الشاعرة ورد عقل في سفرها وصمتها المُضيء

تاريخ النشر: 25/06/12 | 14:05

الشاعرة ورد عقل في سفرها وصمتها المُضيء

د. سامي ادريس

يُهلكني

العطشُ إلى لقائكََ،

لكنّي

لن أشرب…

ورد عقل

يكادُ صمتكِ يضيءُ عتمة الليل يا وردُ

فتيهي علينا بصمتِ الكلامِ

وعذب المناجاةِ كي نغرقا

وكيما نظلُّ نذوب بأشعارنا

فأولى بهذا الشعرِ أنْ يُعشقا

بهذه الكلمات افتتحتُ تعليقي على قصائد صمت، وسفر للشاعرة واللغوية ورد عقل،وقد استغرق هذا المقال شهوراً وأنا لا أكاد أفهم ولا أصل الى تلك الروح التي تسكن ورد عقل ، فكيف أكتب،ألقيتُ بالمقال جانباً، وألهيتُ نفسي بكتابات أخرى، وما زلت أنظر الى ورد علّني أصل الى مفتاح ذهبي يفتح صناديق المومياء الأثرية في مدينة الصمت المسكونة بطقوس الشعر، علّني أصل الى مروج العسجد وجواهر المرجان وقماقم سليمان. الحزن في كل مكان في مدينتها الصامتة وهياكل الأحزان ملقاة على الأرض دون جدوى. نظرةٌ والهة من بحر العبث تطل عليك تكاد تأخذ بيديك وتناديك ولكن إلى لا شيء. مدينة مسحورة ، وألحان سمفونية بيتهوفينية راقية تعللُ النفسَ بالآمال أرقبها.. ما أضيقَ العيشَ لولا فسحةُ الأملِ.. أكاد لا أراها ولا أعثر عليها، فهل من أمل ؟! نعم يصلنا صوتها المحب الذي يرسم آماله في رحاب الحلم:

لا تكفيني وردةٌ وحيدةٌ منكَ كي أنثرَ الشّذا في رحابِ الحلم.

أريدكَ أن تهديَني كلَّ باقاتِكَ ليزهرَ صدري حبًّا، فأهديكَ الجنى…

فهي تُكثر من الاستعارات المعبرة فتنثر الشذا في رحاب الحلم، ويزهر صدرها حباً، فتهدي محبوبها الجنى…

ويهمني في الدرجة الأولى أن يستمتع قرائي وأن استمتع أنا أولاً بما أكتب وخلال رحلة الكتابة التي تكون قصيرة جداً لا تصل الى ربع ساعة أو نصف ساعة ثم يتلاشى إكسيرها. أما هذه المرة فقد طال وطالت بيَ أوجاع الحروف وفي مثل هذه الحالة أفضل عدم الكتابة .

لكن سرعان ما تنفتح نوافذُ مشرعةٌ لتطل علينا ورد في بوح متحفظ قصير الأمد، إذْ تقول:

يُهلكني

العطشُ إلى لقائكََ،

لكنّي

لن أشرب…

والشاعرة تكتب لتغيير عالمها وعالمنا ، ويبدو للقارئ أنه ليس في مشاعرها الحزينة والفرحة والصامتة على السواء أيَّ نزوعٍ الى التطرف او الانسيابية او العفوية اوالبوح المتطرف ، وهي تقول في هذا الشأن:

لا تنبشي وجهي بحثاً عن بسمةٍ

البسماتُ في منفًى قسريًّ

لا تحاولي أن تنزعي عن وجهيَ

الضبابَ

سيفاجئُكِ فراغُ ملامحي من الشمسِ …

وها أنا أنتقي صورة من صوٍر توافدت الى عيني ،أنتقيها انتقاء الناقد الذي ينوي إضفاء صورة وردية حالمة فيها من العمق أحياناً ما يذكّرنا بأدونيس وجبرا ابراهيم جبرا، والماغوط. وحرصتُ أن يكون فيها مخاطبة الآخر ، وشيئاً يبعدنا عن مدينة الصمت ويقودنا الى مدينة الفرح المأمول . فتدافعت أمامي أمواج هادئة تكاد تحتضن القارئ إليها مخاطبة وداعية إياه أن لا يتأخر لأن الربيع لا ينتظر أحداً .. دعوة عذبة تكاد تكون بوحاً صريحاً من الشعر الراقي:

لا تتأخّرْ عن جمعِ الزّهورِ!

الرّبيعُ لا ينتظرُ أحدًا…

كَلِّلْ جبيني بالفرحِ

وأَجِّلِ الحزنَ إلى صيفٍ ما

فأساعدَكَ على تقديمِهِ قربانًا للشّمس…

إنّ انتقاء الناقد هو تحيّزٌ في حدِّ ذاتهِ ، وأنا لا أستطيع أمام هذا الزخم من القصائد الجميلة إلاّ أن أختار ما يروق لذائقتي ويبهج القراء ويذكر الشاعرة بمواطن الجمال الذي سطرته وأبدعته أناملها.

والتقيتكَ ذاتَ قصيدة

فانكسرَ الوزن

من شدّةِ العناقِ…

ثم إنني عثرت على قصيدة تقع تحت عنوان: (صور لا أبتغيها): وقولها لا أبتغيها إنما هو تخفيف لما كان في اللاوعي : ( أرفضها) إنها قصيدة من السهل الممتنع، واضحة المعاني لها قافية عذبة لكنها غير موزونة تمام الوزن. الرائي الذي يمقت طول البقاء في ظلّ معاني هذه الصور التي يلفُّ الحزن كل ما فيها هو الشاعرة فهي ترفض هذه الصور المقيتة وترفض الوقوف عندها وأن يراها المجتمع مقترنة بهذه الصور الممجوجة، وهي تسعى جاهدة للتخلص منها ، ولكن لا فكاكَ من قيدها الذي أدمى معصمها ، فهي ستبقى رفيقة دربها تطلعُ عليها من مخزون ذكرياتها الباطني في اللاوعي، وقد عبّرت الشاعرة تعبيراً جميلاً عن ذلك بقولها:

صورٌ ستبقى

رفيقةَ دربي

ورفيقة حزني،

كلّما حاولتُ أن أُبْعِدَها

تثورُ ذاكرتي وتُدْنيِها….

فالصفة المسيطرة على هذه الصور التي تمقتها الشاعرة هي كونها صوراً حزينة. وتعامل الشاعرة مع هذه الصور نعرفه ويصل إلينا عن طريق ياء المتكلم في قولها: ( إلى عيني، لا أبتغيها، دربي، ذاكرتي).

صور لا أبتغيها

كم توافدَتْ

إلى عينيَّ

صورٌ لا أبتغيها!

يلفُّ الحزنُ كلَّ ما فيها..

ويمقتُ الرّائي

طولَ البقاءِ

في ظلِّ معانيها..

ومرة أخرى أقول أن الحزن والمعاناة واجتراح الحياة هي وقود الشعر وإكسيره الذي لا يفنى منذ أن خلق الله ملكة اللغة والتعبير عند الإنسان

تيمة الصمت هي تيمة كبرى لتلقي العالم

مسكينةٌ هذي الرمال..

يعانقها بحرٌ

أزرقٌ ثرثار،

ثم يتركها

صامتةً

مبلّلةً بألفِ سؤال…

إنه لتكاد لا تخلو قصيدة من قصائد ديوانها من كلمة الصمت ومشتقاتها، ولو أن صمتها يكاد يضئ ويتكلم بل ويصرخ .

لا تبخلْ عليَّ

بحروفِكَ..

هي أروعُ هديّة

لقلبٍ تائهٍ

بين سطورِ الحبِّ المنسيّة،

ويحلمُ بالسّفرِ

من سجنِ الصّمتِ

إلى سجنِ الحرّيّة…

يرافقُكَ اسمي في كلّ أغنية حبّ…

إن هربتَ من صوتِهِ ستراه يزيِّنُ كلماتِها، وقد تستنشقُ معناه دون أن تشعر!

طالما قاسمتُكَ كلَّ ما فِيَّ، لكنّي اليومَ أمارسُ حقّي بالأنانيّة وأحتفظُ بحزني لنفسي.

أخافُ أن تستردَّه بحجّة أنّكَ مصدرُه…

أخافُ عليكَ منه!

فلندع الشاعرة وحقها في الأنانية . وندعو لها أن ترفرف طيور الفرح على مدينتها، وأن تخرج عن صمتها الى مغامرات الحياة الصاخبة.

وقد قال المتنبي :

إذا غامرتَ في شرفٍ مرومِ *** فلا تقنعْ بما دونَ النجومِ

‫2 تعليقات

  1. نعم الواصف أنت دكتورنا ونعم الموصوف شاعرتنا ورد عقل التي تستحق اهتمام عملاق مثلك .. بوركتما .

  2. شكرًا للدّكتور سامي إدريس، وشكرًا لموقع بقجة على نشر هذا المقال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة