دراسة لرواية "مفقود رقم 2000" للكاتب "سهيل كيوان "

تاريخ النشر: 22/06/12 | 23:36

مقدِّمة ٌ :- الكاتبُ والصحفي والرِّوائي” سهيل كيوان ” من قريةِ ” مجد الكروم ” – الجليل – قضاء عكا – يكتبُ المقالة َ الصَّحفيَّة َ على أنواعها والنقديَّة والقصَّة َالقصيرة َ والرِّواية َ منذ أكثر من 18 سنة . يعملُ صحفيًّا ومُحرِّرًا قي جريدةِ ” كلِّ العرب ” . أصدرَ حتى الآن عدَّة َ كتبٍ وروايات وهي :

1 ) ” عصيّ الدمع ” . 2 ) مقتل الثائر الأخير . 3 ) مفقود 2000 ( رواية )

3 ) هوميروس من الصحراء – ( دراسة في شعر سميح القاسم بالإشتراك مع آخرين ) .

5 ) ” المبارزة ” . 6 ) أحزان النخيل ( مجموعتان من القصص ) .

7 ) مسرحيَّة للأطفال بعنوان : ” المرأة ” .

8 ) العصافير الطيِّبة – ( قصَّة للأطفال ) .

9 ) القرد الشَّره ( قصَّة للأطفال ) .

10 ) غسان كنفاني – العطاء الحزين – العطاء المُتوَهِّج – دراسة نقديَّة – بحث … وحصلَ هذا الكتاب ( الدراسة) على جائزة مؤسَّسة توفيق زياد .

11 ) مسرحيَّة ” ستة في ستة ” – حصلت على جائزة مسرح الميدان … ولهُ أكثر من رواية تحت الطبع والعديد من المؤلفات والأعمال الأدبيَّة التي لم تنشر بعد .

لقد حقق َ ” سهيل ” شهرة ً واسعة ً محليًّا وخارجَ البلاد على الصعيد الأدبي ، والذي ينظرُ إلى مسيرتهِ في عالم ِالكتاية ِ والأدبِ يراها ليست طويلة ً ، زمنيًّا ، حيثُ لا تتجاوزُ ال ( 19 سنة ) ، ولكنها عريضة ٌ جدًّا وخصية ، وذلك بالعطاءِ والثراءِ والإبداع ِ المُميَّز المتواصل ِ . وحركتنا الأدبيَّة ُ المحليَّة ُ تفتقرُ إلى الكم العددي من الكتاب الروائيِّين والقصصيِّين المُبدعين بالرغم ِ من كونها تزخرُ بالشعراءِ … وجاءَ ” سهيلٌ ” ليسدَّ فراغا ً وَحَيِّزًا هامًّا وليغطي مسافة ً واسعة في هذا المجال . لقد تفوَّق َ، بدورهِ ، إبداعًا وفنا ً وأسلوبًا على الكثيرين ممَّن يكبرونهُ سِنًّا وجاؤوا قبلهُ وسبقوهُ زمنا ً في الكتابةِ الروائيَّة . ولا أظنّني أبالغُ إذا أطلقتُ عليهِ لقبَ ” أمير القصَّة والرواية الأدبيَّة المحليَّة ” … وهذا ما قد نسمعهُ دائمًا من الكثيرين محليًّا ، وخاصَّة ً من الجهاتِ المُلِمَّةِ بالثقافة ِ والأدب ومن المُطَّلعِين والمُتذوِّقين للأعمالِ الأدبيَّة المُميَّزةِ .

مدخل : – سأتناولُ في هذهِ الدراسةِ – رواية َ ” مفقود رقم 2000 ” مع الإستعراض ِ والتحليل ِوبشكل ٍ مختصر ٍ قدر الإمكان – وسأحاولُ إلقاءَ الأضواءَ على جوانب مهمَّة في هذه الروايةِ من النواحي : الجماليَّة والفنيَّة والموضوعيَّة . والرواية ُ( الكتاب ) يقعُ في (188) صفحة من الحجم المتوسط – إصدار ” دار الأسوار عكا ” – وكتبَ مقدمة َ الكتاب الشاعرُ الكبير ” سميح القاسم ” .

