القدس تستعد لفجر صادق له ما بعده …
تاريخ النشر: 30/06/12 | 7:00كلما مر الوقت ازدادت الهجمة الإسرائيلية على القدس شراسة …… إسرائيل تسابق الزمن في سعيها لإحكام القبضة على المدينة المقدسة تهويدا لمعالمها ، وتهجيرا لأهلها الأصليين ، وإحلالا لآلاف المستوطنين على أراضيها المصادرة وفي قلب أحيائها وحاراتها العتيقة … حكومات الاحتلال المتعاقبة أجمعت على أن القدس موحدة وستظل كذلك إلى ( الأبد !!!! ) ، وأنها عاصمة إسرائيل ( الخالدة !!! ) ، وأنها ستبقى تحت ( السيادة الإسرائيلية اليهودية !!! ) ، ولن يسمح احد بتقسيمها مرة أخرى حتى لو أدى ذلك إلى استمرار الصراع إلى مائة عام أخرى كما صرح بذلك مؤخرا ( بوغي يعلون ) القائم بأعمال رئيس الوزراء ( نتنياهو ).
الوضع الطبيعي أن نسأل : ماذا يفعل العرب والمسلمون لمواجهة الموقف ووقف اغتيال إسرائيل للقدس إنسانا وأرضا ومقدسات ؟!!!!! الجواب بالمقاييس المادية بديهي : ما يفعله العرب والمسلمون قليل جدا ، ولا يرقى إلى مستوى التحديات التي يشكلها الاحتلال الإسرائيلي … هل هذا الوضع هو الحقيقة ؟ لو نظرنا إلى القدس الشريف ووضعها في سياق التحولات العربية الجارية وعلاقتها بالصراع الشرق أوسطي ، لرأينا الوجه الآخر من الصورة التي ترتب الأقدار قطعها ، فإن اكتملت كان التحرير لها وللأقصى أبعد مدى وأعمق أثرا وأوسع نطاقا ربما من فتح صلاح الدين الأيوبي رحمه الله ….. يبدو لي أن الله سبحانه يعد للقدس دورا يتجاوز أحلام الطفولة التي تدغدغ أدمغة المفاوضين ، لأنها اكبر بكثير مما رسم لها الساسة المعاصرون ، ولأنها أعظم مما فرضته عليها قرارات دول الاستكبار العالمي من المستعمرين …
لعل في النظر في تاريخ المدينة منذ رماها المجرمون الفرنجة بنارهم وحرقوها بفولاذهم ، وما يجري اليوم على أرضها ، ما يكفي لاستكشاف ما يعد الغيب لها من أدوار يليق بمقامها الرفيع وبمكانتها المقدسة …
معركة القدس وما حولها بدأت منذ إعلان ( كليرمونت ) الشهير سنة 1095 للميلاد ، والذي أطلق فيه بابا الفاتيكان شرارة الحروب الصليبية الوحشية ضد المسلمين ، مرتكزا في تحريضه للفلاحين والبسطاء في أرجاء أوروبا على أكاذيب وأباطيل لا أكثر ، حرك بها غرائز الآلاف فسجلوا أبشع صور الانتهاكات في تاريخ الإنسانية …
واضح أن مرور ألف عام على تلك الحروب لم تكف ليستخلص العالم الدرس من أن الأكاذيب والادعاءات الزائفة التي ينقضها الواقع وتعارضها الحقائق الساطعة ، لا تستحق أن تُراق من اجلها الدماء وتُزهق في سبيلها الأرواح وتُستباح في هواها الحرمات والمقدسات …
أكاذيب في الماضي فَجَّرَتْ حروبا طاحنة أكلت الأخضر واليابس ، وأكاذيب إسرائيلية معاصرة تهدد أمن المنطقة ، وتنذر بحرب ستكون في نتائجها أفظع وأبشع من كل الحروب العالمية التي عرفها المجتمع الإنساني على الإطلاق …
لا ينكر أحد أن إسرائيل هي الأقوى عسكريا في منطقة الشرق الأوسط ، والأعمق حشدا للرأي العام العالمي من وراء سياساتها التوسعية وممارساتها الوحشية ضد فلسطين … لكن السؤال الذي يطرح نفسه : هل يمكن لعاقل أن يصدق أن عربيا أو فلسطينيا في هذه الأيام يمكن أن يشكل تهديدا وجوديا أو أمنيا لإسرائيل ؟؟!! طبعا لا . العالم لم يعد يصدق هذا الإفك الإسرائيلي المبين ، ولكن ضعف العرب والمسلمين على مدى عقود طويلة ، إضافة إلى اختلاف الفلسطينيين ، هو الذي جرأ العالم على البقاء في خانة الانحياز لإسرائيل رغم وضوح الصورة وانجلاء المشهد …
هل يمكن لأحد أن يصدق الأكذوبة الإسرائيلية حول القدس ( عاصمة أبدية ) بما في ذلك الأقصى المبارك ، لِوَهْمٍ عِشَّشَ في أدمغة المشعوذين من متطرفيها حول الهيكل المزعوم تحت أرض الحرم ، وفي إصرارها عل التمسك بالمستعمرات / المغتصبات على الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967 بما فيها القدس الشرقية ، وفي إصرارها على الاحتفاظ في إطار أية عملية سلام بمنطقة غور الأردن المحتل ، ومنع إقامة أي كيان فلسطيني مستقل بسمائه وأرضه وحدوده ومياهه الإقليمية ومجاله الجوي وثرواته الطبيعية وحرية حركته ، واستقلال قراره في عقد المعاهدات والاتفاقات ، وفي حقه في الدفاع عن نفسه ؟؟!! ألا يمكن لهذه الأكاذيب الإسرائيلية أن تعرض المنطقة لخطر عظيم لن ينجو من تبعاته احد ؟؟!!
