثر في أيضا هو لقاء سعدية بأمّها في ساحات الأقصى من بعد طول غياب.
وددت لو:
للحظة ما وددتُ لو أن لــ “أميرة” نهاية أخرى أراها فيها حيث ستصبح. لكنني بعد قليل من التفكير وجدت أن هذه النهاية هي الأفضل. ولنرسم ما شئنا من نهايات لما بعد عودتها.
25-10-2014
* صدرت رواية “أميرة”للأديب المقدسي جميل السلحوت عام 2014عن دار الجندي للنشر والتوزيع في القدس، وتقع في 222 صفحة من الحجم المتوسط.لدى سماعي لاسم الرواية “أميرة” للكاتب جميل السلحوت لأول مرة، أصبت بحالة من الفضول لقراءتها من أجل معرفة أميرة. أردت أن أعرف أأميرة قصر هي أم أميرة قلب؟
“أميرة” هي العمل الأول الذي أقرؤه للكاتب جميل السلحوت، وأظنه لن يكون الأخير. فلقد وجدت في الرواية من بساطة السرد ودقة الوصف إجمالا ما لفت انتباهي وجذبني إليها، جاعلا إياها رفيقتي صباح مساء، لأتم قراءتها متعمقة في تفاصيل “أميرة” ومكتشفة لماهيتها. ذلك أنني أفضل من الكلام أبسطه، ومن الأسلوب سهله الممتنع، ولقد وجدت هذا في بعض التشبيهات والصور الفنية التي استخدمها الكاتب في روايته.
افتتحت الرواية بوصف جميل لميلاد أميرة ابنة عباس ابن طاهر المحمود. أميرة، الابنة الكبرى لعباس، تخيلتها أنا، وإن لم أكن حظيت بما حظيت به من حسن الاستقبال وعظيم الاحتفال. فإن كانت أميرة أميرة قلب والديها ، فأنا – الابنة الكبرى لعائلتي- أميرتها أيضا. ولا أخفيكم هنا أنني لم أستطع منع الدمعة من القفز من بين أهدابي أثناء قراءتي للجزء المتعلق بميلاد أميرة.
جاءت أميرة إلى الدنيا، رسمت البسمة على الشفاه، وأعطت للحياة معنى في ذلك القصر الجامد الذي احتضنها إلى جانب والديها وجدّيها. ثم مرّت الأيام، وفارقت أميرة القصر لتعيش حياة ما اعتادت عليها يوما. حيث شاء لها القدر أن تكون بعيدة عن والديها، كما الطير مكسور الجناح وإن وَجد من يحتضنه. ودارت الأيام لتعود أميرة إلى حضن والدها الذي سينقلها إلى حيث كانت، أقصد إلى حيث فُرض عليها أن تكون. وبين هذا وذاك، تدور أحداث الرواية. ولا ننسى أن أميرة غادرت طفلة وعادت طفلة، أي أن كل ما جرى وأصاب شعبها وغير حياتها وحياة أهلها، كان خلال مدة زمنية قليلة. وصدق من قال: “دوام الحال من المحال.”
لقد رأيت في “أميرة” حكاية شعب ووطن، ومرآة للحياة الاجتماعية والسياسية في فلسطين خلال حقبة تاريخية مفصلية. وفيما يلي، سأتطرق بإيجاز إلى بعض الأمور المتعلقة بهذه الجوانب.
أولا: الناحية السياسية:
لا يخفى على قارئ الرواية أنها حافلة بالعديد من الأحداث السياسية التي مرّت على الشعب الفلسطيني، بعضها ذُكر بشيء من التفصيل، وبعضها الاخر أشير إليه إشارة عابرة تحمل بين طياتها الأمل والألم. ولكن ما يجمع الشيئين هو إعطاء القارئ الفرصة ليتذكر أنه كان له وطن ينتقل فيه المواطن من يافا إلى القدس، ومن الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب دون قيود أو حدود.
فلو أخذنا قصر أبي عباس كمثال ، نجد أن الكاتب وصفه بدقة وذكر أن مقتنياته وصخوره وأثاثه أحضرت من مناطق مختلفة، منها بيت جالا وسفوح جبل الكرمل الغربية والشام والقاهرة وبلاد فارس وغيرها. هنا تتجسد الوحدة والروح العربية في حيز مكاني صغير مهما كبر . وينبعث في النفس شيء من الحنين لشيء لم نعشه نحن أبناء هذا الجيل، لكننا طالما وددنا لو شعرنا به. ولتخيل شعور ذاك الذي يعيش في قصر كل شيء فيه أحضر من بقعة من وطنه، تذكر نفسك عزيزي القارئ وأنت تستمتع بصدفات بحرية جئت بها من بحر يافا أو شاطئ عكا بعد رحلة من العذاب.
