ولا تزكّـوا أنفسكم عن ظاهرة الغرور “أنا وأنا”
تاريخ النشر: 10/11/14 | 21:21من الواقع (4)
*************
ولا تزكّـوا أنفسكم
عن ظاهرة الغرور “أنا وأنا”
………………………………..
كثر في هذه الأيام النـفّاجون الذين يدّعون ويكابرون، فهذا شاعر نسيج وحده لن يُسبق ولن يُلحق، وهذا باحث أو روائي لم يصدر أحد ككتابه الدرّة، وهذه كاتبة تخطئ في أوليات اللغة تحتج لأنها لم تحصل على جائزة ما، بل كان من واجب اللجنة أن تقدم لها ما أسمته “الجائزة الكبرى”.
هذا السياسي يرى أنه لن يُدرك، ومن حقه أن يبقى إلى الأبد، وهذا الأب الذي يفاخر بأبنائه في كل وقت وحين، وهذا وهذا ….
يحدثونك عن إنجازاتهم وإبداعاتهم وصولاتهم وجولاتهم، وماذا قالوا، وكيف فعلوا، وأنت مضطر أن تسمعهم، أن تجاملهم، أن تهز رأسك أحيانًا، تتأفف طورًا، وتبحث عن وسيلة فيها تتهرب، حتى تحاول أن تحافظ على دماغك.
ما رأيكم في قول برتراند راسل : ” من علامات الانهيار العصبي أن يظن الإنسان أن ما يفعله في غاية الأهمية”.
يقول إيسوب : ” كلما صغر العقل زاد الغرور “.
*****
ما الذي دهانا، هل هم “يستهبلوننا” فيظلون يحدثون ويصرون على أن نسمعهم ونسمع بطولاتهم؟
لماذا لا يدَعون الناس تتحدث عنهم؟
الناس بمعظمهم يراقبون ويتابعون، ويعرفون بعضهم البعض، ويحبون المتواضع والنافع لمجتمعه، فإن كنت كما وصفت نفسك فأولى أن يقولوا هم، لا أنت، فمن تواضع لله رفعه.
ثم إن المغرور يظن بأن عيوبه كلها مخفية عن ناظري الناس، و لكن الحقيقة أنها مخفيّة عن ناظريه فقط.
يقول علي كرم الله وجهه: “من تكبر على الناس ذل” “والعُـجب عنوانه الحماقة” كما يقول كونفوشيوس، و”ما تاه إلا وضيع” كما يقول طاغور، وملأى السنابل تنحني بتواضع كما يقول شاعرنا “والفارغات رؤوسهن شوامخ”.
يقول شاعرنا المتنبي:
وإني رأيت الضر أحسنَ منظرًا *** وأهونَ من مرأى صغير به كِـبْـرُ
وأخيرًا:
لماذا لا يذكرون قوله تعالى “ولا تزكوا أنفسكم”؟ (سورة النجم، 32)
……………………………………
ملاحظة: هناك من يردد “أعوذ بالله من قولة “أنا”، والصحيح أن الاستخدام خاطئ أحيانًا، فاللفظة لا بأسَ بقَوْلِها إنْ لم يَقُلْهَا الشّخْصُ للكِبْرِ والفَخْرِ، فلفظة “أنا” واردة في أحاديث الرسول وفي أقوال السلف الصالح.
ب. فاروق مواسي