“أسطول الحرية” سيظل يطارد أعداء الحرية
تاريخ النشر: 22/06/12 | 1:23صدر تقرير مراقب الدولة حول أسطول الحرية، أو سفينة مرمرة، كما تجذرت في وجداننا، وعكس في أجندته قيمة الأخلاق الإنسانية لدى المجتمع والسلطات الإسرائيلية. قيمة حياة الآخرين، قيمة سيادة الدول، قيمة احترام النشاط السياسي، وقيمة احترام الإجماع العالمي. ببساطة لا قيمة لكل ذلك في الوجدان والأخلاق الجمعية الإسرائيلية. لا مكان لكل تلك القيم، لا مكان لها في اهتمام المجتمع الإسرائيلي، هي غير مطروحة في جدول أعماله، وفي جدول تفكيره وفي جدول اهتماماته، هي ليست بأهمية الاقتصاد أو التكنولوجيا، أو القوة العسكرية، أو العلاقات التجارية والدبلوماسية مع الآخرين. هذا ما قاله ببساطة مراقب الدولة، الذي يقول عادة ما لا يريده الآخرون، لكنه سكت بالمطلق عن الجانب الأخلاقي لانطلاق الهجوم العسكري الإسرائيلي على مرمرة كبداية، انتهاء بجثث تسع ملقاة دون ذنب وبسبب من شجاعة أخلاقية نادرة، حملت على أكتافها خطيئة سكوت وبؤس السلطة الفلسطينية والعالم العربي ما قبل ثوراته، مرورا بما جرى على سطح مرمرة.
التقرير لم يتكلم لا عن منطلق الجريمة، ولا عن مجرياتها ولا عن نتائجها. تماما كما أن الوعي لما يرتكبونه من جرائم والحديث عنها، غير موجود على قائمة المجتمع الإسرائيلي أو سلطاته.
لكن التقرير يحوي أخطر مما هو سكوت على الجريمة، فهو يحوي كيفية الإرتقاء بالجريمة، لقد اختار ألا يبحث في الجريمة، بل في أخطائها، واللص أو القاتل يبحث في أخطاء جريمته، كي لا يكرر هذه الأخطاء، وليس كي لا يكرر الجريمة. هو تقرير يبحث عن “الجريمة الكاملة”. وهذا منطق معظم لجان التحقيق الإسرائيلية.
لقد تركز “التحقيق” حول الأخطاء الإدارية والإعلامية والتقنية، للسيطرة على السفينة، لكن حتى لو قبلنا منطق “الأخطاء أثناء الجريمة”، فقد وقع التقرير في مصيدة لا يبررها حتى هذا المنطق، فقد استعمل توصيفات وتنصل من استنتاجات، جعلته يخطئ حتى ضمن المنطق الذي اختاره لنفسه.
تمحورت نقطة الانتقاد المركزية حول عملية اتخاذ القرارات من قبل نتانياهو، تهميش “الهيئة السياسية” وهيئة الأمن القومي، وحول حقيقة أن نتانياهو لم يأخذ بالحسبان أن ايقاف الأسطول قد يؤدي إلى مواجهة عنيفة وإلى قتلى ومصابين كثر، كما انتقد التقرير عدم نقاش سيناريو احتمال اعتماد النشطاء لسلوك “عنيف”. لكن التقرير لم يكمل منطقيا المسار الذي اختاره لنفسه، فبالاعتماد على أن نقاشا سطحيا قد حكم هجوما عسكريا وتسعة شهداء، نستطيع استخلاص عدة استنتاجات، منها: أن الجيش بالغ و “قرر” أنه أمام إرهابيين دون دراسة ودراية كافية، ودون فحص لهوية النشطاء، أن الجيش بنى خطته بناء على أن السفينة تملك سلاحا دون معلومات أكيدة عن ذلك ودون معلومات حقيقية عما يجري داخل السفينة، أنه لا رئيس الحكومة ولا وزير الأمن وضعا خطوطا حمراء للعنف العسكري “المسموح به” على سطح السفينة وفي التعامل مع النشطاء، وأن لم يكن هنالك داع لإرسال وحدة كوماندو 13، وهي الأكثر عنفا وإرهابا من وحدات الجيش الإسرائيلي. ومن كل ما تقدم هنالك استنتاج مركزي واحد هو أن قرار الهجوم العسكري كان من الأساس قرارا فائضا عن الحاجة، وأن عدم الاستعداد والتحضير لسيناريوهات سيطرة ممكنة أدى إلى استعمال عنف غير مبرر من قبل الجيش الإسرائيلي.
أي حتى لو لم نرد نقاش ما جرى على السفينة، يكفي استعمال نقد عملية اتخاذ القرارات، لكي نصل لنتيجة مفادها أنه تم استعمال عنف غير مبرر من قبل الجيش الإسرائيلي. لأن ما جرى على السفينة، حتى ولو بدأ زمنيا بأحداث محاصرة السفينة من قبل 15 سفينة ومروحية، وأكثر من 120 من أفراد الجيش المدججين بالسلاح، إلا أنه بدأ منطقيا بعملية اتخاذ القرارات التي اختار التقرير أن يحقق فيها. بالتالي، يقدم لنا تقرير مراقب الدولة دون أن يدري أدلة كافية للإشارة إلى القتل الفائض عن الحاجة، وإلى العنف غير المبرر والهمجي الذي انتهجه الجيش الإسرائيلي. فالتحضيرات غير الكافية سياسيا، والتي تعني فيما تعنيه عدم تحديد حدود العنف والقتل، وعدم الدقة في تقدير “عنف” – مقاومة- النشطاء (سواء لجهة المبالغة أو التحجيم)، تعني في عملية المواجهة بين هذه الوحدة وبين نشطاء سياسيين، عمليات عنف وقتل غير مبررة وفائضة عن الحاجة من قبل وحدات الجيش.
بالتالي، عمليا قد لا يفيد تجاهل ما جرى على سطح السفينة، للتغطية على حقيقة ما جرى. لكنه رمزيا ومعنويا يعني اختيارا قيميا في الأساس. فالمنطق الذي يختار اقتصار “التحقيق” في الجانب الإجرائي لما تقره السياسة، وليس في منطق السياسة نفسها، هو منطق يختار تعزيز جوهر هذه السياسة، المبنية على توجهات عسكرية عنيفة.
يبقى أن نشدد، وكأن الأمر بحاجة لذلك، على أن مقاومة كل أشكال العنف تحتاج لنضال شعبي حي، والنضال من أجل الحرية هو قرار، على الشعوب أن تختاره. وهو نضال لا يتعلق لا بتقرير مراقب الدولة، ولا بسياسات إسرائيلية أخرى، ولا برضى إسرائيل عنا كما يظن البعض، ولا بقرارات الرباعية، ولا بغيرها. نضال الشعوب الحرة تتعلق بأمثال من فقدناهم على سطح سفينة الحرية، وآلاف آخرين فقدناهم من شعبنا، لكي نبقى نحن، مدافعين عن الحرية، وممارسين لها قدر ما تتسع الروح.
بقلم حنين زعبي