الجلوس على الطرقات.. منكرٌ مضرٌ بالنسيج الاجتماعي
تاريخ النشر: 14/07/12 | 15:56معاناة يومية في الذهاب والإياب يعاني منها بعض الناس في غالبية المناطق تتمثل في جلوس عدد من أفراد الحي في الشارع، سواء بإغلاقه أو على جانبه، إذ إنها تسبب الأذى لمن يمر؛ لأنه يشعر بأنه مراقب من الجالسين، أو لتضيقيهم الخناق عليه في العبور.
ولكن _عزيزي القارئ_ رسولنا الكريم نهى عن الجلوس في الطرقات، راغبًا بذلك في الحد من المشاكل، وما يتبع حدوث هذا الأمر من عواقب تؤثر في المجتمع المسلم، “فلسطين” حاورت رئيس قسم الشريعة الإسلامية في الجامعة الإسلامية أ.صادق قنديل، والتفاصيل في سياق التقرير التالي:
للنهي مقاصد
بدوره، يذكر أ.قنديل قوله (صلى الله عليه وسلم): “إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ, مَا لَنَا مِنْ مَجَالِسِنَا بُدٌّ نَتَحَدَّثُ فِيهَا، قَالَ: فَأَمَّا إِذَا أَبَيْتُمْ إِلا الْمَجْلِسَ, فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ, فَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ؟ قَالَ: غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلامِ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ”.
ويقول: “الرسول هنا ينظم علاقة الإنسان بالطريق، وعلاقة الإنسان بغيره من المارة أو الناس الجالسين في الطريق”، منبهًا إلى المقصد الأساسي الذي دفع الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى التنبيه والتحذير من الجلوس على الطرقات، والتشديد على ضرورة الاستغناء عن هذه العادة لدى المسلمين.
ويبين أن السبب الأول في مقصد الرسول (صلى الله عليه وسلم) يتعلق باعتبار الطريق من وسائل كشف العورات؛ لأن الجالس فيها يتتبع المار في الطريق رجلًا أو امرأة، وقد تبدأ بعض الظنون والشكوك بمراودة هذا الشخص، مدللًا بما ورد عن صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ، إذ قَالَتْ: “كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مُعْتَكِفًا، فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلًا، فَحَدَّثْتُهُ ثُمَّ قُمْتُ فَانْقَلَبْتُ فَقَامَ لِيَقْلِبَنِي، وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ، فَمَرَّ رَجُلانِ مِنَ الأَنْصَارِ فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَسْرَعَا، فَقَالَ (النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): “عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ”. فَقَالا: “سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ”، قَالَ: “إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَرًّا”، أَوْ قَالَ: “شَيْئًا”.
وما هي الحقوق؟
ويقول أ.قنديل: “تتبع العورات محرم في الإسلام وفق قوله (صلى الله عليه وسلم): “مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ”، وأما عن السبب الثاني للنهي عن الجلوس في الطرقات، فيذكر هنا قوله (صلى الله عليه وسلم): “نعمتان من نعم الله مغبون فيها الناس: الصحة والفراغ”.
ويضيف: “والجلوس في الطريق مضيعة للوقت وهدره، وإضاعة للحياة في أمور بعيدة عن طاعة الله”، مشيرًا إلى أن السبب الثالث يتمثل في حدوث العداوة بين الناس، إذا ما مر رجل وزوجته أو ابنته ولاحظ أن الجالسين على الطريق ينظرون بكثرة إليها، أو إذا جلس الرجل قبالة منزل جاره يكشف ما يدور في بيته.
ويوضح أن المقصود بقول الصحابة: “مَا لَنَا مِنْ مَجَالِسِنَا بُدٌّ نَتَحَدَّثُ فِيهَا” لمن كان لابد له أن يجلس في الطريق ليبيع أو لإنجاز مصلحة ما له، وهو أمر ضروري لا يمكن الاستغناء عن الوقوف في الطريق لفعله، فساعتها رد عليهم الرسول: “فَأَمَّا إِذَا أَبَيْتُمْ إِلا الْمَجْلِسَ, فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ”.
ويتطرق أ.قنديل إلى الحديث عن الحقوق التي يجب أن يقوم بها الجالس في الطريق، التي تعد علاجًا للأسباب التي تضمنها مقصد الرسول (صلى الله عليه وسلم)، والعلاج متمثل بـ: “غَضّ الْبَصَرِ، وَكَفّ الأَذَى، وَرَدّ السَّلامِ، وَالأَمْر بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْي عَنِ الْمُنْكَرِ”.
وأما بشأن من يمر في الطريق _تبعًا لقوله_ فإن كان امرأة ملتزمة بزيها وحجابها فعليها ألا تسرع في مشيتها، أو إن كانت برفقة زوجها وأبيها ألا تتأخر عنهما حتى لا يظن بها، وألا تغير من نبرة صوتها؛ مخافة أن يطمع من في قلبه مرض، بل تتصرف وفق الطبيعة التي خلقها الله بها بمشية معتدلة، وصوتها المعروف الذي لا يلين معه الرجل.
منكرات الشوارع؟
ويكمل: “على المار في الطريق أيضًا أن يلتزم بغض البصر فلا يرى باب بيت مفتوحًا في طريقه فيبصر ما خلفه، وأن يكف الأذى، ويرد السلام على من يمر عليهم؛ حتى لا ينال غيبتهم ونميمتهم”.
ويذكر ما ورد عن الإمام الغزالي (رحمه الله) في كتابه “إحياء علوم الدين” عن المنكرات التي تحدث، ومنها منكرات الشوارع، فيقول: “من المنكرات ما ذكره الغزالي في قوله: (طرح القمامة على جوار الطرق، وتبديد قشور البطيخ، أو رش الماء بحيث يخشى منه التزلق والتعثر كل ذلك من المنكرات، وكذلك إرسال الماء من “الميازيب” المخرجة من الحائط في الطريق الضيقة؛ فإن ذلك ينجس الثياب أو يضيق الطريق، ولا يمنع منه في الطرق الواسعة إذا العدول عنه غير ممكن، فأما ترك مياه الأمطار والأوحال والثلوج في الطرق من غير كسح فذلك منكر)”.
ويلفت النظر أ.قنديل إلى أن دخول مثل هذه الأمور حيز المنكر يعني أنه لا خير فيها ولا توافق الشريعة الإسلامية، وينبغي الابتعاد عنها ووقفها، متابعًا: “وهنا يأتي دور الوعاظ والخطباء وأهل الحي القائمين على أمره بتوعية الناس خطر الجلوس في الطرقات، وأن ما يفعلونه إثم ومعصية قد ترقى لدرجة الكبيرة، عبر القيام بحملات دعوية اجتماعية، وأن تقوم الحكومة والبلديات بتوفير أماكن قريبة من مساكن الناس كالأندية ليلتحقوا بها، وبذلك نصل إلى تخفيف هذه الظاهرة”، وفق قوله.
تقرير- أسماء صرصور