يوم دراسي في مدينة الطيرة: ثقافتنا، منها وعنها

تاريخ النشر: 05/11/14 | 14:43

نلتقي يوم الجمعة (7.11.2014) في مدينة الطيرة في المثلث في يوم دراسي عنونّاه هذه المرة ب “ثقافتنا، منها وعنها”، وهو استمرار لأيامنا الدراسية التي عقدناها في العام الماضي في قرية مجد الكروم ومدينة الناصرة والطاولات المستديرة في يافا وحيفا وفيها طرحنا مسائل محورية في ثقافتنا الفلسطينية وعلى رأسها موضوع الثقافة والهوية والتعددية الثقافية والنهوض الثقافي وفضاءات الثقافة الفلسطينية ويأتي هذا اليوم الدراسي ليختم عاما ثقافيا آخر بدأ بأذار الثقافة الذي شهد حوالي مائة فعالية من أعالي الجليل وحتى النقب وكانت متنوعة ، ثرية ومثرية وحضرها الآلاف من أهلنا وأحدثت حراكا لا يزال فعله نشطا حتى اليوم.
اخترنا أن نبقى في حدود ثقافتنا: منها وعنها، لأنها شغلنا الشاغل ولأنها تشكل كياننا الحضاري والابداعي المتمرد على كافة أشكال الاحتلال والقمع والتجهيل والتكفير والطمس والتزييف، وقد أضفنا على العنوان مقولة ألحقناها بالثقافة لأنها تصدق في كل زمان ومكان وهي: “اينما تحضر الثقافة تهرب الهمالات” على نسق : “إذا حضرت الملائكة هربت الشياطين”. والهمالات كما هي بلغتنا العامية (حررناها من الأقواس) لأنها تشمل كل ما يمكن اعتباره فسادا وعنفا وشرا وسوء وتسفيها وتخوينا ومزايدات وتحريضا وتجريحا ومسا بالكرامات ونؤمن أن حضور الثقافة هو الكفيل بطرد أسباب الانحطاط الخلقي.
وطن لنا ودولة لهم…
ثلاث ورشات ستشكل متن اليوم الدراسي وهي: تحديات الحراك الثقافي وفرص التمويل والثقافة في مواجهة العنف، وقد يبدو للوهلة الاولى ان لا رابط بين هذه المحاور ولكن المتمعن بها سرعان ما يدرك قوة الربط .
امامنا جميعا تحديات حياتية تنعكس بشكل مباشر على الحالة الثقافية. الهموم اليومية الفردية وكذلك الهموم اليومية الاجتماعية كلها تشكل التحدي الأكبر، فهي معيقات أولا فتسرق الوقت وتخطف الجهد والطاقة والفكر لأنها أثقل على النفس البشرية من أي عامل ثقافي ابداعي. المبدع والمثقف ومتلقي الثقافة يبحثون عن لقمة العيش اولا وعن مستوى الحياة اللائق وينخرطون مثل غيرهم في المجتمع وهموم الناس كلها هي همومهم وقد يكون وقعها عليه أثقل من الغير لأنه يتمتع بحساسية أكبر تجاه التمييز والظلم والقمع.
كيف للحراك الثقافي أن ينتصر على تحديات الحياة؟
سنسأل هذا السؤال الذي يقود إلى مكانة المبدع والمثقف في المجتمع ، ثم يأتي التحدي الآخر والذي لا يقل خطورة وهو القمع السلطوي السياسي والديني والاجتماعي والجندري والتربوي والثقافي (نعم يوجد قمع ثقافي يمارسه أولئك الذين يرفضون كل ما هو جديد وحداثي ومختلف في الفن والأدب والفكر) وسؤال السلطة يقود إلى سؤال العلاقة بالنظام السياسي القائم.
قد لا تجد مجموعة سكانية اثنية في العالم لها علاقة بالنظام السياسي الذي يحكمها كما هي المجموعة الفلسطينية التي تعيش في ظل الدولة الاسرائيلية، فهي أقلية في حدود الدولة وجزء من الأكثرية في الفضاء الاقليمي ، وهي الأصلانية ومحكومة كأقلية بيد أكثرية معظمها من المهاجرين، ولها الوطن، أما الدولة فليست لها وهم لهم الدولة وأما الوطن فليس لهم.
هدم المنجزات الحضارية..
