الموروث الأدبي للدكتور حبيب بولس
تاريخ النشر: 13/07/12 | 14:40افتقد الوسط الأدبي والثقافي في بلادنا الأسبوع الماضي، أحد روّاد الحركة الثقافية والأدبية، الكاتب والناقد الدكتور حبيب بولس، الذي غادرنا نتيجة مرض عضال لم يمهله طويلاً. يُعد الكاتب الراحل من أبرز النقاد في مجال المسرح والأدب في بلادنا، امتدت مسيرته الأدبية على نحو أربعين عاماً على الأقل، من انتاجاته في مجال الدراسات الأدبية والنقد اثني عشر كتاباً ، هذا بالاضافة للكتب التي أعدّها خصيصاً لطلاب المدارس كمواد مساعدة لهم في دراستهم، ولبرنامجه التلفزيوني المميز الذي أصبح في مركز اهتمام أدبائنا وشعرائنا، وأثار في كتاباته النقدية الجدل والتفكير.
ولد الدكتور حبيب ابراهيم بولس في كفر ياسيف في العام 1948 ، أنهى المرحلة الابتدائية في العام 1962 والثانوية في العام 1966 في قريته كفر ياسيف ، لينتقل بعدها الى دار المعلمين العربية في حيفا ، حيث أنهى دراسته فيها في العام 1968 ، ليعمل بعدها في حقل التدريس كمعلم للغة العربية ومن بعدها مفتشا للغة العربية لمدة ثلاث سنوات في وزارة المعارف لواء الشمال . التحق في العام 1973 بجامعة حيفا ليدرس موضوع اللغة العربية وآدابها وحصل على اللقب الجامعي الأول في العام 1977 ، ثم تابع دراسته الأكاديمية في جامعة تل أبيب ليحصل هناك على اللقب الثاني . وفي العام 1982 حصل على منحة من معهد الاستشراق في جامعة لايبزغ لاستكمال تحصيله العلمي للقب الثالث ، الدكتوراة، حيث كتب أطروحته عن أدب الكاتب الفلسطيني الراحل غسان كنفاني ، قدم الاطروحة في العام 1985 ودافع عنها في العام 1987 ليجيز دكتوراً في الأدب العربي الحديث بتاريخ 23 / 3 / 1987 . في احدى مراحل حياته انتقل الى مدينة الناصرة ليقيم فيها حتى وفاته.
أشغل الدكتور حبيب بولس في حياته عدة مناصب منها عضوية نقابة الأدباء وعضوية الاتحاد العام للكتاب وسكرتاريا لجنة المتابعة لقضايا التعليم ورئيس معهد الأبحاث على اسم الدكتور إميل توما، ومحرر مجلة “دارنا” للكلية العربية في حيفا ، وعضو هيئة تحرير مجلة “مواقف”. وقد أعدّ وقدّم برنامج “بين الكلمات” في التلفزيون منذ العام 1991، والتقى خلاله مع عشرات الكتاب والمبدعين الفلسطينيين المحليين ، كما ألف عشرات الكتب ونشر مئات المقالات.
من أبرز كتبه “القصة العربية الفلسطينية المحلية” الذي صدر بشهر ايلول من العام 1987 ، أعد الدكتور حبيب بولس هذا الكتاب بهدف إتاحة الفرصة للقارىء كي يواكب تطور قصتنا المحلية القصيرة وللتعرف على كتابها وعلى فنهم القصصي ، ولإتاحة الفرصة أمام الباحثين الذين ينوون دراسة هذا اللون والذي شمل نتاج 46 كاتباً قصصياً محلياً . فعملياً هذا الكتاب يؤرخ تطور القصة العربية الفلسطينية المحلية القصيرة ، ويحاول أن يحدد ملامح ومميزات القصة القصيرة المحلية من حيث الشكل والأسلوب .
علاقتي بالكاتب الراحل كانت مهنية ، لقاءاتي به كانت محدودة ، لكنها لم تمنعني من الغوص في أعماق هذا الانسان العظيم . وعندما كنت أتحدث معه ، كنت أكتشف كم أعرفه وكم يعرفني ، وفي لقائي معه بعد انتهاء التصوير لبرنامجه التلفزيوني في الاستوديو في القدس ، تسنى لي أن أعرفه أكثر ، حيث كان لدينا متسع من الوقت لنتبادل أطراف الحديث حول الحركة الثقافية المحلية عامة ، والحركة المسرحية خاصة ، وفوجئت كم كانت آراؤنا متوافقة . لم يخل هذا الحديث من التطرق لحياتنا الشخصية وهموم الحياة ، فاكتشفت عندها حبيب بولس الانسان ، كم هو محب لأسرته ، كم هو متفان من أجل الآخرين ، كم هو معطاء. وخلال إجراء اللقاء التلفزيوني شعرت بأن حبيب بولس يحاور بعمق ، ملّم ، وشعرت كم هو كان مستعداً لهذا اللقاء ، قرأ واستعد جيداً ، فكان اللقاء ممتعاً ، مثيراً ومجدياً، والفضل كل الفضل يعود للمحاور المثقف اللبق حبيب بولس.
وفي بداية طريقي في مجال الكتابة المسرحية ، لمست لدى الكاتب والناقد الدكتور حبيب بولس الانسان والأب الداعم والمشجع ، فلم يتردد في كتابة مقدمة لمسرحيتي “أبو مطاوع وحرية المرأة ” التي صدرت في كتاب في العام 1990 ، رغم كوني في بداية الطريق، ورغم كونه ناقداً لا يعرف المهاودة والمسايرة.
فحبيب بولس لم يكتب من برجه العاجي ، إنما كان جزءاً هاماً وفاعلاً في الحركة الأدبية ، فكان يساهم في الفعاليات الثقافية ، وكان متحدثاً مركزياً في الأمسيات والندوات والمؤتمرات الثقافية ، وعضواً مساهماً وفعالاً في مؤسسات وأجسام ثقافية ، والموروث الأدبي الذي تركه لنا الكاتب الدكتور حبيب بولس ، سيبقى مرجعاً للباحثين والأكاديميين والمهتمين بحركتنا الأدبية الفلسطينية ، مسرحاً وقصة ورواية لأجيال وأجيال.