عندما تصبح منازل الفلسطينيين أهدافاً للرماية
تاريخ النشر: 11/11/14 | 0:01مرت ثلاثة أشهر تقريباً منذ أن وصل النزاع الأخير إلى نهايته، ولكن أكوام الركام والقذائف الفارغة في منازل عائلات غزة تذكر على نحو مؤلم بالموت والدمار الناتج عن أحدث عمليات إسرائيل العسكرية هناك في شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب من هذا العام . قتل أحفاد محمد أكرم الحلاق الثلاثة أثناء مشاهدتهم الرسوم المتحركة في غرفة التلفزيون عندما قصفوا بثلاثة صواريخ في 20 يوليو/تموز. وانهارت الجدران وكأنها سيل عارم من الركام، بينما تحولت إلى أكوام من التراب والصخور من فوقهم ومن تحتهم. لم ينج أحد من الأطفال. وقتل غيرهم ثمانية أشخاص، جميعهم من المدنيين، وبينهم أربعة أطفال من عائلة أخرى تعيش في المبنى.
وتكررت في جميع أنحاء قطاع غزة، مشاهد مماثلة. حيث دُمر ما لا يقل عن 18,000 منزل، أو لحقت بها أضرار أصبحت معها غير قابلة للترميم، بينما قتل أكثر من 1,500 مدني خلال “عملية الجرف الصامد”. وفي اسرائيل، قتل ستة مدنيين على الأقل، بينهم طفل، عندما أطلقت الجماعات الفلسطينية المسلحة صواريخ عشوائية عبر الحدود.
في تقريرنا الذي ننشر اليوم، تكشف منظمة العفو الدولية عن تفاصيل سلسلة الهجمات الإسرائيلية التي استهدفت منازل العائلات الفلسطينية في غزة. وكان الكثير من هذه المنازل التي هوجمت مكتظاً بالناس، الذين اضطروا للبحث عن السلامة عند الأقارب بعد فرارهم من المناطق الأخرى التي دمرتها الحرب على غزة.
ومع هذه الأدلة، يمكننا الآن القول على وجه اليقين إن القوات الإسرائيلية أظهرت تجاهلاً مروعاً لحياة المدنيين، بتدمير مبان بأكملها تأوي العشرات من السكان في عدة هجمات غير متناسبة بشكل صارخ نفذت دون سابق إنذار. والأدلة تشير بوضوح إلى حقيقة أن بعض هذه الهجمات غير القانونية هي جرائم حرب.
في المجموع، قتل 104 مدنيين على الأقل، بينهم 62 طفلاً، في هجمات لا مبرر لها على ثمانية منازل مختلفة. وهذه الوفيات كان يمكن، لا بل كان ينبغي، تلافيها. لم يوجه إلى المدنيين إنذار، ولم تكن لديهم فرصة للفرار. وبموجب قوانين الحرب (القانون الدولي الإنساني)، فإن مهاجمة المدنيين بصورة متعمدة محظور حظراً باتاً. ولا مناص من اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة، بما في ذلك تحذير المدنيين، للحد من الخطر على المدنيين. أما الهجمات التي يتوقع أن تتسبب بأعداد كبيرة من الضحايا المدنيين ويحتمل أن تكون غير متناسبة فيتعين وقفها. ولكن في العديد من الحالات، تم تجاهل كل هذه الالتزامات الأساسية.
بينما لم يكلف المسؤولون الإسرائيليون أنفسهم عناء الإجابة على الأسئلة الصعبة التي تثيرها هذه الهجمات. فلم يعترفوا في الحقيقة حتى بأنهم كانوا مسؤولين عن كل ذلك. إذ لدى إسرائيل القدرة الفنية على تنفيذ ضربات دقيقة ضد أهداف محددة والتسبب بدمار أقل بكثير – فلماذا لم تختر قواتهم على نحو متكرر سوى تسوية المباني المكتظة بالمدنين بالأرض، بدلا من ذلك؟ وما هي الأهداف المتوخاة من ذلك؟ ولماذا لم تصدر تحذيرات فعالة؟
لم تكن تلك حوادث معزولة، بل جزءاً من نمط من الهجمات على منازل مأهولة نفذت خلال العملية، وتظهر اللامبالاة تجاه معاناة المدنيين الفلسطينيين وتجاهل الالتزامات بموجب القانون الإنساني الدولي.
