فلتتصارع الصقور لتحكم الحمائم
تاريخ النشر: 01/11/14 | 13:26كثيرة هي مسالك السياسة ، وجميل أن نفهم أسس الاستراتيجيات التي يتم تطبيقها في منطقتنا ولو من باب العلم بالشيء ، فهذا العلم ولو بالحد الأدنى يعفينا من الدخول في متاهات التحليل العقيم للواقع ، والفهم السقيم لما يجري ، ويجعلنا – على أقل تقدير – قادرون على اتخاذ قرارات تتعلق بنا وبالمجتمعات الصغرى التي تتفاعل مع أفكارها وتحليلاتنا .
تفاعلات اتخاذ القرار داخل منظمة أوبك كمثال ، وأسعار النفط العالمية ، تطلبت حرباً عراقية إيرانية مدمرة لثماني سنوات حصدت مظاهر القوة في الدولتين ليتحكم الحمائم بأسعار النفط في أوبك ويسلم خط النفط للغرب لعقود .
وسياسة إشعال الفتن والحروب بين الأقوياء نسبياً لشلّ المشهد العام سياسةٌ متبعة ، فهذا ما حصل فعلياً في الحرب بين العراق وإيران ، التي حصدت ملايين الأرواح بين قتيل ومعاق وجريح ، وكلفت كل دولة منهما قرابة ٥٠٠ مليار دولار في زمن كان المليار يبني دولة .
وما يجري اليوم بين تركيا من جهة وإيران وحلفاؤها من جهة أخرى لا يختلف عن هذا الأمر أبداً ، فالدول الكبرى ، وصناع القرار الدولي ، يريدون تقليم أظافر كل دولة تشب على الطوق ، أو تتخذ مساراً لا يتوافق مع هيمنة الدول على مصادر الثروات وقرارات الشعوب ، فتشتعل الفتن وتنشأ القلاقل ، وتسيل الدماء على أرضنا وفوق رؤوس وبيوت شعوبنا والغرب يغني أغنية السلام .
الذي يؤلم هنا ، أن كثيراً من الإعلاميين والمحللين و( النخب المثقفة ) في عالمنا العربي أتقنت فن الجهل بلا منافس ، فبدأت تسب وتشتم ، وتحلل وتسوق شواهد من الحاضر كأننا منبتون منفصلين عن التاريخ .
وهنا أتساءل : أيمكن لأي عاقل أن يفهم ما يجري في سوريا ولبنان وفلسطين والعراق وتركيا اليوم دون أن يعلم شيئاً عن خط النفط العالمي القديم ؟ أو خط الحرير التاريخي القديم ؟
هل يمكن لمحلل سياسي عاقل أو مثقف ناضج أن يحكم على ما يجري في اليمن والخليج دون أن يفهم تاريخ الحروب بين الدولة العثمانية والدولة الصفوية ؟
هل يمكن لمن يعمل في السياسة اليوم أن يتكلم بأي مفهوم سياسي- مهما كان – دون أن يعرف الطرق التجارية البحرية ومصادر القوة في البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط ؟
برأيي ؛ نحن أمام تحدٍ حقيقي وكبير ، تحدٍ يجثم أمام النخب قبل العامة ، تحدٍ يتمثل بفهم تاريخ أوروبا وتاريخ المشرق الإسلامي قبل أن يحلّ أي منا ضيفاً على قناة فضائية أو موقع إلكتروني ليهذي بما لا يعرف ، وليضع الشعب في تضارب فكري كلنا في غنى عنه .
بقلم المستشار د. نزار نبيل أبو منشار الحرباوي