خبيط ولبيط ونهيق
تاريخ النشر: 03/11/14 | 14:45سمعت خبيط ولبيط ونهيق، بنطلق من بيت حماري فقلت في نفسي، لعل في نفسه طربا، فأتركه ينعم بهذا الطرب …… ولكن عندما ارتفعت الاصوات، واصبحت كأنها ضربات مطارك، في كتل حديديه صماء، توجهت الى بيته، لعلي استطيع معرفة سبب “جنونه المفاجئ”، واسكات ما يمكن اسكاته من هيجانه، ولما دخلت بيته، هالني ما رأيت، لقد كان يقف على قائمتيه الواقعتان على مؤخرة جسمه، ويرفع قائمتيه الاماميتين الى اعلى، ويحركهما، ذات اليمين وذات الشمال، ترافقهما في عملية الرقص المجنون، لاقبته ورأسه وأذنيه ….. كل هذا الرقص على انغام، يخرجها من بين شفتيه، واسنانه الصفراء …..فصحت به ناهرا :
– هيش ..!!! هيش …!!! قلتها مرارا حتى اوقف آلاته الموسيقيه عن الصفير … ولما توقف وهدأ، نظر الي نظره الهدف منها معرفة ما اريده منه، وخصوصا وانه حسب رأيه، يتصرف بصوره طبيعيه لا غرابه فيها ..!!!
– الا تستحي على دمك !!؟ ان تقوم بهذه الاعمال الساقطه ..!!؟
– اية اعمال – يا صاحبي – التي تقصدها !!؟ قال وهو يتظاهر بالغباء ….
– هذه الطبول والزمور والخبط الذي تصنعه ..!!!، قلت والغضب آخذ بالغليان في داخلي ….
– اولا – يا سيدي – اقوم بذلك داخل جدران بيتي ..!!! قال رادا الهجوم بالهجوم ….
– وثانيا ..!!! صرخت به مهددا متوعدا عاقدا العزم ان انزل به اشد انواع العقاب ..!!!!
– ثانيا – يا سيدي وتاج رأسي – ان هذا الذي اقوم به طربا وغناء، يشرح النفس، ويغذي الحواس …!!!!
– هذا طرب …!!!؟ هذا يغذي النفوس ..!!؟ قلت مستمرا في تهديدي ووعيدي له ….
– ان هذا هو المطرب الحميري يا تاج رأسي قد لا يطربك ويطرب غيرك من البشر، ولكنه يصنع العجائب في نفوسنا ..!!! قال غير آبه بوعيدي او تهديدي ..
– ليكن ذلك …. غني على هواك، وارقص كيفما شئت …. ولكن بأصوات منخفضه، تطربك ولكن لا تدق المسامير، في رؤوس الناس ..!!!
– قلت وقد بدأت تدخل في نفسي هبات من تسائم الشفقه ……
– انكم يا سيدي ” تتشاطرون ” علينا ..!!! قال فاتحا الباب للخوض في حديث جديد …..
– اولا : من الذي تعنيه بقولك انكم ..!!؟ ثانيا: بماذا وكيف نتشاطر عليكم !!!؟ خصوصا وان الشيئ الوحيد الذي فهمته من اقوالك، ان الضمير في كلمة علينا يعود الى معشر الحمير ..!!! قلت متخذا موقف الهجوم ….
– اما في الاخيره فقد كنت كما اعهدك نبيها لماحا …. اما الاولى والثانيه فأنكم بني البشر، تصنعون ” العجائب والعظائم ” في ازعاج بعضكم ..!!! انني – يا سيدي – لم انم ليلتي البارحه، بسبب الاصوات التي خرجت من عرس جيراننا ..!!! قال وهو ” ينفس ” من بطن كانت قد امتلأت بالقهر والشكوى ..!!
– انها افراح ..!!! اعراس، ايها الحمار الحقود الحسود ..!!!! يوم من العمر ..!!؟ صرخت به وقد عادت حوامات الغضب، الى تحركها في داخلي ..!!
