جبرا ابراهيم جبرا بقلم يونس عودة
تاريخ النشر: 11/11/14 | 15:43” جبرا ” كلمة ارامية تعني القوة والشدة.
أتم دراسته في بريطانيا والولايات المتحدة الامريكية، وحال العودة التحق بالسلك التدريسي في جامعات العراق. كان اكثر ما يمتاز به جبرا، بل ويتقنه، هو الترجمة الرائعة، التي تسبغ على النص المترجم رونقا خاصا، حتى أن صاحب النص الاصلي، كان يجد متعة في قراءة نصه المترجم في حلته الجديدة، اكثر مما يجده في ما كتبه هو قبل الترجمة.
كان ميلاده في بيت لحم في فلسطين في 28-8-1920 . درس في مدرسة طائفة السريان، ثم التحق بالمدرسة الرشيدية في القدس، حيث شاء القدر ان يتعرف على كبار الاساتذة انذاك أمثال ابراهيم طوقان، اسحق موسى الحسيني، وعبد الكريم الكرمي( ابو سلمى )، ومحمد خورشيد. بعد ذلك التحق بالكلية العربية ،حيث تمكن من ناصية اللغة العربية والانجليزية، اضافة الى لغته الام ” السريانية “- لغة اسرته.
انهى دراسته في القدس، ثم يمم نحو بريطانيا وأمريكا، وعند العودة، اتخذ من العراق موطنا اخر، اثر حدوث النكبة عام 1948. ففي العراق، تعرف عن قرب على قامات وقيم قيمة في المجال الادبي أمثال بدر شاكر السياب والبياتي، وعقد علاقات متينة معهما ومع الكثيرين من أصحاب القلم. يعتبره البعض من أكثر الادباء انتاجا وسخاء ادبيا، كما ونوعا، اذ بلغ عدد ما انتجه خلال سني حياته ( 65-70 ) عملا، في الرواية والنقد والمسرح والترجمة التي ابدع فيها بشكل متميز.
ففي بعض اعماله، قدم جبرا صورة قوية الايحاء لمأساة فلسطين مثل رواية ” البحث عن وليد مسعود “، ” السفينة “، ” عالم بلا خرائط “، وغيرها من نفائس الاعمال. فكما برع جبرا في التعامل مع الهموم المحلية في أعماله، فهو كذلك يجيد فهم المتغيرات العالمية على حد سواء. فقد قدم للقارئ العربي ابرز اهل الادب الغربيين، ولعل ترجماته لشيكسبير تعد من اهم وأروع الترجمات الخالدة، ناهيك عن قيامه بترجمة رواية ويليام فوكنر ” الصخب والعنف ” والتي قدم لها مقدمة رائعة، بغية التمهيد والشرح الوافيين للمتلقي عما تدور حوله من احداث. يميل جبرا من خلال بعض كتاباته الى ابراز الهم
والهدف التنويري؛ فهو يقدم مفردات وتراكيب ونصوص الى جمهور قد لا يكون ملما بأدق تفاصيلها. فهو يعمد الى شرح المونولوج، والديالوج،والبرولوج، وبعض المدارس الادبية ونشأتها، وغيرها من مفردات اخرى لاجل الاطمئنان على سير العمل ووصول الفكرة الى المتلقي.
لم يغفل جبرا، ولم تغب عن باله ثنائية العراقي الفلسطيني التي لازمته في بعض كتاباته. فهو النجم العراقي المثقف الناجح في حياته وأعماله، والذي يشار الى نتاجه بالبنان، الا انه لا ينسى انه ذلك الفلسطيني المسيحي الفلاح المجروح وطنيا، حتى اصبح الجرح شخصيا بحتا. هذا ما تجسد في روايته الرائعة ” البحث عن وليد مسعود “، التي حار في التعامل معها عمالقة النقد امثال د. فيصل دراج، الا انها في المجمل تلخيص للكينونة والهوية ومعنى التفوق.
النقد ميدان اخر برع فيه جبرا كثيرا. فهو من أكثر النقاد حضورا وتالقا في الساحة الثقافية، ليس في مجال الادب فحسب، بل في مجالات اخرى تهم الجمهور كالمسرح والسينما والفنون، وخاصة التشكيلية. لم يحالفه الحظ في كتابة الشعر، الا انه مع ظهور حركة الشعر النثري، فقد خاض غماره وكتب بنفس حماس الشعراء الشبان. كان لنتاجه النوعي اكبر الاثر في حياة الاجيال الشبابية المتلاحقة. زخم من الاعمال الراقية، وفيض من الانتاج المعرفي أهلانه لنيل ارفع الاوسمة والجوائز، سواء على المستوى الاقليمي، أم الدولي، ناهيك عن ترجمة الكثير من اعماله الى الانجليزية، الاسبانية،
الايطالية، الصربية، السلوفاكية، والفرنسية.
من أقوال جبرا ابراهيم جبرا: ” لحظات العشق الباهظة لا بد لها من ثمن باهظ، وتستحقه “، ” لا بأس ان يساورك الشعور بالاثم، فهذا معناه ان ذهنك نابض، وقلبك نابض، وأحاسيسك نابضة “، ” يبدو أن الهنود كانوا محقين عندما قالوا بأن هدف الحياة الاسمى هو الخلاص “، ” ان المتحدث لا تتجلى قريحته الا بوجود متحدث متجلي القريحة معه “.
وفي أواخر ايامه، لم يفارقه طنين حاد في اذنيه، حتى اصيب بالدوار مرات عديدة، وسقط ارضا، وادخل العناية المركزة، حيث أغمض عينيه، وللابد، في 1994 ودفن في بغداد.
يونس عودة/ الاردن