اشكاليات المواطنة تشكل أحد اخطر تحديات الثقافة ، وقد ظهرت في الايام الاخيرة واحدة من هذه الاشكالات بمشاركة مبدعين عرب في ندوات عن الثقافة الفلسطينية نظمتها “المكتبة الوطنية الاسرائيلية ” في القدس وهي التي تحتوي على كتب سرقت من بيوت الفلسطينيين في القدس عام النكبة وتحفظ في المكتبة بلا استعمال. هل نقاطع؟ هل نشارك؟ ما الذي يحكم قرار المشاركة أو المقاطعة في وطن كله مسروق؟ هل المشاركة هي ثمن البقاء أم أنها التحدي والصراع على التحرير، من تحرير الكتب وحتى تحرير الوطن. هذا سؤال ثقافي ويمكن ان يلهب الحراك او أن يخمده، وهل الثقافة تختار الطريق الأسهل؟
نتحدث عن التحديات؟ يجتاح الشرق العربي فكر ظلامي يهدم معجزات ثقافية منذ الاف السنين ويتطاول على كل منجزات الثقافة البشرية وفينا من يتعاطف معه ويتمناه بيننا، وفي القدس تهدم منجزات حضارية هي جزء من موروثنا الثقافي وقبلها هدمت في نابلس وسرقت في اريحا وسبسطية. هذه تحديات وعلينا أن نضعها أمامنا لنعرف كيف نواجهها.
كيف ترتبط هذه التحديات بالورشة الثانية عن فرص التمويل وقد اخترنا أن تكون المساءلة موجهة للنظام لفحص استحقاقات المواطنة.
نحن نزعم اننا نؤدي كل واجباتنا المدنية ونطبق كل استحقاقاتها، فندفع الضرائب كاملة ولا نتمرد على قوانين الدولة ونلجأ إلى مؤسساتها المدنية ونشارك حتى في ادارتها اليومية أو على الأقل نخوض معركة طويلة لتعميق هذه المشاركة باعتبارها تجسيدا لمبدأ المساواة في الحقوق المدنية، أليس من تحديات الثقافة الفلسطينية الحصول على دعم لتوفير البنى التحتية اللازمة لأي نهوض ثقافي؟
تطاول على الثقافة…
واخيرا هل هناك ضرورة للبحث عن العلاقة بين الحراك الثقافي والعنف؟
الفعل الثقافي هو فعل أخلاقي لأنه يقوم على قيم أخلاقية ومباديء أولها أنه التعبير الأصدق عن حرية الانسان المبدع . هذا هو الاساس لأخلاقيته وكل مس بهذه الحرية من منطلق سياسي او ديني او اجتماعي هو شكل من اشكال العنف ولذلك لا تستطيع الثقافة أن تقف محايدة ازاء انتهاكات الحرية والمس بكرامة الانسان، وهي تتحول إلى فعل مقاومة اذا استنفرت أو حتى مجرد حضورها وانتشارها وتأثيرها يجعلها تستوطن في الحيز الذي قد يحتله العنف.
النص الابداعي لا ينهى عن ارتكاب الهمالات ولا عن المنكر ولا عن العنف ولا يوعظ ولا يوجه ولا يربي على عمل الخير، وهكذا الموسيقى واللوحة والمسرحيات كتلك التي تطلب اعتباطا من مسرحيينا (وللاسف الشديد هناك من يستجيب) لتقديم “مسرحية لحملة مكافحة المخدرات” أو عن “رضى الوالدين” وطبعا عن “الايمان والتسليم وحب الوطن وتمجيد الزعيم و..و…و..”).
الثقافة كأي عطاء إنساني آخر، تتعرض للاعتداءات والانتهاكات والزعرنة وفي كثير من الأحيان ممن يمارسون العمل الثقافي. يكثر التجار والفاسدون والمفسدون والناشرون الحرامية والناكرون للحقوق الملكية وتنتشر الفوضى وذلك للمس بقيم الثقافة وقيمتها الاجتماعية والوطنية، وفي هذا اليوم الدراسي اذا وضعت كل هذه “الهمالات” على طاولة البحث فستكون الخدمة مضاعفة. نكون التقينا لقاء ثقافيا آخر ونكون أثرنا حراكا جديدا يضع بعض النقاط على الحروف.
بقلم:سلمان ناطور

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة