شعائر خطبة وصلاة الجمعة من كفرقرع بعنوان "الإستقامة – إستقامة السرائر"
تاريخ النشر: 17/01/11 | 6:24بحضور حشد غفير من أهالي كفرقرع والمنطقة، أقيمت شعائر خُطبة وصلاة الجمعة، من مسجد عُمر بن الخطاب في كفرقرع الموافق 17 محرم 1432هـ، حيث كان خطيب هذا اليوم فضيلة الشيخ أ.عبد الكريم مصري “أبو أحمد”، رئيس الحركة الإسلامية في كفرقرع، وكان موضوع الخطبة لهذا اليوم المبارك، ‘‘الإستقامة – إستقامة السرائر‘‘، هذا وأم في جموع المصلين، فضيلة الشيخ صابر زرعيني “أبو الحسن”، إمام مسجد عمر بن الخطاب.
ومما جاء في خطبة الشيخ لهذا اليوم المبارك:” الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه، وآل بيته الطيبين الطاهرين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين.
وأردف الشيخ قائلاً:” أيها الأخوة الكرام، السرائر. هناك إستقامة الجوارح، وهناك إستقامة السرائر. من استقامة السرائر: النية، الإخلاص، التقوى، محبة الله ورسوله، التوبة، جهاد النفس والهوى، الرضا، الصبر، التوكل، القناعة، الزهد، الخوف، الرجاء، هذه عنوانات إستقامة السرائر، فإذا مررنا عليها بشكل معقول ننتقل إلى إستقامة الجوارح.
فينبغي أن تعلم أن موقع الاستقامة من الدين موقع أساسي جداً، فما لم نستقم على أمر الله لن نستطيع أن نقطف من ثمار الدين شيئاً.
وتابع الشيخ حديثه قائلاً:” الآن الحديث في هذه الخطبة إن شاء الله وفي الخطبة القادمة إن شاء الله مرة ثانية عن استقامة السرائر.
وتابع الشيخ:” أولاً النية: ((عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: قَالَ: إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ، فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً))، صدقوا ولا أبالغ إن تمنيت الشهادة في سبيل الله كتبها الله لك ولو مت على فراشك:(( فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا))، طبعاً الشيء البديهي لم يتح له أن يعملها، لم يتمكن أن يعملها، ما استطاع أن يعملها لكنه تمناها ((كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً))، هذا من استقامة السرائر، بالداخل((فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ)) إن لم يعملها والله رب النوايا كتبها له حسنة كاملة، فإن عملها كتبها له عشر حسنات إلى سبعمئة ضعف إلى أضعاف كثيرة ((وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا)) خوفاً من الله، على وشك أن يعملها، غلق الأبواب ثم خاف من الواحد الديان، ((وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً)) أية معصية اقتربت منها وفي آخر خطوة خفت من الله وقلت: معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي، كتبها الله عنده حسنة كاملة ـ فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً ))، هذه قضية في الداخل، بالقلب، بالسريرة، لا أحد يعلمها إلا الله، هذا الحديث متفق عليه في أعلى درجات الصحة، رواه الإمام البخاري ومسلم معاً، أو في عبارة أخرى رواه الشيخان، أو متفق عليه، هذه إستقامة النية. ((إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ))إمرأة بارعة الجمال إسمها أم قيس خطبها إنسان من مكة، هي هاجرت إلى المدينة فاشترطت عليه أن يهاجر إلى المدينة، وعندئذ تقبل به، فسمي هذا الإنسان: مهاجر أم قيس:((فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ))..”.
وأضاف الشيخ أيضاً:” والله هناك أعمال كالجبال، قال تعالى:((وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا))، أعمال كالجبال هدفها الشهرة، تعلمت العلم ليقال عنك عالم، وقد قيل، خذوه إلى النار. قاتلت في الحرب ليقال عنك شجاع، وقد قيل، خذوه إلى النار. تعلمت القرآن ليقال عنك قارئ وقد قيل؛ شيء يقطع القلب، قضية النية خطيرة جداً، فإذا استمعت إلى كلمة استقامة فابدأ باستقامة الداخل، البطن، القلب، والإخلاص: ((أنا أغْنى الشُّركاء عن الشِّركِ، مَنْ عَمِل عَمَلا أشرك فيه مَعي غيري تركتهُ وشِرْكَهُ ))، قال تعالى: ((وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ))، ليعبدوا الله بجوارحهم، هذه استقامة الظواهر: ((مُخْلِصِينَ لَهُ))، هذه إستقامة السرائر، القلب له عبادة، عبادته الإخلاص لله تعالى:((أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ))، قال الفضيل بن عياض: ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما معاً. قال تعالى يصف المؤمنين: ((يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ))، إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ ((مَنْ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ، وَمَنْ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ))، إن أرضيت الناس بسخط الله سخط الله عليك، وسخط عليك الناس، من الجهتين، وإن أسخطهم برضاء الله رضي الله عنك، وأرضى عنك الناس، ما قولك ؟ أي من آثر آخرته على دنياه ربحهما معاً، ومن آثر دنياه على آخرته خسرهما معاً.
وقال الشيخ أيضاً:” أيها الأخوة، التقوى؛ الطاعة، الطاعة تبدأ برغبة من الداخل، هذه الرغبة من الداخل إسمها تقوى الله؛((اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ))، أي الطاعة موقف نفسي، نويت أن تطيع الله، نويت أن تؤثر رضاه على رضاء الناس، نويت أن تكون على منهج رسول الله، الآية الكريمة:((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ))، قال بعض العلماء: حق التقوى أن تطيعه فلا تعصيه، وأن تشكره فلا تكفره، وأن تذكره فلا تنساه.
((يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾؛﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ))، وكل أمر موجه إلى النبي عليه الصلاة والسلام موجه حكماً إلى المؤمنين))يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا))..”.
وتابع الشيخ حديثه بالقول:” أيها الأخوة الكرام، ويدعو الملائكة للمؤمنين كما يحكي لنا القرآن الكريم: ((وَقِهِمْ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِي السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ))، إهدنا الصراط المستقيم، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يدعو فيقول:((اللَّهُمَّ إنّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى))، والآية تقول:((فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ))، والآية تقول:((إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ))، إرادة العمل الصالح من الداخل، خوف المعصية من الداخل، إرادة طاعة الله تبدأ من القلب، هذه من استقامة القلب. ومن إستقامة السرائر أن تشعر بحب لله ورسوله:((ثلاثٌ من كُنُّ فيه وجدَ بهنَّ طَعْمَ الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما))، أي أن يكون الله في قرآنه، ورسوله في سنته، حينما يتعارض النص القرآني أو النص النبوي أو كلاهما مع مصلحتك المادية القريبة المتوهمة، تضع مصلحتك تحت قدمك، وتؤثر طاعة الله ورسوله، عندئذ تستحق حلاوة الإيمان، ومن ذاق حلاوة الإيمان ذاق ما لا يوصف، صار بطلاً، صار شجاعاً، صار سخياً، صار مقداماً، صار جريئاً، صار عزيزاً. هؤلاء الصحابة العظام لماذا فتحوا الأرض شرقاً وغرباً ؟ لأنهم ذاقوا حلاوة الإيمان:((أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار))، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، هذا الولاء والبراء، توالي المؤمنين ولو كانوا ضعافاً وفقراء، وتتبرأ من الكفار والمشركين ولو كانوا أقوياء وأغنياء، الولاء والبراء.
أنت ممن؟ أنت من أية أمة؟ يذهب المسلم أحياناً إلى بلد غربي فإذا بولائه، ومحبته، وطاعته، واستسلامه، لمن يعادي المسلمين، وينظر إلى أمته نظرة ازدراء، هذا انتهى عند الله، هذا ولائه لغير المؤمنين.
علامة إيمانك أنك توالي المؤمنين ولو كانوا ضعافاً وفقراء، ولو كانوا متخلفين، ولو كانوا يعانون ما يعانون، هم أمتك، هم أبناء دينك، هم أبناء جلدتك.
وأضاف الشيخ:” أيها الأخوة الكرام، الحب شيء أساس في إستقامة الباطن، يقول الله عز وجل:((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)).
وإستطرد الشيخ حديثه بالقول:” أيها الأخوة الكرام، كل يدّعي أنه يحب الله، لكن الله عز وجل ما قبل ادعاء محبته، بل طالب من يدعي محبته بالدليل، والدليل قال تعالى: ((قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ))، علامة محبتك لله اتباعك لمنهج النبي عليه الصلاة والسلام، هذه علامة المحبة وما قَبِل الله محبته من دون دليل. جواب آخر: ((قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ))،أي بشكل دقيق جداً إذا كنت تؤثر أباك طامعاً بما عنده وتعصي الله، إذا آثرت أولادك وهم على معصية كي يبروك، إذا آثرت إخوانك وهم في وضع لا يرضي الله من أجل أن تستأنس بهم، إذا آثرت زوجتك غير المستقيمة لأن مصلحتك معها، إذا آثرت قومك وهم على خطأ، إذا آثرت مالاً وفيراً حصّلته من طريق مشبوه، إذا آثرت تجارة لا ترضي الله، بضاعة محرمة، أو التعامل محرم، أو طريقة الدفع محرمة، أو إذا آثرت مسكناً تسكنه والقانون معك وأنت لست بحاجة إلى أن يدعمك القانون، عندك بيت آخر، ومساكن ترضونها، إذا كانت هذه الأشياء الآباء، والأبناء، والأخوان، والزوجة، والعشيرة، والأموال، والتجارة، والمساكن، أحب إليكم من الله ورسوله عند التعارض، إذا تعارض الحكم الشرعي مع هذه التجارة، إذا تعارض الحكم الشرعي مع هذا الانتماء، مع هذا الولاء مع هذا البيت، مع هذه الأموال، فالطريق إلى الله ليس سالكاً:((فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ))،((جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى قِيَامُ السَّاعَةِ ؟ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ ” أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ السَّاعَةِ ؟ قَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: وَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا ؟ قَالَ: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثِيرِ عَمَلٍ، لَا صَلَاةٍ، وَلَا صِيَامٍ، إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ))القول الشائع يجب أن تكون عالماً، أو متعلماً، أو مستمعاً، أو محباً، الحب شيء أساسي، وقد قال الله عز وجل:((وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ))، محبة الله من استقامة الباطن، من استقامة السرائر.
أيها الأخوة الكرام، موضوع آخر هو التوبة، التوبة قرار داخلي، نويت أن تتوب، التوبة من استقامة السرائر:((اللَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ))، يركب بعيره وعليه طعامه وشرابه: ((لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ، وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي، وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ). نطق بكلمة الكفر:(( إذا رجع العبد إلى الله نادى منادٍ في السماوات والأرض أن هنؤوا فلاناً فقد اصطلح مع الله)).”.
وقال الشيخ في سياق حديثه:” أيها الأخوة الكرام:((إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ))، وقال عليه الصلاة والسلام:((إِني لأستغفرُ الله في اليومِ مئة مَرة))، سيدنا يونس – عليه السلام-: ((فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ)) التوبة قرار داخلي، والتقوى قرار داخلي، والحب قرار داخلي.
وقال الشيخ:” الحديث في هذه الخطبة عن إستقامة السرائر وجهاد النفس والهوى:((عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ))، ((وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا))، ((وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرً))، ((فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى))، ((إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ))، اعملوا واتكلوا فكل ميسر لما خلق له.
فالجهاد موقف داخلي، أن تتخذ قراراً بسلوك الطريق الصعب من أجل مرضاة الله عز وجل..”.
وأردف الشيخ قائلاً:” أيها الأخوة الكرام، من إستقامة السرائر الرضا، أن ترضى عن الله. شخص يطوف حول الكعبة، قال: يا رب هل أنت راضٍ عني ؟ كان وراءه الإمام الشافعي، قال له: يا هذا هل أنت راضٍ عن الله حتى يرضى عنك ؟ قال له: سبحان الله ! من أنت ـ يرحمك الله ـ ؟ قال له: أنا محمد بن إدريس، قال له: كيف أرضى عن الله وأنا أتمنى رضاه؟ هذا الكلام ما فهمه، قال له: إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله، قد تأتي مصيبة هل تقول من أعماق أعماق قلبك: يا ربي لك الحمد، أنت حكيم، وعليم، ورحيم، وعادل، وأنت رب العالمين تربيني، لعل هناك خطأ إرتكبته.
والله مرة شهدت حريقاً في أحد أسواق دمشق، أحد الأخوة الكرام احترقت أشياء من محله بالملايين، التقيت به قال لي الكلمة التالية: لعلي في الثلاثين عاماً الماضية إرتكبت أخطاء جمعها الله لي في هذا الحريق يا رب لك الحمد.
نال وسام الشرف، نجح بالإمتحان، ملايين مملينة ضاعت في محله التجاري. الرضا عن الله من استقامة الباطن، راض عن نفسك، عن شكلك، عن دخلك، عن إختصاصك، عن زوجتك، عن أولادك، كلها اختيار الله عز وجل، هذه قسمة الله لك، إن كنت راضياً فأنت أسعد الناس. ((إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ))،((ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس))،والله الذي لا إله إلا هو قد تجد إنساناً مؤمناً موظفاً، دخله محدود، قلبه ممتلئ رضا عن الله، وقد تجد إنساناً معه ملايين مملينة، معه ألوف الملايين، وهو ساخط عن الله:((ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، واجتنب ما حرم الله عليك تكن من أورع الناس، وأدِّ ما افترضه الله عليك تكن من أعبد الناس، ولا تشكُ من هو أرحم بك إلى من لا يرحمك)).
ويعاب من يشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم: سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى الأشعري أما بعد:” إن الخير كله في الرضا، فإن إستطعت أن ترضى وإلا فاصبر. أي الرضا أعلى من الصبر، إذا أحبّ الله عبده ابتلاه، فإن صبر إجتباه، وإن شكر اقتناه..”.
درجة عالية من الإيمان أن تأتي مصيبة تقول: يا رب لك الحمد، أنت اخترت هذه، وأنت الحكيم، وأنت الرحيم، وأنت العليم، وأنا المقصر المذنب، يا رب اجعلها تكفيراً لسيئاتي، هكذا المؤمن.
قيل للحسن بن علي: إن أبا ذر يقول:” الفقر أحبّ إليّ من الغنى، والسقم أحبّ إليّ من الصحة”، فقال الحسين رضي الله عنه: رحم الله أبا ذر، أما أنا فأقول:” من إتكل إلى حُسْن إختيار الله له و لم يتمنَ أنه في غير الحالة التي اختارها الله له فهو راض”.
أي إختار الله لك عملاً محدوداً، كلما سمع عن شخص دخله غير محدود يحترق قلبه، أنت يمكن كمالك، وإستقامتك سببها دخلك المحدود، لأن الله عز وجل علم ما كان، وعلم ما يكون، وعلم ما سيكون، دققوا في الرابعة وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون.
أنت على دخل محدود مستقيم من بيتك للجامع، لو جاءتك ملايين مملينة، والله أخت كريمة أرسلت لي رسالة زوجها سافر الذي إلى الخليج، كان فقيراً فاغتنى هناك، هي محجبة حجاباً كاملاً قال لها: عليك أن تأتيني و أنت تلبسين بنطالاً، وأريد بطنك أن يظهر، و إذا لم تأتِ هكذا فأنت طالق..”.
لذلك: إستعاذ النبي عليه الصلاة والسلام من الغنى المطغي، والفقر المنسي:((بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا: هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا، أَوْ غِنىً مُطْغِياً، أَوْ مَرَضاً مُفْسِداً، أَوْ هَرَماً مُفَنِّداً، أَوْ مَوْتاً مُجْهِزاً، أَوْ الدَّجَّالَ، فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوْ السَّاعَةَ، فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ))، اختارك من أسرة فقيرة، كلما تكلم عن رفيقه الذي يملك والده الملايين يقول: لو كنت ابن الغني لكان معي ملايين مملينة، هذا كلام الشيطان:((فلاَ تَقُلْ: لَوْ أَني فَعَلْتُ كَذَا كانَ كَذَا وَكَذَا، وَ لَكِنْ قُلْ قَدَّرَ اللَّهُ وَما شاء فَعَلَ فإنَّ “لَوْ” تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطانِ))..”.
وتابع الشيخ:” الجواب أيها الأخوة الكرام، والله الذي لا إله إلا هو يوم القيامة حينما يكشف الله لك عن حكمة ما ساقه إليك من شدائد إن لم تذب كالشمعة محبة لله فالدين باطل.
قال الله تعالى:((قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْر))، المصائب خير، والعطاء خير، والأمطار الوفيرة خير، والجفاف خير، والاجتياح أحياناً نصحو به، نتّحد، الأحداث الكبرى ظاهرها مؤلم جداً، لكن والله هناك خيرات من باطنها لا يعلمها إلا الله، وحدتنا، أيقظتنا، عرفنا قيمة أنفسنا.
قال أبو علي الدقاق:”ليس الرضا أن لا تحس بالبلاء”. البلاء مؤلم، موت الابن صعب، الرضا ليس معناه أنك تفرح بموت ابنك، مستحيل أنت بشر، الألم لا يتناقض مع الرضا، لذلك: ” ليس الرضا أن لا تحس بالبلاء، الفقر مؤلم، المرض مؤلم، موت الابن مؤلم، إنما الرضا ألا تعترض على الحكم والقضاء”.
فالإنسان يقول: يا رب لك الحمد، النبي بكى حينما مات ابنه إبراهيم، قيل له: أتبكي ؟ قال النبي عليه الصلاة والسلام:” إن القلب ليحزن، و إن العين لتدمع، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون”؛ هذا الموقف الكامل ليس معنى الرضا أن تفرح بالمصيبة، لا، المصيبة مؤلمة جداً، والفقر مؤلم، موت الولد صعب، ليس الرضا أن تفرح بالمصيبة، الرضا أن تحسن الظن بالله مع المصيبة. وكان النبي عليه الصلاة والسلام يدعو ويقول:”اللهم إني أسألك الرضا بعد القضاء”.
هناك رضا قبل القضاء ورضا بعد القضاء، أي أنت، يا رب لك الحمد.
هذه التي قالت في حضرة رسول الله، وقد كان في زيارة أحد أصحابه وقد توفاه الله: هنيئاً لك أبا السائب لقد أكرمك الله، لو أن النبي سكت لكان كلامها صحيحاً، هو نبي مرسل، معه تشريع، أقواله تشريع، وأفعاله تشريع، وسكوته تشريع، فإذا سكت فكلامها صحيح، فقال النبي لها:” ومن أدراكِ أن الله أكرمه ؟ قولي: أرجو الله أن يكرمه”، الفرق بين لقد أكرمك الله وبين أرجو الله أن يكرمك، قال النبي عليه الصلاة والسلام:” وأنا نبي مرسل لا أدري ما يفعل بي”.
هذا رضا قبل القضاء، كل واحد منا يا ترى يصاب بمرض؟ يجوز، إن شاء الله يرضينا، يا ترى يفقد أحد أقربائه؟ ممكن، الله يرضينا، هذا موقف المؤمن يرضى قبل القضاء، إذا وقع القضاء يرضى بعد القضاء.
أيها الأخوة الكرام، مرة ثانية إستقامة السرائر أخطر من إستقامة الظواهر والجوارح، منها النية، الإخلاص، التقوى، الحب، التوبة، جهاد النفس والهوى، الرضا.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين، أستغفر الله.
ومما جاء في خطبة الشيخ الثانية:” الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وإختتم الشيخ خطبته بالقول:” أيها الأخوة الكرام، مرة ومرة ومرة ومرة أتمنى عليكم أنكم إذا حضرتم خطبة هناك أشياء دقيقة وواضحة، وحاولتم في الأسبوع الذي يلي الخطبة أن تجهدوا في تطبيق ما سمعتم، وأن تتحدثوا لمن حولكم، لأهلكم، لأولادكم، لزملائكم في العمل، لأصدقائكم، لجيرانكم، بأي لقاء عن موضوع تأثرت به، إن فعلت هذا فأنت داعية من نوع خاص في حدود ما تعلم، ومع من تعرف، وهذا تطبيق لقول النبي عليه الصلاة والسلام:((بلغوا عني ولو آية))، بلغ أصحابك، وأصدقاءك، وجيرانك، ومن تلتقي بهم في هذا الأسبوع، بسهرة، بلقاء، باجتماع، ذكرهم بحديث واحد:((بلغوا عني ولو آية))، لأن الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم بدليلين قويين، الأول:((وَالْعَصْر * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ))…”.
كل الاحترام ! ولكننا لا نرى خطب باقي المساجد ايوجد مسجد واحد فقط في كفر قرع ؟
مع احترامي للجميع !! الرجاء عدم التحيز في هذا الامر !!
الرجاء النشر !!