– ولكنكم – يا سيدي – تستطيعون الاحتفال باعراسكم بدون ان تكون مكبرات الصوت عل اعلى درجاتها …. او بدون لعلعة البارود …..
– على الاقل الصوت الذي يخرج من الاعراس ” الطف ” من صوت الحمير ..!! قلت ضاربا اياه في الصميم ..!!!
– على الاقل – يا سيدي – فنحن كما تعرف حمير … عرف عنا قلة ” العقل ” والغباء والعناد ..!!!، فانسحبت من امامه ” جارا ذيلي ” متجنبا تعليقات له لا يحمد عقباها ..!!!
سمعت صوتا مزعجا يشبه صوت الحمير المعهود …. مقلدا صوت السياره : محركها، وزامورها، وصوت احتكاك العجلات، التي تصد نتيجه للحركات البهلوانيه التي يقوم بها الشباب، لاظهار بطولاتهم في الشارع، فعرفت ان هذه من ” جنونيات ” حماري التي يقوم بها حين يفقد عقله الصغير، فتوجهت الى بيته لاعيده الى صوابه ورشده …. وعندما وصلت صحت به :
– ما الذي تفعله ايها الحمار المجنون …!!؟
– فتجمد في مكانه من هول صوتي وحنى رأسه حتى كاد يصل ال ارض ونصب اذنيه الى اعلى واغلق شفتيه اغلاقا تاما … واغلق عينيه ولم يبق من فتحتيها الى مقدار شعره ..!!!
– وسكت ولم يخرج من أي صوت او حركه ……
– ان هذه الاعمال، لا تليق بك ومكانتك …… انك ملك لرجل يحترم نفسه، ويحترم الآداب العامه …
– اعرق – يا سيدي – وتاج رأسي اعرف ذلك ..!!!!
– اذا كنت تعرف ذلك، فلماذا قمت بهذه التصرفات المجنونه !!؟
– طيش – يا صاحبي – ..!! عملت ذلكن مقلدا بعض الشباب من جنس البشر … والذين يقودون سياراتهم في الشوارع، مستهترين بأرواح الناس وراحتهم، منتهكين كل الاداب العامه …!!!
– ولكن هؤلاء لديهم سيارات ..!!! قلت …
– سيارات ..!!! وهل وضعت السيارات من اجل ايذلء البشر ..!!؟ وهل وضع فيها المسجل لمي يطرب كل اهل البلد !!!؟ هل من المفروض ان يسمع الناس، هذه الاوان من الاغاني الساقطه القديمه والهابطه ..!!؟ انهال علي بهجوم كاسح صانعا مني ممثلا لكل الجنس البشري ..!!!
– ولكن على الاقل صوت مسجلاتهم، اجمل من صوت الحمير ..!!!
– قلت مؤنبا، ومذكرا بان اصوات الحمير تزعج سكان البلد ..!!!
– ان الحير – يا سيدي – لا تعرف من اللغات الا هذه اللغه …. وهي لا تملك الهواتف او الهواتف النقاله …. ولا تملك جميع وسائل الاتصال الجماهريه، من تلقزيون وراديو وانترنت فنهيقها هو وسيلة الاتصال الوحيدة بين الحمير ..!!!!
– كفى ..!! كفى ايها الحمار ..!!! كفاك هجوما على بني البشر ..!!!!لقد اصبحت لا تطاق ..!!
– اني – يا سيدي- اشفق على نسائكم واطفالكم وشيوخكم الذين يتعرضون يوميا لازعاج هؤلاء “لزعران” ..!!!
ان هذا الحما جعلني اخجل بما يفعله بعض شبابنا المتهورين في الشوارع … والذي اشعر احينا برغبه ملحه ” بالقبض على ارواحهم، واراحة البشريه منهم، ومن ازعاجهم ..!!!
بقلم الأستاذ يوسف جمّال
مقالة رائعة مكتوبة بأسلوب شيق جدا