صفقة إسرائيل الرابحة !
تاريخ النشر: 02/11/14 | 12:59 يحق لرئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتانياهو” بأن يستعيد ثقته من جديد أمام الداخل الإسرائيلي أولاً، وأن يعدل جلسته أمام الولايات المتحدة ثانياً، بعد اكتسابه لجولة الملاسنات السياسية المتبادلة، مع جهات رسمية أمريكية وغير رسمية، التي كانت قد أهبطت “نتانياهو” بادئ الأمر، إلى مكانة مالك الحزين الذي جاءته الريح من كل صوب، بسبب سياسته باتجاه الفلسطينيين وسواء بشأن العملية السياسية ككل، أو بالنسبة إلى الممارسات المارقة ضد الفلسطينيين، والتي كانت جلبت له المزيد من الضيق والقلق والتمرّد أحياناً، وذلك بعد أن لمس بيديه الجنوح الأمريكي بالاعتذار والأسف الرسميين، عمّا بدر من لغط الكلام، سواء من الرئيس الأمريكي “باراك أوباما” نفسه الذي أظهر تبرّماً متزايداً، أو من قادة وسياسيين وكارهي إسرائيل أو “نتانياهو” ذاته، الذين نعتوه بأنه (جبان) ومصاب بمتلازمة أسبرغر، Asperger syndrome- اضطرابات طيف التوحّد، تحظر على المصابين بها التفاعل الاجتماعي الطبيعي مع الآخرين- وباعتباره لدى آخرين، مُنشغلٌ فقط في الحفاظ على السلطة – “أوباما” كمشتبهٍ به-، والذي زاد الطين بِلّة، هو الاستطلاع الأمريكي الذي بيّن أن 60% لا تعجبهم سياسته و61% لا يؤيدون استمراره في الحكم، واللذين كانا أي الاعتذار والأسف، مدعومين بالمنح السياسية وبالعطايا المالية والمعنوية أيضاً، ومرفقين بالتعهدات بأن تواصل الولايات المتحدة العمل بصمت وفاعلية مع القضايا الإسرائيلية وبخاصة في مسألة السلام مع الفلسطينيين، علاوةً على استقبالها لإسرائيليين، للبحث في ردم الماضي وتعظيم العلاقات الثنائية، في شأن تنسيقات استراتيجية أمنية عالية، شاركت فيها مستشارة “أوباما” للأمن القومي “سوزان رايس”، ومستشار “نتانياهو” للأمن القومي “يوسي كوهين”.
صحيح أن ما يمكن القول به، أن استفزازات “نتانياهو” المتتالية، بشأن عدم سماعه للصوت الأمريكي باتجاه العمل الدبلوماسي بالنسبة للفلسطينيين، والعمل من جهةٍ أخرى على تقويض مسيرة السلام، هي التي اضطرّت واشنطن، لشن هجوماتها السياسية ضده، لكن الهجومات لم تُفلح، إذ لم يستطع “نتانياهو” النوم أو الراحة، حتى ردّ الصاع صاعين، معتبراً أن الهجومات الأمريكية مردّها، دفاعه عن إسرائيل، ومتهماً في ذات الوقت بأن المصالح العليا للدولة ليست على رأس أولويات مسؤولين أمريكيين يقومون بمهاجمته.
كان الجنوح الأمريكي متوقعاً، إذ لم توجد أيّة إشارة كبيرة، توحي كما يأمل البعض بأن هناك زيادة في نسبة التدهور بينهما، حيث بلغ الأمل لديهم بأن إدارة “أوباما” وحكومة “نتنياهو” بالطريق إلى أزمة كبيرة، ربما تكون الأسوأ في تاريخ العلاقة بين الدولتين، ربما تجرّ الولايات المتحدة لأن ترفع مصدّات الحماية الدبلوماسية عن إسرائيل خلال الوقت الآتي، وخاصة فيما يتعلق بخطوات السلطة الفلسطينية المقبلة، وسواء داخل مجلس الأمن أو باتجاه محكمة الجنايات الدولية وهيئات أخرى، أو بقيامها العمل على بلورة مشاريع قرارات بديلة ضد إسرائيل، في مبادرةٍ منها لعزلها، وهذا فيه ما يُخالف الجاذبية وحركة الكون.
لقد اضطرّت الولايات المتحدة لأن تضع سُلّماً كبيراً للنزول لتجاوز الأزمة وتدارك أخطائها، نتيجة لعددٍ من العوامل الواحد منها أكبر ثقلاً من الآخر، ويمكن إجمالها، في أن اللوبي اليهودي داخل الولايات المتحدة وحول العالم، لم يكن نائماً طوال فترة الهجومات الأمريكية، ولكنه كان ينشط بقواه المختلفة سياسياً واقتصادياً، بتوقيتٍ ومكان مدروسين تماماً، من أجل إسكات الإدارة الأمريكية وجعْلها تنظر إلى أقدامها فقط. أيضاً فإن انتخابات الكونغرس المقبلة، كانت عاملاً مهماً في تخفيف النبرة الأمريكية إلى الصفر، كونها ستُعبّر ببساطة عن أداء إدارة “أوباما” بالسلب أو القبول، باتجاه إسرائيل بالدرجة الأولى، كما أن تخوفات بلغت ذروتها، حينما غمر الشعور الأمريكي بأن حكومة “نتانياهو” كلّما تلقّت المزيد من الانتقادات باعتبارها ضاغطة، كلّما اقتربت من الخط الأحمر، أي إلى الجنون، الذي يمكنها من خلاله أن تقلب الدنيا على رؤوس الكل، وتقوم بما يُخلصها من تلك الضغوط، لتضطر الولايات أن ترفع القلم عنها أولاً، وأن تنغمس في تخريبها ثانياً، وخاصةً في الشأنين الإيراني والفلسطيني، كأن تقوم بتوريطها بشأن الملف النووي مع إيران، التي تعتبر نفسها قاب قوسين أو أدنى من اتفاق سياسي – نووي- معها، وخشية أن تقوم بخطوات انفرادية تُنهي بها القضية الفلسطينية وعلى غير رغبة واشنطن التي لا تزال تؤمن بالمفاوضات فقط، على أنها السبيل الواحدة في جلب السلام للمنطقة. كما أن إدارة “أوباما” قد لقيت الأسوأ، من خلال المحاولات الإسرائيلية المستميتة في إثبات أن الكلام صفة المتكلّم، وأن الصفات بما فيها الجبن هي ملتصقة في “أوباما” وأعضاء إدارته.
وعلاوةً على ما سبق، فإن هناك مطالبات إسرائيلية تعتبرها الولايات الأمريكية (شرعية) بالنسبة لإسرائيل، في ضوء لغتها الدفاعية بالنسبة إيران أو السلميّة والتفاوضية بالنسبة للفلسطينيين، ولكنها لا تستطيع توفيرها بقوّتها السياسية أو بالضغط أكثر على إيران بشأن نسف برنامجها النووي، أو العرب والفلسطينيين بأن يبذلوا أكثر مما يذلوه في شأن السلام، فالفهم الأمريكي يلتقي تماماً عند هاتين النقطتين. ويمكن إضافة خاصية تمتُّع إسرائيل بعلاقات شرعية وفرعية وجانبية ومن كل الجهات بالولايات الأمريكية، سيما وهي تأخذ دور البطولة في كل أحداث العالم، بحيث لا تستطيع واشنطن ترك دورها لحظة واحدة وسواء في الداخل أو الخارج، برغم فهمها بأنها في نظر إسرائيل، هي قوة مساندة وحين الضرورة فقط، لأن باستطاعتها نزع شوكها بيديها.
هذه العوامل مجتمعة وغيرها، جعلت واشنطن تسعى من غير عقل، لخفض التوتر مع تل أبيب، وعليه فلا غرابة في أن تملأ الدنيا صخباً ضد إسرائيل في أنها تفوّت الفرصة أمام السلام، وتتحدث علانية ووراء الستار، ليس عن تكريس الاستراتيجيات بينهما، بل عن تعميقها أيضاً.
إدارة “أوباما” في شأن تجاوزها الأزمة الحاصلة، لا يمكنها إلاّ إبداء أنها متفائلة أمام إسرائيل، وإن كان لا يوجد بالمطلق ما يدعو إلى ذلك، وسواء بحسب التصريحات الإسرائيلية بشأن السلام أو بشأن ممارساتها الاحتلالية، والتي لم تنقطع يوماً ضد الشعب الفلسطيني، علاوةً على أنها فشلت في جلب أيّة خطوة من أجل الدفع بالعملية السياسية، أو حتى في إثناء إسرائيل عن النكوص بتعهداتها الماضية كالإفراج عن الأسرى على سبيل المثال.
لا شك بأن واشنطن تشعر بالقلق، حول كل ما يجري من أحداث وتطورات بسبب سياسة “نتانياهو” المُخالفة لها، ولكنها فقط تشعر جيداً، وأن مصالحها مستقرة ومستمرة في نفس الوقت، لو أن هناك انسجاماً أعلى مع سياسته، مع علمها بأن ذلك الانسجام يضر بها قبل أن يضر بإسرائيل، وضمن هذه السياسة التي تقذف بالرؤى والمطالب العربية والفلسطينية إلى ما وراء الظهور، فإنه يمكننا الفهم بالمقابل، بأن منطق الولايات المتحدة باعتبارها أكبر قوة دوليّة وراعية لمستلزمات إسرائيل، يفضي إلى أن من السهل عليها تشخيص أيّة عِلة وإدواءها، لكن من الصعب أن تجد أدواءَها بمعزلٍ عن إسرائيل، وحتى في ضوء استمرار “نتانياهو” في الحكم.
د. عادل محمد عايش الأسطل
خانيونس/فلسطين
1/11/2014