المرحوم الدكتور طه حسين يقول عن ثروات الأثرياء العرب
تاريخ النشر: 16/07/12 | 1:02المرحوم الدكتور طه حسين يقول عن ثروات الأثرياء العرب
“ثروات تُحمل على الظهور لتُنقل من جيل لجيل”
استوقفني خبر صغير قرأته في إحدى الصحف الأجنبية عن محسنٍ ثري، أجنبي..يقول الخبر: تبرّع احد الأثرياء لطفلين يتيمين بمبلغٍ من المال، رُصد لحسابيهما في المصرف يضمن لهما معه التعلم والدراسة من الابتدائية وحتى الأكاديمية أي التعلم من الألف وحتى الياء. وبقدر ما أثار هذا الخبر عندي من إكبار وإعجاب بل وتقدير واحترام لهذا المحسن أثار في نفس الوقت في نفسي الحسرة والأسى على أبناء شعبي في الوطن الكبير وهنا كذلك لدى شعبي الصغير الفقير من أنهم حرموا من أناس على شاكلة هذا المحسن الأجنبي ومحسنين أجانب غيره وهم كُثر عندهم ولكنهم قلّة عندنا والحمد لله الذي لا يُحمد على مكروهٍ سواه… ويستدّل على كثرتهم هناك من اللوحات التي تُزيّن قاعات المؤسسات التعليمية والمعاهد العليا والمشافي والمنقوش عليها أسماء المتبرعين المحسنين وزوجاتهم أحيانا كذلك. وحتى المتنزهات والحدائق العامة والغابات وأماكن العبادة، النوادي والقاعات الرياضية فأنها تزخر كذلك بأسماء المتبرعين المحسنين، تخليدا لأعمالهم الخيرية المباركة وتعبيرا عن العرفان بالجميل والشكر لصانعيها.
أما عندنا فقلّة من المحسنين المعطائين موجودة بين ظهرانينا والقلّة لا تعني العدم ولكن العدم في قلة وشح أعمالهم الخيرية وهي وان وُجدت فهي نادرة وقصيرة الأجل تظهر مرة أو مرتين أو ثلاث مرّات لتختفي بعدها وكأن الأرض قد انشقّت وبلعتها…. وما دمنا في خوض هذا الموضوع فلا بد أن نشيد بفخر واعتزاز بالمشاريع الخيرية القليلة جدا جدا والتي هي أقل من أصابع اليدين بكثير في مجتمعنا المحلي والتي استمرّت بالعطاء منذ أن أقيمت ومنها من تعدى العقدين وأكثر نذكر منهما في هذا السياق وعلى سبيل المثال صندوقين في المثلث لدعم ومساعدة الطلاب الجامعيين العرب احدهما قطري والآخر محلّي…
وعودة إلى تلك الفئة القليلة من الناس التي منّ الله عليها بنعمه ومدّها بالمال والعقارات تؤهلهم لمد يد العون والمساعدة للمحتاجين والمعوزين لأن في أموالهم حق معلوم، للسائل والمحروم، كما أمرنا الله تعالى في كتابه العزيز، وأضيف وأقول: وللمشافي والمؤسسات التعليمية والحدائق العامة والشوارع والمتنزهات وأماكن العبادة والنوادي التثقيفية حق معلوم في أموالهم… ويحضرني بهذه المناسبة قول لعميد الأدب العربي المرحوم الدكتور طه حسين، إذ قال مرة عن الأثرياء الذين يكدسون الذهب والفضة: “إنهم لا يفهمون الثروة ولا يقدرونها، ولا يفهمون ما ينبغي أن توجد هذه الثروة من صلة بينهم وبين مواطنيهم، وكل حظّهم من ثروتهم أن يأكلوا كثيرا ويستمتعوا بلّذات مادية، هم لا ينتفعون بثرواتهم أحياء ولا ينتفع الناس بثرواتهم بعد موتهم. هم لا يملكونها بل يحملونها على ظهورهم لينقلوها من جيلٍ إلى جيل.
فيا للعجب… فما أشبه كلام الأمس باليوم… فاعتبروا يا أولي الألباب يا اثريا العرب في كل مكان والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه.
(باقة الغربية)
مقالة هادفة لأمّة مشغولة بالمظاهر ولا تخطّط للمستقبل برؤيا
إنسانيّة وحضاريّة وقوميّة!