تونس…. والحبل عالجرّار
تاريخ النشر: 16/01/11 | 3:19بقلم يوسف جمل
ساءت الأوضاع في العهد الأخير في تونس الخضراء حتى صارت كعلمها حمراء ووصلت إلى ما هو أشد وأكبر من السوء والشدة وأعظم وأظلم فكان لا بد وحتماً أن تؤدي الممارسات والقمع والظلم والكبت إلى النتيجة الحتمية فالضغط يولد الانفجار وقد تحقق قول الشاعر ابن النحوي رحمه الله وهو من شعراء الأندلس المفقود حيث يقول في قصيدته ” المنفرجة ” :-
اشـتدي أزمة تنفرجي قـد آذن ليـلك بالبلـج
وظلام الليل له سرج حتى يغشاه أبو السرج
ها هو ليل تونس قد آذن بالبلج , تونس التي على ثراها وقبل مائة عام ولد الشاعر أبو القاسم الشابي (1909- 1934) وقضى على أرضها وفي ربوعها الخضراء عمراً قصيراً لا يربو على ربع قرن ومات في أوج شبابه وقمة عطائه لكنه استطاع أن يترك خلفه ميراثاً عظيماً للأجيال القادمة من أبناء تونس الأمجاد وللشعب التونسي بصغيره وكبيره وفقيره وقديره , هذا الميراث يتلخص في أبيات من الشعر لا نفتأ نرددها ونحفظها عن ظهر قلب هي بمثابة الدليل للشعب التونسي ولكل شعوب العالم المضطهد حينما يكون ما من بد إلا أن يأخذ الشعب دوره ويقرر وبإرادة ثابتة غير متزعزعة في حقه بالحياة الكريمة فعندها لن يخذل وسيتحقق له ما يريد وسيستجيب القدر لكل شعب يعقد العزم وسينال ما يريد بمشيئة الله الذي لا يرضى بالظلم وقد حرم الظلم على نفسه .
لقد زينت صورة الشابي العملة التونسية حيث تم إصدار فئة الثلاثين دينار تونسي سنة 1997 وعليها صورة الشاب الشابي الذي قال :-
إذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ فَلا بُدَّ أنْ يَسْتَجِيبَ القَـدَر
وَلا بُـدَّ لِلَّيـْلِ أنْ يَنْجَلِــي وَلا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَـنْكَسِـر
وَمَنْ لَمْ يُعَانِقْهُ شَوْقُ الْحَيَـاةِ تَبَخَّـرَ في جَوِّهَـا وَانْدَثَـر
هذه هي حال الظالم والمظلوم وهذه هي القاعدة التي لا شاذ عن القاعدة فيها ولا بد وحتماً أن يصير الحال في كل الأحوال وفي كل الأماكن والأزمان إلى ما صارت به على مر الحقب والعصور من اندثار واندحار للإمبراطوريات والمملكات والدول والحكومات والحكام والسلاطين ولنا في دفاتر التاريخ دلائل وبراهين وعبر.
ربما تطول الأيام ويزداد الظلام ويطغى الحكام ويذل الهوام لكن هناك رب لا ينام !
ولقد قيل أن العدل أساس الملك ودولة الظلم لا تدوم وكل ظالم بيجي يومه !
ألم ينم الفاروق عمر تحت الشجرة بلا حرس ولا جرس حتى استغرب المرزبان رسول كسرى ملك الفرس لما رآه كما رآه فقال للخليفة عمر بن الخطاب :- ( حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر )!!
وفي هذا يقول شاعر النيل حافظ إبراهيم :-
وراع صاحب كسرى أن رأى عمرا بين الرعية عطلا وهو راعيها
وعهده بملوك الفـرس أن لـها سورا من الجنـد والأحراس يحميها
رآه مستـغـرقا فـي نومـه …. فرأى فيه الجلالـة في أسمى معانيها
فوق الثرى تحت ظل الدوح مشتملا ببردة كـاد طـول الدهـر يبليها
فهـان فـي عينه مـا كــــــــان يكبره مـن الأكاســر والـدنيـا بأيديها
وقال قوله حق أصبحـت مثلا وأصبح الجـيل بعـد الجـيل يـرويها
أمنت لمـّا أقمـت العـدل بينهم فنمـت نوما قـريـر العـين هانيها
هذا وبالمقابل رأينا وعايشنا العنصرية وسياسة التمييز العنصري في جنوب أفريقيا وسياسة الابرتهايد ونهايتها على يد مانديلا وكل الأحرار عندما حانت الإرادة .
ومن قبل أمم وشعوب كثيرة قالت للظلم والاستبداد والاستعباد والاستغلال والتعسف والفساد والتجويع والتجهيل والكبت والتشريد لا ولا وكفى وأسقطت هذه الأنظمة بانقلاب حار أو بارد وأحمر أو أخضر وثورة أو سلام واستسلام .
كما وإنه لا يخفى على أحد منا وجود العديد من الأنظمة التي تسود وتحكم في هذا العالم بنفس الطرق والأساليب بل وبأعتى وأقسى وأشد , متجاهلة معربدة ظالمة مستبدة ويغيب عن بالها ما للشعوب من قوة وتأثير وأهمية حتى إذا ما طفح الكيل كان ما لا بد منه حيث ستنفض الشعوب عنها تراب الخوف وسيوقد من صبر الشعوب نار ستشتعل وستتمرد كل الشعوب على طغاتها ونواطيرها وحكامها وأسيادها وستكسر القيود بأسنانها وبإرادتها وعزمها وألمها وحلمها وأملها وستبزغ شمس الحرية وإن غداً لناظره قريب .
لم يتعلم حكام آخر الزمان في مدرسة المعلم الذي تعمد ظلم تلميذه الأمير ولي العهد بدون سبب والذي استدعاه لما تولى الحكم مستفسراً عن ظلمه له فكانت إجابة المعلم الحكيم أنه أراد أن يذيقه طعم الظلم حتى لا يستسيغه فيمتنع عن ظلم غيره لما يتولى سدة الحكم !
ها هي الشعوب تعود وتثبت أنها إذا ما أرادت فإن بوسعها وبمقدورها أن تقلب نظام الحكم حتى ولو دفعت ثمناً باهظاً من الأرواح والدماء والدمار والخراب وها هي الشعوب تعود وتثبت أن نظام الحكم بأيديها والويل كل الويل لمن يعبث بمقدراتها ويعيث فيها الفساد وها هي الشعوب تثبت أنها تقدر على صنع المعجزات بمشيئة الله !
ولقد قيل :- وما من يد إلا يد الله فوقها وما من ظالم إلا سيبلى بأظلم
وقال كعب لعمر بن الخطاب رضي الله عنه :- ويل لسلطان الأرض من سلطان السماء ، فقال عمر إلا من حاسب نفسه ، فقال كعب والذي نفسي بيده إنها لكذلك إلا من حاسب نفسه ، ما بينهما حرف يعني في التوراة .
رحمك الله يا أبا القاسم الشابي فقد تحقق ما كنت تريد وذلك بإرادة الشعب التونسي الأبي الذي سطر الظفر وعانق شمس الحرية بعدما سمعك تختم وتقول :-
وَأَعْلَنَ في الْكَوْنِ أَنَّ الطُّمُوحَ لَهِيبُ الْحَيَـاةِ وَرُوحُ الظَّفَـر
إِذَا طَمَحَتْ لِلْحَيَاةِ النُّفُوسُ فَلا بُدَّ أَنْ يَسْتَجِيبَ الْقَـدَرْ
وأخيراً وليس آخراً مبروك للشعب التونسي وإن شاء الله الحبل على الجرار وعقبال سائر البلدان والأقطار!
حياك الله استاذي الكريم وجمل ايامك بالسعادة والعطاء.
مقالتك هادفة ومعبرة…ارادة الشعوب اقوى من الحكام الذين
وصلوا الى السلطة بقوة السلاح وبطرق التفافية غير عادلة.
السلطة ارادة الشعب…الشعب يختار ممثليه للحكم لمدة قانونية
محدودة..بعد انتهائها تجرى انتخابات لاختيار ممثلين للسلطة.
هذا هو النظام الديمقراطي…به يكون صاحب السلطة ممثل وخادم
للوطن ولشعبه..
بارك الله فيك أستاذ يوسف .
هذا مصير كل الدّمى التي تنتحل صفة القائد الفذ وفخامة الرئيس وصاحب الجلالة ….!!
هم ليسو أكثر من صور مهترئة بالية , هم قادة ابتلينا فيهم, ليس فيهم أي صفة من صفة القيادة الحكيمة الرشيدة . اعتاشوا على أقوات الشعوب وشربو من دماء الشهداء والمناضلين , ستلفظهم الجماهير وتسحقهم , هم أوراق ستتساقط الواحدة تلو الأخرى , وستلهو بها الرياح قليلا هنا وهناك ومن ثمّ سيكون مصيرها المحتوم المؤكّد مزابل التّاريخ .
رأيت فقيراً يبكي فقلت ما الخبر؟
قال: الأسهم تلاشت وليس لها أثر
وطلبت من الصّراف سُلفة فاعتذر
وكلّ شئ زاد سعره إلّا البشر
الأغنام والجِمال والدّجاج والبقر
والألبان والأجبان والفواكه والخُضر
وابن آدم لايزال ذليلاً ومُحتقر
وازداد الفقر بين العوائل والأُسر
والرّاتب ينتهي قبل نصف الشّهر
والدّنيا تسير من جُرفٍ لمنحدر
فقلت له : إذا ابتليت بالهمّ والكدر
قم وصلِّ لله ركعتين قبل السَحَر
فهو يرزق من دعاه بجنّاتٍ ونهر
وتأمّل في الطّبيعة وضوء القمر
واستمتع بشذى الورد ولون الزّهر
وأعلم بأنّ الحياة ليست مستقر .