يمتازُ أسلوبُ ” سهيل كيوان ” بشكل ٍ عام ، في جميع ِكتاباتهِ ، بالعذوبةِ وبالجمالِ ِ وبعنصر ِالتشويق وبالشفافيَّةِ وبالصراحةِ المباشرة أحيانا، وهو يمزجُ كثيرًا بين الأسلوب الصحفي والأسلوب الأدبي والروائي … حتى في رواياتِهِ الطويلةِ . وهذهِ الرِّواية ُ يتماوجُ فيها العديدُ من الأمور والمواضيع الهامَّة ُ ، مثل : 1 ) الجانب والعنصر النفسي . 2 ) الجانب الترفيهي والتشويقي (( المُسَلِّي )) . 3 ) الجانب الإنساني . 4 ) البُعد الوطني والقومي . 5 ) البُعد الفنِّي . 6 ) الجانب الأدبي . 7 ) البعد الثقافي . 8 ) الجانب الإجتماعي والسلوكي .

والذي يقرأ هذه الرواية َ يشعرُ منذ الوهلةِ الأولى أنَّ كاتبَهَا على مستوى عال ٍ من الثقافة ِوالإطلاع ِالواسع في جميع ِالمواضيع ِ والأمور ِالحياتيَّة والثقافيَّة والثقافيَّة والفكريَّة … واستطاعَ أن يوظفَ طاقاته الأبداعيَّة َ ومخزونهُ الثقافي مع تجاربهُ الذاتيَّة والحياتيَّة الواسعة في كتابهُ هذا ( الرواية ) … فتفنَّنَ في كيفيَّةِ صياغةِ فحواها ونسج ِ حوادثها ومواضيعها بأبعادِها الجماليَّةِ والفكريَّةِ والفنيَّةِ والإنسانيَّة والوطنيَّة ليكونَ لها تأثيرُها المباشر والعميق في نفسيَّةِ ووجدان ِ كلِّ قارىءٍ فلسطيني وعربي على الصعيد الوطني والقومي والذاتي والإنساني .

إنَّ الزميلَ ” سهسل كيوان ” يذكرنا عندما نقرأ لهُ بالكاتب المصري الكبير الحاصل على جائزة نوبل ” نجيب محفوظ وذلك من عدَّةِ جوانب ونقاط هامَّة … فنجيب محفوظ في كلِّ روايةٍ وقصَّةٍ لهُ عندما نقرؤُها ( أعني أيَّ إنسان ٍ يقرؤُها ) فينسى عالمَهُ وكلَّ ما يدورُ حولهُ وينسجمُ كليًّا مع قصصِهِ ويعيشُ أجواءَهَا ويستغرقُ فيها أكثرَ من كونهِ يشاهدُ مسلسلا ً أو فيلمًا سينمائيًّا وتلفزيونيًّا ملوَّنا ً ومُثِيرًا فيعيشُ جوَّ القصَّةِ بكلِّ تفاصِيلها وأحداثِها ويتفاعلُ معها … ويكونُ تأثيرُها على القارىءِ كبيرًا جدًّا .. حتى بعد أن ينتهي من قراءتِها بأسابيع أو بأشهر . وقد يتخيَّلُ كلُّ قارىءٍ ، لقصصِ ِ نجيب محفوظ ، نفسَهُ إحدى شخصيَّات هذه القصص ويتجسَّدَها ويتصرَّفُ في حياتهِ اليوميَّةِ أحيانا ً وبشكل ٍ تلقائيٍّ وغير مباشر من هذا المُنطلق . فنجيب محفوظ ، بدورهِ ، يُصَوِّرُ وينقلُ لنا في رواياتِهِ وقصصهِ الشارعَ المصري والجوَّ المصري بحذافيرهِ وبكلِّ ما فيهِ من سلبيَّات وإيجابيَّاتٍ ومناقضات … من بيوتٍ وحاراتٍ وزقاقاتٍ ، والحوانيت والناس والعادات والتقاليد المُتَّبعة والبائعين والشَّحَّّاذين والمتسوِّلين والفلاحين والبرجوازيِّين والشَّغَّالين … ويعكسُ لنا نفسيَّة َ وكيمياءَ الشَّعب المصري بالضبط ومحيطهُ بإبداعاتهِ وثقافتهِ وسذاجتِهِ ببساطتِهِ وفقرهِ بجمالهِ وقباحتهِ بسلبيَّاتِهِ وإيجابيَّاتهِ … وهذا .. كلُّ هذا عدا أسلوب ” نجيب محفوظ ” المُميَّز والمُبدع من الجوانب الفنيَّة والأدبيَّةِ وبإدخال ِ عنصر ِ وعالم الفانتازيا والخيال إلى رواياتِهِ أحيانا ً .