وتاريخ الشعب الفلسطيني وتأريخه للأحداث الشخصية بات إلى حد مات مرتبطا بالأحداث السياسية. فانظروا معي عندما سأل المأذون عن عمر سعدية يوم زفافها، قال والدها : (عندما أعدم الإنجليز الشهداء الثلاثة محمد جمجوم وعطا الزير وفؤاد حجازي، كان عمرها ثلاثة أيام.”
ومن الأحداث التي ذكرها الكاتب في روايته أيضا هي المواجهات التي دارت في الثاني من شهر تشرين الثاني لعام 1945 في ذكرى وعد بلفور. وكذلك الأسلوب القذر التي كان يُتبع في التحقيق مع الفلسطينيين من أجل استفزازهم وإجبارهم على الادلاء باعترافاتهم أو التنازل عن ممتلكاتهم. إضافة إلى الإشارة إلى مذابح دير ياسين والطنطورة واستشهاد عبد القادر الحسيني وغيرها، ووصف المذابح الإسرائيلية وحال الفلسطينيين بعد التهجير من قراهم.
وكذلك تعرض الكاتب إلى دور المرأة في النضال الفلسطيني. فعلى سبيل المثال، سعدية – زوجة عباس – هي من اقترحت عليه المشاركة في النضال وشجعته على ذلك لتكون سببا من أسباب التغير المفصلي في شخصيته، وليقول لاحقا لقاسم بينما كانا في ساحات الأقصى:”لن أكون إلا شجرة زيتون في هذا الوطن.”
وأشار الكاتب أيضا إلى المرأة الفلسطينية القيادية مثل السيدة مهيبة خورشيد من جمعية زهرة الأقحوان بيافا ودورها – كما غيرها- في مسيرة النضال الفلسطيني وجمع التبرعات ونحوها.
وتجسد دور المرأة المناضلة أيضا في مساعدة الجرحى والمطاردين، كما فعلت إحداهن في مساعدة مصطفى عندما خلعت غطاء رأسها وأعطته إياه لتضميد جراحه. وكذلك لا ننسى والدة مختار قرية دير الأسد وحنينها على مصطفى، حيث كانت بمثابة أمّه التي لم تلده.
ويعتبر اقتراح زوجة فايز بتزويجه لأرملة الشهيد سعيد مثالا على تضحية المرأة الفلسطينية واتساع مداركها وعمق تفكيرها. ويبقى السؤال: هل تركت لنا هذه المرأة من يشبهها في هذا التفكير؟
ويرتبط بقسوة الوضع السياسي آنذاك ، وعلى الطرف الآخر من المعادلة، ما يسمى بالحسّ الوطني والذكاء الحربي، وهما مرتبطان إلى حد كبير بالتكافل الاجتماعي والحنكة السياسية التي بموجبها يرفض الفلسطيني السماح لعدوه بالنيل منه. ذاك الحسّ الذي يوازن المعادلة ليدب الأمل في أرواح الفلسطينيين وقلوبهم. ولنأخذ إنكار معرفة الشهداء كمثال. فرغم صعوبة الموقف، أي أن يمر أحدهم على سبيل المثال بأحد أقاربه أو أصدقائه شهيدا ملطخا بدمائه وينكر معرفته له، فذلك والله شيء عظيم، وموقف ينتصر فيه العقل على العاطفة. ومن أمثلة ذلك في الرواية إنكار طاهر المحمود معرفة أي من الشهداء الذين أُحضر للتعرف عليهم رغم أن صهره كان من بينهم.
والعدو الجاهل يظن نفسه ذكيا. حيث نراه في الرواية يتعمد إلى إحضار النساء للتعرف على الجثث ظنا منه أنهن الأضعف، ولكنه ما درى أن نساء فلسطين الذكيات الصابرات الصامدات أذكى من ذلك. حيث كان من ذكائهن تعمدهن عدم النظر إلى تلك الجثث مباشرة، إضافة إلى التحلي بالصبر والإيمان، سلاحهن القوي المتوارث عبر الأجيال.
وللوحدة الوطنية أيضا حضورها القوي حيث يتطلب الأمر. فالكاتب يذكر لنا كيف أنه في إضراب 1936، ” اتفق أعيان المدن وقرروا خلع الطرابيش واعتمار الكوفيات كي لا يميز العسكر ابن القرية من ابن المدينة.”
ويثير الكاتب تساؤلا منطقيا على لسان عباس حين قال: ” فهل سعادتنا على حساب دماء الاخرين؟”
فلو نظرنا إلى واقعنا الذي نعيشه، للاحظنا أن التاريخ يعيد نفسه. فهناك دوما في حركات التحرر الوطنية في كل أرجاء العالم من يركنون إلى فئة معينة؛ لتولي مهمة النضال بينما يجلسون هم – أصحاب المناصب المختلفة- يرقبون الوضع من بعيد متعطشين للحرية والثراء الذين يضمنان لهما السعادة والبقاء.
وعادة ما يكون أولئك المتكاسلون من أبناء الطبقة الثرية الذين يخشون على مصالحهم وأموالهم، فيسقطون في مستنقع الفساد بأشكاله، والذي أكثره عمقا وقذارة هو السياسي.
وللعملاء حكاية أخرى. حيث يتضح من خلال الرواية كيف ساهموا في اغتيال بعض الشخصيات، وكيف أنهم –وإن ارتدوا قناع البراءة طويلا-سيكشفون وتبان وجوههم الحقيقية، وستكون خاتمتهم سيئة. حينها سيخسرون كل شيء، كل شيء.
ومما ذُكر في الرواية أيضا من واقعنا السياسي ، ومن القديم المتجدد، هو ظاهرة بيع الأراضي لليهود. وما عائلة سرسق في الرواية إلا مثال على ذلك. وها هو الحال يتكرر في سلوان بالقدس هذه الأيام وإن اختلف الزمان والمكان والأشخاص.
ولقد كان لنشيد الحماس الوطني الدور الكبير في بث الروح المعنوية في نفوس الفلسطينيين ومساعدتهم على التغلب على قسوة أوضاعهم التي يعيشون. ذاك النشيد الذي ما كان ليرى النور لولا ما عاشه أبناء شعبنا من ويلات وما قاسوه من نكبات. فكان هذا الشعر والنشيد سلاحا معنويا من أسلحة الروح في حربها ضد الظلم.وما” يا ظلام السجن خيّم” إلا مثال من بين عشرات الأمثلة على ذلك.
والقدس الجريحة حالها كما هو. فعندما ذهب عباس وفايز لاستكشاف القدس وأحيائها وشوارعها بعد أن هجروا إليها، وجدوها تئن وتبكي رغم شموخها اللامحدود. وما حصارها اليوم بمختلف عما كان يومها إلا قليلا.
ومما تجدر الإشارة إليه أن أحد الشخصيات الثانوية في الرواية والتي ذكرت في جزء بسيط منها، ألا وهي شخصية ” أبو طارق العيساوي” لفتت انتباهي للوهلة الأولى. حيث أنني كفلسطينية شابة عاصرت اعتقال البطل سامر العيساوي ونضاله الطويل في سبيل حريته، بت أنجذب لكل ما يتعلق بعائلته من تفاصيل؛ لأن ثمة شيء حدثني أن لهذه العائلة حتما مسيرة نضال طويلة. وبعد سؤال الكاتب عن الشخصية أجاء ذكرها محض صدفة أم أن أنه فعلا جد سامر العيساوي؟ أكد لي الكاتب الأستاذ جميل السلحوت أن المذكور هو أحمد علي العيساوي، وهو جد سامر العيساوي.
ثانيا:الناحية الاجتماعية:
ربما يكون الجانب الاجتماعي في الرواية أحد أهم عوامل الجذب التي شدتني إلى الرواية. ففي “أميرة” وجدت البساطة الاجتماعية والعفوية والجمال الذي نحنّ إليه في أيامنا هذه. وفي هذا القسم، سأعرض سريعا بعضا من الجوانب الاجتماعية في الرواية.
بداية، كانت “الداية” تمثل جزءا مهما من النسيج الاجتماعي الفلسطيني باعتبارها قادرة على دخول بيوت الناس من كافة الطبقات، وعلى يديها ولد الكثيرون، الآباء وأبناؤهم أحيانا. ولأنها كذلك، لأنها بعد إذن الله ومشيئته سبب في بعث الحياة في بيوت طالما اتسمت بالهدوء، وجب تقديرها وإكرامها، كما يتضح من إكرام عائلة المحمود لكاترينا.
على يدي كاترينا جاءت أميرة لتعطي الحياة معنى مختلفا، ولتضيء ذلك القصر الذي كان فاتحا ذراعيه لمولود عباس الجديد.
ما لفت انتباهي وأثار تساؤلاتي هنا هو حجم الاحتفال الذي حظيت به أميرة لدى قدومها. ففي مجتمعنا الفلسطيني عادة ما ترغب العائلة بأن يكون أطفالها من الذكور، خاصة حين يكون المولود الأول للابن الوحيد كما هو الحال مع عباس. ولكننا في الرواية نجد أن عباس وأباه رحبّا بأميرتهما أجمل ترحيب، وأقاما لأجلها الاحتفالات والفعاليات. وكأنهما كانا يشعران بما ستعانيه!
أما سعدية والتي وضعت مولودتها للتوّ، فقد تمنت لو أنّها أنجبت ذكرا، فقط لتتجنب ما ستسمعه من هنا وهناك، وكأن الأمر بيدها! وحماة سعدية “أم عباس” لم يرق لها عدم تسمية حفيدتها باسمها، وهذه عادة اجتماعية لا تزال قائمة في بعض قرانا حتى اليوم.
أبو عباس بدا رجلا عاقلا متفهما عند ولادة حفيدته. وقال ” “البيوت بدون أطفال تكون خرابا”. هذه الفلسفة التي راقت لي تعكس جانبا اجتماعيا مهما، ألا وهو الحاجة الدائمة إلى وجود من يبث الحياة في أرجاء البيت، ولن يكون غير طفل أو طفلة.
ولأن أبا عباس رجل عقلاني كما يبدو، فقد تجرأ العامل سعيد ودعا له بأن يعمّر بيته بالصبايا والبنات. الجميل حقا ومجددا هو ترحيب المدعو له بالدعاء.
ومن المواقف الاجتماعية التي اتضحت لدى ميلاد أميرة نظرة الأمّ إلى حماة ابنها، حيث أن أمّ عباس ظنت ظن السوء في أم سعدية، وظنتها سبب منع عباس من تسمية ابنته باسم أمّه. وهذه المواقف المرتبطة بـ “كيد النساء” لا تزال حاضرة في حياتنا وظاهرة للعيان، وإن لم تكن تمثل الحالة السائدة.
وللاحتفالات الفلسطينية خاصة في مواسم الأعراس وطهور الصبيان طقوسها المميزة، والتي تتجلى واضحة في الأغاني الشعبية الفلسطينية و”المهاهاة” في مواسم الأفراح. وقد أورد الكاتب غير قليل منها في سياقات مختلفة.
والمهاهاة، هي ذلك الجزء الذي يتحول إلى الجزء الأبرز في الأعراس، وذلك حين تهاهي أمّ العروس لابنتها يوم زفافها، فترد أمّ العريس بمهاهاة لابنها مستبدلة اسم زوجته باسمه، أو العكس. وأنا من الأشخاص الذين يحبون هذه الفقرة لأنني أستطيع من خلالها قراءة الكثير عن الطرفين من ناحية، وأستمتع بكلماتها من ناحية أخرى.
ومن العادات الاجتماعية التي أشار إليها الكاتب في روايته هي طلب العروس لعريسها عند ميلادها، كما حصل مع أميرة. صحيح أننا لا ندري هل زفت أميرة أم لا؟ هل وصلت بلدها بسلام أم لا؟ وإن زفت فإلى أيّ الرجال زفت ومتى، ولكننا ندرك جيدا أن هذه العادة الاجتماعية ظلت قائمة إلى زمن غير بعيد في بلادنا.
وكذلك أشار الكاتب إلى عادة طلب يد الأرملة إلى شقيق زوجها. فنبيهة مرت بهذه التجربة، حيث ألقى حموها عباءته عليها في إشارة بأنه يطلب يدها لشقيق زوجها الشهيد بعد انتهاء فترة العدة الشرعية.
ولسحر الأطفال وتأثيرهم على آبائهم حضوره في الرواية. حيث استطاعت أميرة أن تعيد البسمة لوجه أبيها لحظة انفعال وغضب بعد أن سمع من فايز كلام أهل القرية عن أبيه. فيا ربّ لا تحرم أحدا نعمة الأطفال.
وأورد الكاتب كذلك تفاصيل تتعلق بالتغير الذي يحدث في الأسرة عند قدوم المولود الثاني واصفا “العدائية” التي يحملها الطفل الأول للثاني. فغيرة أميرة من شقيقها “محمد عيسى” كادت أن تودي بحياته عندما حاولت خنقه.