لقد أظهر كلا الجانبين، في هذا الصراع المستمر منذ عقود، اهتماماً ضئيلاً بالمدنيين. فأطلقت الجماعات الفلسطينية المسلحة صواريخ عشوائية على إسرائيل، وخزنت الأسلحة في المدارس، وأطلقت صواريخ قرب منازل المدنيين. وحتى الآن، ليس هناك دليل على أن الانتهاكات التي يرتكبها كلا الجانبين قد جلبت السلامة أو الأمن لشعبيهما.
وحرب هذا العام هي المعركة الرئيسية الثالثة في غزة منذ عام 2008. وقد اعتاد العالم أيضاً على صور أجساد الغزيين يتم انتشالها من تحت الأنقاض والمدنيين الإسرائيليين يهرعون إلى الملاجئ.
وعلى ما يبدو، فإن جراحهم الطرية بالكاد تجد الوقت للشفاء قبل اندلاع جولة جديدة من القتال.
ولكن لم تقم لا السلطات الفلسطينية ولا إسرائيل بإجراء تحقيقات محايدة ومستقلة في مزاعم ارتكاب جرائم حرب خلال الأعمال العدائية الأخيرة.
إن الطريق إلى وضع حد لهذا الخراب والدمار الذي يزداد شراسة هو وقف دوامة الإفلات من العقاب. ويتعين التحقيق في الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي بشكل مستقل ونزيه، وتقديم المسؤولين عن الجرائم إلى العدالة.
كما يتعين على اسرائيل رفع الحصار عن غزة وضمان أن لا تعتمد أبداً على التكتيكات التي تنتهك أسس القانون الإنساني الدولي. ويتعين على حماس والجماعات الفلسطينية المسلحة من جانبهم وضع حد للهجمات العشوائية والهجمات المتعمدة على المدنيين.
بيد أن آفاق العدالة تبدو ضئيلة في الوقت الراهن. فإسرائيل قد أعلنت عن سلسلة من التحقيقات التي لا تستوفي المعايير الدولية وليس ثمة احتمال في ضمان العدالة وجبر الضرر للضحايا. ومن المرجح أن لا تفعل لا “حماس” ولا السلطة الفلسطينية ما هو أفضل من ذلك. ورفضت إسرائيل بوضوح التعاون مع لجنة الأمم المتحدة للتحقيق في الانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان في النزاع الأخير، وما برحت تحول دون دخول لمظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش إلى غزة.
أمام كل هذا، فإن المحكمة الجنائية الدولية هي الرد الحاسم لتقديم المسؤولين عن الجرائم بموجب القانون الدولي في النزاعات الفلسطينية الاسرائيلية الحالية والسابقة إلى ساحة العدالة. ويتعين على السلطات الإسرائيلية والفلسطينية والمجتمع الدولي، على حد سواء، اتخاذ جميع التدابير اللازمة لإتاحة الفرصة لسلطة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بأن تنجز ما فشلت السلطات الوطنية القيام به: فتح تحقيق مستقل ونزيه في الجرائم المرتكبة من قبل جميع الأطراف.
ويتعين ألا يسمح المجتمع الدولي بخذلان ضحايا الانتهاكات مرة أخرى. بل يتعين أن يقدم أولئك الذين يأمرون بارتكاب جرائم حرب أو ينفذونها إلى ساحة العدالة، وإلا فمن المرجح أن يدفع المدنيون كلفة أعلى في الجولة المقبلة من القتال.
بقلم سليل شيتي، الأمين العام لمنظمة العفو الدولية