ليس هنالك أخطر من أن يعيش الإسرائيليون رهائن عُقَدِ الماضي بكل أشكالها وأنواعها ، ولا أن يتمسك الإسرائيليون بشعارات تتناقض وبشكل صارخ مع أبسط قواعد العدالة ، ولا أن يعيشوا أسرى في زنازين الشكوك والأوهام الخادعة والدعاوي الزائفة ، ولا أن يُغَلِّبُوا العقلية الغارقة في سُكْرِ القوة العسكرية ونشوة التفوق الاستراتيجي …
القدس خط احمر … هذا ما لا يعيه الإسرائيليون … الأقصى المبارك آية في كتاب الله ، وجزء من عقيدة المسلمين … هذا ما لا يريد الإسرائيليون الاعتراف به … نحزن ، وَحُقَّ لنا أن نحزن ، ونحن نرى إسرائيل تسابق الزمن بهدف تهويد القدس وتشديد الحصار على الأقصى أمام سمع وبصر العرب والمسلمين … نبكي ونحن نرى إسرائيل تدمر مقبرة ( مأمن الله ) التاريخية في القدس ، التي يضم ثراها الطاهر جثامين الآلاف من العظماء والعلماء والصلحاء والفقهاء على مدى أكثر من ألف عام ، لتبني على جماجمهم حدائقها ومجمعاتها ومواقف سياراتها ، وأخيرا متحفا أسمته بلا حياء ( متحف التسامح ) بتمويل من جمعية أمريكية صهيونية … تضيق صدورنا ونحن نراها تزرع القدس الشرقية بمستعمراتها بعد أن زرعت غربها منذ العام 1948 ، وتضخ مئات آلاف عتاة مستوطنيها إلى كل زاوية من زواياها ، ليحولوا حياة المقدسيين إلى جحيم تمهيدا لتهجيرهم … نئن غيظا ونحن نراها تقيم جدارها العنصري يتلوى كالأفعى السامة في أعماق الأحياء العربية فيمزقها بأنيابه الحادة ، ليترك الوجود الفلسطيني أشلاء وقطعا لا تكاد تلتقط الأنفاس … كل ذلك يحدث وأكثر منه ، وأمة المليار لا تتحرك …
لكننا مع ذلك حينما نعود لسبر أغوار الصورة ، والغوص في أعماق المشهد القرآني ، نطمئن إلى أن إسرائيل بفعلها هذا إنما تحفر لها قبرا ، الله وحده يعلم متى تُلقى فيه جزاءً وفاقا ، كما أن الله وحده يعلم كم من التضحيات سيقدمها الشعب الفلسطيني حتى تحين ساعة الحسم ، وكم هو الوقت المتبقي حتى يُنَزِّلَ الله نصره على ( الطائفة المنصورة ) في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس كما بشر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم … لكننا – مع ذلك – لا يمكن إلا أن نرى الشواهد على ذلك شاخصة لا يراها إلا من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، فنطمئن إلى أن وعد الله حق …
إن أمام إسرائيل شعبا فلسطينيا مُصِرّا على انتزاع حقوقه بما في ذلك القدس والأقصى ، وأمة بدأت تتخلص من كل أسباب ضعفها وتخلفها وهزيمتها … شعب ضحى كثيرا ولم يبق ما يتنازل عنه .. شعب لن يتنازل عن أي شبر من أرضه المحتلة عام 1967 … وأمة لن تفرط أبدا بقدسها وأقصاها … فإما ذاك ، وإلا فلنترك القضية برمتها إلى الأجيال القادمة تحدد منها موقفها بما يليق بأمة عرفها التاريخ ك- ( خير أمة أخرجت للناس .. ) ..
بقلم الشيخ إبراهيم صرصور – رئيس حزب الوحدة العربية/الحركة الإسلامية