ياسر عرفات/ لتهنأ بالاً أيّها الخالد فينا

هل هو قَدَرُكَ، أم قَدَرُنا، أن تذهب الآن، في هذا السفر الأخير، بهذه الطريقة المُذهلة، وعلى هذا الشكل المُثير للفاجعة، في الزمان، زماننا، والمكان، مكاننا، يا أيّها القائد المتعدّد فيك، لكأنّك العاديّ كما لا نعرفك، والاستثنائيّ كما نجهلك، والمتوحّد فينا، شئنا أم لم تشأ لنا الأقدارُ، والأقطارُ، والأخطارُ على السواء.

هل هو قَدَرُكَ، أم قَدَرُنا، أن تذهب الآن، يا أيّها القائد المُعلّم (كما لا يشاء الكثيرون أن نقول، رغم أنّنا لم نكن كثيراً، على مرّ الزمان، زمانك، وزماننا، تلاميذك النُجباء)، في هذا السفر الأخير، وحدك، لتتركنا في هذا المفترق الخطير من الطُرُق، وأنت الذي، سافرت فينا، وبنا، عمرك كلّه، لنعود معاً، إلى منابعنا الأولى، وجذورنا الضاربة في أعماق الأرض، والتاريخ، واللغة، والفيزياء، وفلسفة النشوء والارتقاء، والملح في الماء والتراب.

هل هو قدرنا أم قدرك، أن تستبدل الآن ذلك السفر المتواصل بنا حول العالم الواسع، بشراً وبُلداناً، وأسماء وعناوين، مواعيد ولقاءات، بعضها قام بنا، وبعضها قام علينا، ونحن نحن، بين هنا وهناك، مسافرون، مؤقّتون، مؤجّلون، ومنتظرون لخاتم هنا، وطابع هناك، بهذا السفر الذي، يبدو الآن، أبديّاً، خالداً، ونهائيّاً، لكن فينا دائماً، وكأنّنا التراب والعشب والحصى، وما أنت إلاّ البذرة التي … كحبّة السنبلة “تموت لتملأ الوادي سنابل”.

هل هو قدرك إذن، أم قدرنا، أن تذهب الآن، وقد تعبت (منّا أيضاً)، وحدك، خالعاً عن صدرك الأبويّ، جميع الأوسمة، لتتركها لنا (عُهدةً، أمانة، رأسمال، ذكرى، أو مفاتيح لخزائن قدسيّة، تضمّ فيها كلّ ما أبقيته لنا ولم تأخذه معك، ربّما لترى كيف سنحفظه، أو ما الذي سنفعله به )، وتنام، أنت الذي كان لا ينام إلاّ قليلاً، كي لا يفوته (يفوتنا) النهار، فلتهنأ يا حارسنا الأبديّ، بالاً، روحاً، جسداً، أنفاساً، خفقاناً، ما دُمْتَ قد اخترتَ، أو هي الأقدار اختارت لك، أن تسكن منّا القلب، والرّوح، والحدقات، والخطوات، كي لا نُضيع (معك، وبذكراك)، هذا الطريق، الذي يؤدّي دون ما شكّ، إلى فلسطين، فلسطينك، وفلسطيننا، شاء من شاء، ولمن أبى، وشاء أن يخبئ الشمس بغربال، أن يشرب البحر(ين)، من هنا،ومن هناك.

طلال حمّاد/ 13 نوفمبر 2004

ياسر عرفات

رجلٌ يُدعـــى/ منذ بدايات البَدْءِ /

في عمر البشَرِ/ كالقَدَرِ/ مُنْذُ الأزَل ِ

والنَّقْش على الحَجَرِبالحَجَرِ

كَي يَنْهَضَ بَلَدي/ في وَطَني/ للأبَد

رجلٌ يُدعـــى/ في أدبيّات النّشء/

رمزاً/ لغزاً/ في تاريخ يمضي

كجذورٍ ضاربة في العمقِ

باتعة في الأفق ِ

وبذور تٌنْبتُ زرعاً

تُنْتجُ ضرعاً

ولقاح يُخصبُ في الأزهارِ/ والأشعارِ

لُغَة للخَلْقِ/ والطَّلْقِ

يَقرَؤُها الوالدُ للوَلَدِ

رَجُلٌ يُدْعــى/ في كلّ الأحيان ِ / والأزمان ِ

في الأهوال ِ

وَجَميع الأحوال ِ

جيلٌ يُنْذرُهُ للأجْيال ِ

كَالْعَلَم ِ/ تَرْفَعُهُ فَوْقَ القمَمِ

وَوَصيَّة جَدّ الْجَدِّ / للوَلَد

كَالْقَسَمِ

باٌسْم الشُهَداء الأبْرارِ

باٌسْم السجناء الأحْرارِ

باٌسْم الشَّعْب المنكوبِ

في الأشْتاتِ / والمغصوبِ

في عَقْر الدّار ِ

لا تَخُنِ/ لا تَهُنِ/ لا تَحِــدِ/ يا وَلَدي

عَنْ عَهْدٍ/ وَعْدٍ/ لَمْ يَزَل ِ

كالدَّيْن ِ/ في الْعُنُق ِ

حَتّى تُشْرقَ في الأُفُق ِ

شَمْسُ الحُرّيَة / أَوْ نَبِــدِ

رَجُلٌ يُدْعــى/ في الأسفار/ والأخبارِ

في رأس الكلماتِ/ وفي صدر الصفحاتْ

كالعَنْقاءِ/ في الهضباتْ

رُغْمَ الدّاءِ/ والأعْداءِ

رُغْمَ الأنواء/ والأخطاءِ

والعَثَراتْ

” ياسر عَرَفاتْ “!

يَذْكُر ُ ـ مَنْ يَذْكُرُ ـ

ممّن يَرْصُدُ في الأحداثِ/ والأحْوال ِ

ما حلَّ / وما ظلَّ/ على الأيّامِ/ للأقوامِ

تَنْقُلُهُ كالميراثِ/ للأجْيال ِ

في الصُحُفِ/ والكُتُبِ/ والحوليّاتْ

أسماءَ رجالٍ عَبَروا

كَهُبوب الرّيـح ِ/ عَلى حَجَرِ

تاريخ البَشَرِ

ذَهَبوا/ كَغُبار حَمَلَتْهُ الرّيحُ

ولم يَتْرُكْ

للنّاسِ/ في النّاسِ/ من أثَرِ

أمّا الحَجَرُ../ مَنْ لا يَذْكُرُ

ما يَفْعَلُهُ الحَجَرُ

في تاريخ البَشَر

غَيْرَ الأثَرِ؟

مَنْ لا يَذْكُرُ../ بالأمْس..

أَو الآنَ / سَيّانَ

إنْ غاب عَن الأذهان ِ

والأفكار ِ/ حَجَرُ سنمّارَ

ـ وَلَيْسَ سنمّارَـ/ في المعْمارِ

أنّ أساس البنيان ِ/ والعُمران ِ

والبُلدان ِ

في كلّ زمان ٍ وزمان ِ/

حَجَرٌ/ لَيْسَ كَكُلّ الأحْجار ِ/

حَجَرٌ/ يَصْمُدُ أبَدا

في وَجْهِ الإعْصار ِ/

يصْقُلُهُ/ وَيُشَكّلُهُ/

بَلَدا

بيَديْه ويَحْملُهُ/

كَعَلامَة دَرْبِ/ نَحْوَ النّصْر ِ

طفْلٌ من شَعبي/ لو أَبَـدَ الدّهْرِ؟

طلال حمّاد/ حزيران 2003 ـ نوفمبر 2004