وأمَّا كاتبنا ” سهيل كيوان ” فنلمسُ عندُ نفسَ الشيىء تقريبًا حيثُ ينقلُ إلينا وضعيَّة َ وواقعَ الشَّعب والمجتمع الفلسطيني المحلِّي في مدنهِ وقراه وأماكن تجَمُّعِهِ ويُصَوِّرُ لنا الشَّارعَ والجوَّ الفلسطيني المحلِّي ، وخاصَّة ً القروي بحذافيرهِ . ويعكسُ لنا نفسيَّة َ وعقليَّة َ شعبهِ وعاداته وتقاليده ونمط حياته والأشياء المألوفة والسَّائدة لديه من : مفاهيم وقيم ومُثُل وآيديلوجيَّة متوارثة … يعكسُ آمالهُ وأحلامَهُ ومُعاناتهُ وتطلُّعاتهُ الذاتيَّة والمُستقبليّة والسياسيَّة …هذا بالإضافةِ إلى الأبعادِ القوميَّةِ والأمميَّةِ والمفاهيم الإنسانيَّةِ المُتحضِّرة والقيم والمُثل العادلة التقدُّميَّة التي تشعُّ وتنتبثقُ من بين أسطر وكلمات كلِّ عمل ٍ أدبيٍّ وروائيٍّ يكتبُهُ ” سهيل كيوان ” . وهذا أيضًا مُجتمعٌ مع عبقريَّةِ وقدرةِ سهيل الأدبيَّةِ الإبداعيَّةِ وتمرُّسِهِ وكفاءاتهِ الفذ َّة في كيفيَّةِ كتابةِ وصياغةِ الروايةِ والقصَّةِ المُترعةِ بالجوانب الجماليَّةِ والفنيَّةِ وما يُمليهِ عليها من أسلوبٍ شيِّق ٍ وجميل ٍ سلس ٍعذبٍ ولغةٍ حلوةٍ وصافة وراقية وبتسلسل ٍ جميل ٍ في مجرى الأحداث ، من خلال ِ عنصر ِ التشويق ِ والإثارةِ والترغيب، مُضيفا ً لها الأجواءَ والظلالَ الخياليَّة َ الحالمة َ وعالمَ الفانتازيا . وكما يستعملُ الكثيرَ من التوظيف الدَّلالي ويُدخلُ الرموزَ الشَّفافة َ والإيحاءات الجديدة َ للوصول ِ إلى الفحوى والمواضيع ِ والمعاني والأفكار والأهداف التي يريدُها … كما يحدثُ بالضبط وكما هو مُتَّبعٌ في عالم ِ الشعر ِ وتجاربهِ المُعاصرة من مراحل تطوُّر وتجديد ليواكبَ تطوُّرَات العصر والمَدَّ الثقافي والفكري الحالي . فيُحاولُ سهيل من هذا المُنطلق ِ والجانب أن يأتي بكلِّ ما هو جديد ومقبول … وقد وُفِّق َ في هذا وأبدَعَ أيُّما إبداع .

في هذهِ الرِّوايةِ ( مفقود 2000 ) يُقدِّمُ ” سهيل ” روايتين مُتداخلتين حيثُ ُتشكِّلُ إحداهما خلفيَّة ً للأخرى ولها علاقة ٌوارتباط ٌ معها … وهذا النوعُ من القصص ِ أو الروايات ( وجود قصَّتين أو أكثر مع بعض وبشكل ٍ مُتداحل ٍ ) غير مألوفٍ ومعهودٍ في الأدب العربي الحديث ، وهو موجودٌ وبشكل ٍ واضح ٍ في قصص ِ ألف ليلة وليلة … وخاصَّة ً في قصَّة ” الملك عمر النعمان ” – بَيْدَ أنَّ القصصَ المُتداخلة في كتبِ ألف ليلة وليلة مستقلة كل واحدة عن الأخرى استقلالا ً كاملا ً تقريبًا ويربط ُ بينهما فقط الراوي أو الشَّخصيَّة ُ التي تحكي القصَّة َ … وأمَّا لدى سهيل كيوان فالقصَّتان عندهُ كلُّ واحدةٍ مُنفردةٍ عن الأخرى … ولكن توجدُ علاقة ٌ ورابطة ٌ موضوعيَّة ٌ تجمعهما ، والقصَّتان تكملان بعضهما البعض .

