مسجد الجليل عكا: من عتمة الهجران لنور العمران
تاريخ النشر: 28/10/14 | 23:14طريقه كانت وعرة موحشة ، شكله آنذاك لم يكن يوحي الى مكانته السامية الطاهرة التي يجب أن يكون عليها كغيره من أماكن العبادة ، انه مسجد الجليل في عكا كما اصطلح على تسميته حديثا بعد ما كان جزءاً من مدرسة خاصة لشريحة الطلاب الذين كانوا يعانون من مشكلات اجتماعية وعائلية.
هذا المسجد المستحدث بقي يرزح تحت نير التدنيس والانتهاك من قبل مجموعات الفساد والانحلال الأخلاقي سنين طويلة ، حتى علمت مؤسسة الاقصى من عضو إدارتها و مندوبها في عكا مروان حمّاد بأمره ، فهرعت نحوه لمعاينته والوقوف على حاله ، وفي نوفمبر تشرين الثاني (21/11) من العام 2013 كان اللقاء الأول الذي منه بدأت الحكاية .
لم يكن طاقم المؤسسة يعلم أن ما سمعه من قصص وحكايات سيئة عن هذا المكان ستظهر شاخصة أمامهم ، حتى اقتربوا من مدخله الرئيسي ليباغتهم رجل وامرأة بلسان عبري ومظهر مزرٍ يخرجان منه وتبدوان عليهما علامات الفزع والخوف ، وأخذا يبرران سبب وجودهما فيه حتى تبين وفق قولهما أنهما يعيشان معا في المسجد منذ فترة طويلة لانهما لم يجدا ملجئاً سواه ، وكان واضحا عليهما أنهما يتعاطان المخدرات.
بعد ذلك أخذ الرجل يحكي لطاقم المؤسسة الظروف التي يعيشها المسجد ، وحجم الأذى الذي لحق به من قبل الجهات التي ترتاده ، حتى قال انه أًصبح ملاذا آمنا لمتعاطي المخدرات في المدينة ، ووكرا لممارسة الرذيلة ، مستشهدا بحقن التخدير التي كانت تملأ الأرض فضلا عن مخلفات أعمال الرذيلة .
وبعد أن وقفت مؤسسة الاقصى على حال المسجد المستباح ، أيقنت أن الوقت قد حان لأخذ زمام المبادرة ونفض غبار الأذى والفساد عنه وإعادة الهيبة له حتى يستخدم لهدفه الأصلي ؛ فبدأت على الفور بمساعدة مندوبها هناك مروان حمّاد – المختص في ترميم المباني الأثرية – معاينة حال المسجد ووضع خطة عمل شاملة لتنظيفه واعادة اعماره .
وفي غضون ذلك بدأت سواعد الخير تعمل في المسجد وتزيل منه الأوساخ والقاذورات ، كما قامت بحملة تنظيف كاملة لمحيطه الذي كان عبارة عن كتل من الأتربة ومخلفات البناء والأوساخ والأعشاب ، كما شقت له طريقا رئيسيا ليسهل الوصول اليه ، وكل ذلك كان بواسطة كادر مهني مختص .
ومنذ ذلك الحين يشهد المسجد حركة عمرانية نشطة ، حيث تم تنظيف جدرانه الداخلية من آثار الحريق ، واعادة طلائه من الداخل وتصليح سقفه التلف و قبته من الداخل والخارج وصيانتها ، ومدهِ بشبكات الكهرباء والماء ، فضلا عن تبليط كامل أرضيته وبناء حمامات وأماكن للوضوء وبناء جدار جديد وبوابات حول المسجد لحمايته والحفاظ عليه ، كما جرى تركيب نوافذ له.
وفي الخارج خضعت جميع واجهات المسجد الى عمليات تنظيف وتكحيل للحجارة ذات الطابع الأثري ، وذلك على يد كادر مختص في البناء الأثري أشرف عليه الخبير في مجال الترميمات الأثرية مروان حمّاد ، ومن المقرر أن يتم فرش المسجد بالسجاد بهدف افتتاحه بشكل رسمي أمام المصلين .
ويعود تاريخ المصلى الى أواخر الستينيات ، حيث كان يضم مدرسة للطلاب الذين كانوا يعانون من مشكلات عائلية واجتماعية ، وبقي الحال كذلك حتى أوائل الثمانينيات وبعد ذلك تم إغلاق المعهد وبالتالي هُجر المسجد ، وفي عام 2006 تم هدم المعهد بشكل كامل ، وكانت نية لدى الجهات المعنية بهدم المسجد أيضا ، غير أن أهالي عكا وقفوا وقفة رجل واحد وحالوا دون هدمه ، يقول مروان حمّاد ابن مدينة عكا .
وعلى الرغم من صمود المسجد الا انه هُجر لفترة طويلة وصار وكرا للمخدرات ومكانا لممارسة الرذيلة ، وأصبح حاله البنيوي سيئا جدا ، وجدرانه متصدعة وسقفه آيل للسقوط ، يتابع حمّاد .
ويقول المهندس امير خطيب ، مدير مؤسسة الاقصى إنهم تفاجأوا بشكل كبير من هول ما شاهدوه في المسجد ، آثار الحريق كانت واضحة ، والنفايات كانت في كل جانب منه ، مخلفات أعمال الرذيلة كانت تملأ المكان ، الأمر الذي جعلنا نتعجل في تنظيفه واعادة ترميمه ، “فقمنا برفع المشروع الى جمعية ميراثنا التركية لحماية التراث العثماني في فلسطين ، وهي بدورها وافقت على المشروع دون تردد وأعطتنا الضوء الأخضر للبدء به ، ومن هنا لا بد لنا أن نرفع لها أسمى آيات الشكر والعرفان على دعمها لكل مشاريع الترميم والاعمار للمقدسات الاسلامية في الداخل الفلسطيني” .
وبدوره يقول عبد المجيد اغبارية مسؤول قسم المقدسات في مؤسسة الأقصى ان الأخيرة تضع في سلم اولوياتها صيانة المقدسات الإسلامية والمسيحية في القرى المهجرة والمدن الساحلية ، ومسجد الجليل في عكا هو أحد المساجد التي وقفنا عندها أخيرا ، ففي زيارتنا الأولى له قبل بضعة شهور ، لم يكن هناك مسجد ، انما كان وكرا لتعاطي المخدرات وأعمال الرذيلة ، وبدورنا في المؤسسة قمنا بتبني هذا المسجد لإعادة ترميمه وتأهيله من جديد وفتحه للصلاة ، حيث قمنا بإخراج كافة أشكال الأذى منه مستعينين بذلك بفريق مهني مختص واستطعنا بفضل الله أعادة المسجد الى شكله الحقيقي وننتظر افتتاح المسجد للصلاة والعبادة عما قريب بإذن الله تعالى “.
وبهذا الجهد العظيم ُيضاف مسجد الجليل إلى سجل أعمال مؤسسة الاقصى ، ويصبح ما كان لسنين طويلة وكرا لأعمال الرذيلة والفساد ، صرحا اسلاميا ينبض تدَبُّ فيه الحياة ويُرفع منه الأذان الذي يؤكد هوية واسلامية المدينة المستهدفة .
فيديو يوثق حال المسجد لحظة بلحظة قبل وبعد الاعمار: