مشترياتي من بلدي

” مشترياتي من بلدي” هي عنوان لحملة مباركة بدأتها جمعية إعمار للتنمية الاقتصادية ، رداً على دعوة الوزير العنصري “ليبرمان” لمقاطعة المتاجر والأعمال العربية، ورداً على الحملة التحريضية غير مسبوقة على شبكات التواصل الاجتماعي لمقاطعة منتجاتنا العربية وكل من هو عربي يحمل همّ الوطن، وكأن الهدف من هذه المقاطعة هو معاقبة وقمع مجتمع يقوم بواجبه الإنساني والديني والوطني تجاه إخوانه في غزة.
كما وجاءت هذه الحملة كرد طبيعي على الاعتداء الغاشم الظالم، الذي تشهده غزة هاشم، من الوحشية والظلم وعدم مراعاة جميع الأعراف الدولية والإنسانية، إذ إن قطاع غزة يشهد اعتداء من الاحتلال الاسرائيلي الذي تعوّد العالم على أن يكون هذا الاحتلال دائما خارج المنظومة الدولية من جهة الالتزامات والمسؤوليات، إذ إنه دائما خارج منظومة قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن وكل ما هو إنساني، وهذا ملاحظ في مشاهد الاعتداء على الأطفال والنساء وكبار السن والمدنيين والمؤسسات المدنية والمدارس والمستشفيات ومنع وصول المساعدات الإغاثية للمرضى والجرحى والمحتاجين، وأصبح أهل غزة في وضع لا يتمناه الإنسان لعدوه فضلا عن صديقه ومن يحب.
فكانت لنا في الداخل الفلسطيني بخلاف العالم العربي وقفة وهبة شعبية ووحدوية ضد العدوان الغاشم ، فكانت المظاهرات والتظاهرات والمسيرات، وحملات الإغاثة التي يثلج وينشرح لها الصدر .
لمّا كان الاقتصاد في هذا الزمن ذا تأثير كبير وفعال على مواقف واتجاهات الساسة ؛ فقد بدأت الدعوة إلى (مقاطعة) المتاجر والشركات اليهودية الداعمة للحرب والعدوان على غزة ؛ لتكون وسيلة ضغط عليها لتوقف من موقفها المعادي لأهل غزة خاصة ولأبناء شعبنا الفلسطيني عامة.
مما لا شك فيه أن سلاح المال والاقتصاد من أشد الأسلحة مضاءً وتأثيراً في هذا العصر، كما أن العامل الاقتصادي هو مِنْ بين العوامل المهمة التي تدفع الأمم إلى مكان الصدارة على الساحة الدولية، في المقابل ان المساس بالعامل الاقتصادي، أو محاولة زعزعته وإضعافه، يعد اعتداءً خطيراً على حياة الأمم واستقرارها. ومن هنا تأتي أهمية الكلام عن المقاطعة الاقتصادية، كسلاحٍ من أسلحة الردع والمقاومة.
إن المقاطعة أو ما يوازيها كمبدأ اقتصادي لا تعد ظاهرة حديثة، بل هي سلوك اجتماعي حصل كثيرا في التاريخ فقد زخر التاريخ الإنساني على مَرْ العصور، بالكثير من الأمثلة والصور التي استُخدِم فيها سلاح المقاطعة الاقتصادية كوسيلة من وسائل الضغط، لإخضاع الطرف الآخر، وفيما يلي عرضٌ موجز لبعض هذه الأمثلة:
1) المقاطعة التي فرضتها قريش على نبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ والمسلمون في حينها ، في بدايات دعوته إلى الإسلام والتوحيد، رغبة من قريش في أن يتراجع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والمسلمون عن دينهم الإسلام إلى الوثنية التي كانت تمارسها قريش في حينه، كما أنها تمثل أشبه بدرس وتحذير لكل إنسان يرغب في الالتحاق بدعوة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن مصيره سيكون المقاطعة، وقد استمرت هذه المقاطعة سنتين أو ثلاثاً.
2) مقاطعة الصحابي الجليل ثمامة بن أثال لكفار مكة ـ حيث قام ثمامة بن أثال _رضي الله عنه_ بعدما أسلم، بمقاطعة كفار قريش حيث قال لهم: “والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي _صلى الله عليه وسلم_”.
3) في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، وفي إبان حركة تحرير إيرلندا ضد السيطرة الإنجليزية، امتنع حلف الفلاحين، من التعامل مع وكيل أحد اللوردات الإنجليز من أصحاب الإقطاعات الزراعية في إيرلندا.
4) استخدام المقاطعة في عهد عصبة الأمم ضد اليابان وإيطاليا.
5) في عام 1921م، أصدر حزب الوفد المصري، بعد اعتقال رئيسه سعد زغلول قراراً بالمقاطعة الشاملة ضد الإنجليز، وشمل قرار المقاطعة حث المصريين على سحب ودائعهم من المصارف الإنجليزية، وحث التجار المصريين على أن يُحتّموا على عملائهم في الخارج ألا يشحنوا بضائعهم على سفنٍ إنجليزية، كما أوجب القرار مقاطعة التجار الإنجليز بشكل تام.
6) بعد الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945م) امتنع كثير من الناس في أوربا من شراء البضائع المصنعة في ألمانيا، بسبب احتلالها لبلادهم.
7) ما دعا إليه الزعيم الهندي غاندي، من مقاطعة البضائع الأجنبية بإحراقها علناً في بومباي ضمن سلسلة من أعمال الاحتجاج ضد الاستعمار البريطاني للهند.
8) ومن صور المقاطعة الاقتصادية رفض المستهلكين في بلدان عديدة، منذ مطلع الستينات حتى أوائل التسعينات في القرن العشرين؛ شراء بضائع من جنوب إفريقيا؛ احتجاجاً على سياسة التفرقة العنصرية.
9) ما قام به الملك فيصل ملك السعودية من استخدام سلاح المقاطعة الاقتصادية بشكل مؤثر، في أعقاب حرب 1967م وحرب 1973م، فبعد يومين من نشوب الحرب الأولى، أعلن حظر البترول السعودي عن بريطانيا والولايات المتحدة، وعلى إثر نشوب حرب 1973م تزعم حركة الحظر البترولي الذي شمل دول الخليج، فكان لهذا الحظر أثره في توجيه المعركة.
إن المطلع على تاريخ هذه الأحداث يرى أنها أتت أُكلها، وكانت لها نتائج طيبة على صعيد المجتمعات المقاطعة .
وعليه فإنّ الناظر إلى فوائد جعل سلة المشتريات من المصالح والمتاجر العربية ، يجد أنها تقوم على ترشيد عادة الاستهلاك المفرط لدى مجتمعنا العربي ، فنحن من أكبر الكتل المستهلكة في هذه الدولة ، كما وتعمل على توظيف اسواقنا في خدمة امن وقضايا شعبنا، ومن فوائد جعل سلة مشترياتنا من المتاجر والشبكات العربية زيادة قوة الشراء المحلي الأمر الذي ينعش الاقتصاد المحلي بمصالحه التجارية وزيادة الطلب على العاملين، مما يؤدي إلى تقليل نسبة البطالة، كما وأن زيادة الحركة التجارية المحلية من شأنها زيادة جودة المنتجات المتوفرة محليًا وخفض أسعارها وزيادة تنوعها، ذلك بوفود شركات تجارية أخرى للبلد ومقدرة المصالح القائمة على التوسع وزيادة المعاملات.
في نهاية هذا المقال نتوجَّه إلى الله بالدُّعاء أن يَهدِيَنا جميعًا سواء السبيل، وأن يجمع على الحقِّ خُطانا، وأن يُعطِيَنا القوَّة للتغلُّب على حالة اللامُبَالاة التي أصابَتْنا، ليس فقط في ديننا، وإنما في سائر أحوال حياتنا.
د. أنس سليمان أحمد  دكتوراه في الاقتصاد والمصارف الإسلامية