ونجدُ عندَ ” سهيل ” اللغة َ المُفعَمَة َ والمُترعة َ بالحياةِ والشَّاعريَّةِ والجمال ِ والسُّخريةِ ، وهذا الأسلوبُ قد يُعتبرُ خطوة ً جديدة ً في مسيرةِ الرِّوايةِ المحليَّة . وسهيل كيوان هو أوَّلُ كاتبٍ محلِّي أدخلَ الكومبيوتر ( מחשב ) في قصصهِ وقد يكونُ أوَّلَ كاتبٍ عربيٍّ ، وذلك عندما تحدَّثَ عن عن الصَّحفي والكاتب الذي طبعَ إنتاجَهُ على الكومبيوتر وخزَّنهُ فيهِ . فلا نجدُ هذا لا عندَ نجيب محفوظ ولا غيره .. ويُطلقُ ” سهيلُ ” على بطلةِ الرِّوايةِ اسمَ ” حجله ” وهو اسمٌ شعبيٌّ مألوفٌ ، وهي َتعني الأرضَ والوطن – وحجلة ُ حسب الرِّواية هي فتاة ٌ جميلة ٌ يتمنَّاها كلُّ إنسان ٍ ، ولكنها تقعُ في الخطيئةِ أو بالأحرى ترضخُ وتنصاعُ للرجل ِالأجنبي( ..) الذي يمتلكُ كلَّ القدرات والإمكانيَّات من أموال ٍ وجاهٍ ومركز وجمال وقوَّةٍ وعضلاتٍ مفتولة.. إلخ .. .

فالأجنبي يصرفُ عليها ويُعطيها كلَّ ما تحتاجهُ من مال ٍ وطعام ٍ وغيره فتعيشُ معهُ حياة َ البذخ ِ والرَّفاهيَّة وتتنازلُ عن كيانِها ومبادئِها وأصالتِها وقيمها وتراثِها وتاريخها وتترك حبيبَهَا الشاب العربي الذي كان ُمستعِدًّا أن يموتَ لأجلِها ولكنَّهُ لا يملكُ المالَ والقوَّة َ والجاهَ والإمكانياَّت … إلخ كالأجنبي . وحجلة ُ هي الأرضُ العذراءُ البتولُ التي تدَنَّستْ بأقدام ِ الغريب المُحتَلَ الذي اجتاحَها وهي بحاجةٍ إلى تحرير ٍ لتعودَ إلى إهلِها الشَّرعيِّين وتُزاحُ أقدامُ الغزاةِ عنها . وفي هذه الروايةِ الكثيرُ من المشاهد الدراميَّة المُثيرة . ويُصَوِّرُ لنا سهيلُ كيوان بشكل ٍ رمزي ( مستعملا ً التوظيفَ الدَّلالي للشخصيَّات التي يضعها وينسجُها ) واقعَ الإنسان الفلسطيني وواقع العالم العربي بكلِّ أبعادِهِ ( السلبيَّة والإيجابيَّة ) وفي كيفيَّة عدم التوازن ِ الإستراتيجي والعسكري والتيكنيلوجي بين العرب والأجانب الغربيِّبن ، من خلال ِ المقارنة الواضحةِ والفارق بين الشاب ( ) عاشق حجلة وبين ( الرجل الأجنبي ) ، ولكن من خلال ِ مجرى أحداث الروايةِ يبقى بصيصُ الأمل ِ موجودًا لإنتصار ِ الحقِّ على الباطل ِ والنور على الظلام وليعودَ الحقُّ إلى نصابهِ ليعمَّ العدلُ والسَّلامُ الحقيقي . ولو أخذنا كلَّ جانبٍ من هذهِ الرِّوايةِ وكلَّ مشهدٍ من أحداثها وأردنا تحليلهُ فقد يستغرقُ هذا عشرات بل مئات الصفحات الكبيرة – وسأكتفي بهذا القدر .

– وأخيرًا – نهنىءُ الكاتبَ والأديبَ الرّوَائي المُبدعَ ” سهيل كيوان ” على عطائهِ الإبداعي المُتواصل والمُمَيَّز ونحنُ دائمًا في اننظار ِ المزيدِ من الإصداراتِ الجديدة لهُ .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة