الشاعر ابراهيم ناجي 1898-1953
تاريخ النشر: 03/11/14 | 13:51يا فؤادي لا تسل أين الهوى// كان صرحا من خيال فهوى ….. اسقني واشرب على أطلاله// وارو عني طالما الدمع روى
ليته كان حيا حين صدحت أم كلثوم برائعته ” الأطلال “. فطالما هفا قلبه لهذه الامنية، وطالما انتهز الفرصة تلو الفرصة، لعقد تعاون ثنائي مع هرم الطرب أنذاك، وطالما ألمح اليها بطريقة مباشرة و غير مباشرة أن يتعاونا فنيا، ولكن جوابها كان دائما يتخذ طابع التسويف. ربما لم تكن تظن ان في أشعاره ما يستحق الجهد والعناء والمغامرة، خاصة بعدما رأت هجوم طه حسين والعقاد على شعره، ووصفهما له- لشعره- باقذع الصفات.
هو طبيب، مثقف بارع واسع المعرفة، وذلك بفضل والده الذي طالما اهداه كتبا كثيرة ومتنوعة، اضافة الى ما اكتسبه هو شخصيا وذاتيا من دواين المتنبي، ابن الرومي، ابي نواس ،ناهيك عن قراءته اشعار الفحول الكبار من شعراء الجاهلية. درس العروض ونهل من بطون الشعر الغربي كذلك أمثال الشاعر الانجليزي شيلي وبيرون وغيرهم من شعراء الرومانسية. ومما يحسب له، ترجمته لاشعار بودلير من الفرنسية الى العربية مثل” أزهار الشر”، كما ترجم عن الانجليزية رواية ” الجريمة والعقاب ” لديستوفسكي، اضافة لترجمته رواية ” الموت في اجازة ” عن الايطالية. انضم الى مدرسة ” أبولو ” التي افرزت
نخبة عظيمة من الشعراء المصريين والعرب على حد سواء. كتب العديد من الكتب الادبية مثل مدينة ” الاحلام ” و ” عالم الاسرة “، واصدر مجلة ” حكيم البيت “. أما اشهر كتاباته فكانت قصيدة ” الاطلال “، التي شدت بها ام كلثوم لتشق أجواز الفضاء المصري والعربي، وللاسف، فقد سبقها الى دار الحق حينذاك، ولم تشف صدره اثناء سني حياته، وعلى اثرها لقب ب ” شاعر الأطلال “. تأثر بالشاعرين: اللبناني خليل مطران، وابن جلدته أحمد شوقي، لكنه نهج طريقه الخاص به، والذي يحمل بصماته الخاصة.
كان انسانا رومانسيا لأبعد الحدود، وكان رقيق القلب والمشاعر، رومانسي الحياة، شفوقا على الفقراء الذين كان يستقبلهم في عيادته، اذ كثيرة هي المرات التي كان يعالجهم بالمجان، بل ويدفع لهم ثمن الدواء من جيبه. أحب المنصورة وجمال طبيعتها، وأحب النيل بسحره الاخاذ، وهذا من اسباب رهافة حسه ورومانسيته. فقد قال عنه الامير عبدالله الفيصل: ” يعد ناجي من ابرز الشعراء الذين اقرأ لهم”. كما قالت عنه د. نعمات أحمد فؤاد: ” كان ناجي سريع الانفعال، كثير الاوهام، قلق الظنون، طاغي الحس، رفاف النفس، هفاف المشاعر”.
كان أول ديوان صدر له هو: ” وراء الغمام ” ويغلب عليه طابع الحزن، والتعابير عن الحب المحروم. لكنه لم يهنأ بصدور هكذا ديوان اثر مهاجمة النقاد له، فقد انزوى وترك الشعر ردحا من الزمن، ثم عاد يكتب البعض منه( وكان به بعض الهجاء لمن حاول احباطه)، اضافة الى القصص مثل ” مدينة الاحلام ” التي يذكر فيها حبه الطفولي الاول.
سافر مع شقيقه الى عاصمة النور- باريس- لأجل المساعدة في تسجيله في احدى الجامعات الفرنسية، ومن ثم يمم نحو عاصمة الضباب- لندن- لحضور مؤتمر طبي، واثناء وجوده هنالك، قرأ هجوم النقاد الكاسح على اشعاره، وعلى راسهم طه حسين و عباس محمود العقاد الذي اتهمه بسرقة الشعر، واصيب بخيبة امل، وحزن شديدين.و بينما كان يهم بقطع احد الشوارع في العاصمة البريطانية، اذ دهسته سيارة، نقل على الفور الى مستشفى سانت جورج، وبقي هناك الى ان تعافى، ثم عاد أدراجه الى ارض الكنانة، الارض التي احبها حتى النخاع.
في العام 1961 أصدرت وزارة الثقافة المصرية ” ديوان ناجي ” وهو مؤلف من ثلاثة دواوين له، اضافة الى بعض القصائد المتناثرة هنا وهناك. قام بجمعها د. أحمد هيكل ، استاذ الادب في كلية دار العلوم و الشاعر أحمد رامي. ومما يؤخذ على ناجي تركيزه المفرط على الناحية الرومانسية، اضافة لقصائد الهجر والحرمان. فهذا محمد مندور يصف شعره بقوله: ” قد أوشك معظم شعره أن يصبح قصيدة غرام متصلة، وان تعددت أحداثها وتنوعت انفاسها”. في حين يرى د. طه وادي بأن قصيدة ” ليالي القاهرة” هي نوع من الغزل تجاه محبوبته مصر بأكملها، وحسرة على ما أصابها من عدم القدرة على الرد على أعدائها.
وبعد رحيله، فقد صدرت عنه عدة دراسات مهمة مثل” ابراهيم ناجي” للشاعر صالح جودت و” ناجي ” للدكتورة نعمات احمد فؤاد، اضافة الى العديد من الرسائل العلمية( ماجستير و دكتوراه ) في الجامعات المصرية.
نقل الى وزارة الاوقاف حيث اطمئنت نفسه لما وجده من تكريم وتقدير. لكنه أخرج من وظيفته عام 1952 ولم يكن يدخر شيئا، فتنكر له الجميع حتى زوجته. عانى من مرض السكري الذي اصيب به منذ فترة الشباب المبكرة، وأهمل العلاج، فتدهورت صحته، ورقد رقدته الاخيرة عام 1953 الى جوار جده لأمه الشيخ عبدالله الشرقاوي في مسجده بجوار الحسين. رحم الله ابراهيم ناجي شاعرا وانسانا، ف ” أطلاله ” ما زالت شاهدة على براعته.
بفلم:يونس عودة