أمّا بعد الهجرة القسرية لشعبنا، وبعد أن تفرق أبناء الأسرة الواحدة في بلدان مختلفة، فقد اتخذ التواصل بينهم شكلا آخر يتمثل في استخدام المذياع لإيصال رسائل تسمعها أذن الآلاف لتنقلها إلى أصحابها. ما أصعبه من موقف! وما أجمله حين يخترق أذنيك صوت من تحبهم وتشتاقه!.
ثالثا:الأمثال الشعبية الفلسطينية
استخدم الكاتب في روايته غير قليل من الأمثال الشعبية الفلسطينية التي ساهمت في تعميق الفكرة أحيانا، وتوضيحها أحيانا أخرى. وفيما يلي أذكر ما ورد من أمثال، آملة بأن لا يكون قد فاتني منها شيء، فلكل منها دلالته وأهميته في السياق الذي قيلت فيه. وما ذكرها هنا إلا لتبقى حاضرة في أدمغتنا التي أثقلتها التكنولوجيا و”الأمثال” المرافقة لها.
– طب الجرة على ثمها بتطلع البنت لأمها.
– ما أغلى من الإبن إلا ابن الإبن.
– فلانة ما بتخلي مركب ساير.
– ولاد الحرام ما خلوا لاولاد الحلال مطرح.
– الموت مع الجماعة فرج.
– السكوت علامة الرضا.
– اللي ايده في النار مش مثل اللي يتدفا عليها.
– الكف ما بناطح المخرز.
– لكل بيت مزبلة.
– ذنب الكلب أعوج.
– – ابعد تحلى.
– العين بصيرة واليد قصيرة.
– عشان عين تكرم مرج عيون.
– اللي استحوا ماتوا.
– نومي غُزلاني.
قطعت جهينة قول كل خطيب.
– اطعم الفم تستحي العين.
– خذ فالها من أطفالها.
– اللي يتزوج أمي هو عمي.
– موت الفقير وتعريس الغني ما حدا يتكلم فيهن.
– أجت الحزينة تفرح ما لقت لها مطرح.
– المكتوب على الجبين تشوفه العين.
– بيت السبع لا يخلو من العظام.
– كالذي يقتل القتيل ويمشي في جنازته.
– الدم ما بصير ميه.
– ياما تحت السواهي دواهي.
– إذا راحت الدار فلا أسف على الخبايا.
رابعا: لحظات مؤثرة
لا تخلو الرواية بطيعة الحال من بعض اللحظات والتشبيهات والأسماء المؤثرة إنسانيا وعاطفيا واجتماعيا. ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
– “لفحته رائحة البرتقال فانتعش قليلا”
لقد أثر فيّ هذا الوصف أشد التأثير. فلقد خلت برتقال يافا متدليا أمامي ورائحته تعطر المكان، فانتعشت روحي حد الإدمان.
– “تبخترت السحوب على رمال الشاطئ كما العروس”
هنا تمشي العراقة بثقة وكبرياء. ما أجمله من وصف!
– محلات أبو العافية في يافا.
لا تستغربوا!
فلقد كنت في زيارة إلى يافا في منتصف أيار الماضي. وتناولت وجبة غدائي في محلات أبو العافية. حينها قال لي بعضهم: “السمك لذيذ. ليتك تناولته بدلا من تلك الوجبة السريعة.” فقلت : “لا أحب السمك.”
ولمن لا يعرف محلات أبو العافية، فهي ذات بناء قديم تفوح منه رائحة الأصالة. تعمل فيه عائلة عربية تتكلم العبرية حيث يقتضي الأمر. وإنني أؤكد أن تناول وجبة هناك أمر لا ينسى.
– “يمّة يا أميرة”
دمعة أخرى انهالت على خدي عندما قرأت هذه العبارة. فسعدية تسمع أخبار ابنتها من ذاك المذياع، وبينهما مسافات. ما أصعبه من موقف وما أدقه من وصف!
ومما أثر في أيضا هو لقاء سعدية بأمّها في ساحات الأقصى من بعد طول غياب.
وددت لو:
للحظة ما وددتُ لو أن لــ “أميرة” نهاية أخرى أراها فيها حيث ستصبح. لكنني بعد قليل من التفكير وجدت أن هذه النهاية هي الأفضل. ولنرسم ما شئنا من نهايات لما بعد عودتها.
25-10-2014
* صدرت رواية “أميرة”للأديب المقدسي جميل السلحوت عام 2014عن دار الجندي للنشر والتوزيع في القدس، وتقع في 222 صفحة من الحجم المتوسط.
بقلم: دعاء عليان